عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Dec-2025

"ذات القبعة الخضراء" كتاب لـ أيوب أبو دية يوثق تجربة غريتا ثونبرغ

 الغد-عزيزة علي

 يتناول كتاب للدكتور أيوب أبو دية بعنوان "ذات القبعة الخضراء: فلسفة النصر في الهزيمة"، تجربة الناشطة العالمية غريتا ثونبرغ بوصفها نموذجا لجيل جديد يرى أن العدالة البيئية لا تنفصل عن العدالة الإنسانية، وأن الدفاع عن الأرض هو في جوهره دفاع عن كرامة الإنسان وحقه في الحياة.
 
 
يقع الكتاب الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، في أربعة فصول؛ يتناول الفصل الأول البدايات من خلال طفولة غريتا ونشأتها في السويد، وتأثير الأسرة والبيئة في تكوين وعيها البيئي، وبدايات نشاطها. ويخصص الفصل الثاني الاحتجاج الأول، يناقش فكرة "الجمعة من أجل المستقبل" وردود فعل المجتمع والإعلام.
أما الفصل الثالث فيتناول صعود غريتا إلى الشهرة، ومشاركتها في المؤتمرات الدولية، وخطابها الشهير في الأمم المتحدة، وتأثيرها في الشباب حول العالم. ويختتم الفصل الرابع بـرحلة فلوتيلا الصمود، متناولًا دوافع أسطول الحرية إلى غزة، والتحديات والمخاطر التي واجهها، وتقييم الأهداف والطموحات.
يذكر أبو دية في مقدمة الكتاب أن غريتا ثونبرغ كانت في سن 22 عاما حين قادت، مع مجموعة من الناشطين العرب والأجانب، أسطولًا يضم نحو 50 سفينة وعلى متنه قرابة 500 ناشط من 48 دولة باتجاه غزة، بهدف فك الحصار الظالم عنها. ويؤكد أنها تُعد من الشخصيات القليلة في العالم التي قادت جموعًا من الناس في هذا العمر المبكر.
ويقارن المؤلف تجربتها بتجربة ملالا يوسفزاي، التي بدأت الدفاع عن تعليم الفتيات في باكستان وهي في الحادية عشرة من عمرها، وتعرضت لإطلاق نار من حركة طالبان وهي في الخامسة عشرة بسبب نشاطها، قبل أن تصبح رمزًا عالميًا للنضال من أجل التعليم، وأصغر حائزة على جائزة نوبل في سن السابعة عشرة.
ويرى أبو دية أن جيلا جديدا تولّى هذه المسؤولية مستخدما الأدوات الرقمية والمنصات العالمية للمطالبة بإجراءات عاجلة؛ إذ تطوّر إضراب غريتا المدرسي إلى حركة "أيام الجمعة من أجل المستقبل" حول العالم، حاشدًا ملايين الشباب لتحدي جمود قادة العالم، وصولا إلى قيادتها اليوم لأسطول المساعدات الهادف إلى إنهاء الحصار عن غزة.
ويتناول أبو دية نماذج لنساء من الوطن العربي تصدّرن الدفاع عن القضايا الإقليمية الملحّة. ففي الأردن تقود رزان زعيتر منظمة تُعنى بالزراعة والتشجير، وأسهمت في تشجيع الكتابة البيئية للناشئة من خلال جائزة أيوب أبو دية العربية لثقافة البيئة.
وقد فازت بالجائزة الأولى مجدولين أبو الرب، وبالجائزة الثانية رولي عباسي وسمر فتياني، إلى جانب مشاركات أخرى مثل فرح أبو عطية، بما يعكس اهتمامًا نسويًا أردنيًا وعربيًا متزايدًا بقضايا البيئة.
ويشير المؤلف إلى أن تتبّع سيرة حياة غريتا يكشف أن التأثير الأبرز في تشكيل وعيها جاء من البيت والمدرسة، ما يؤكد ضرورة العناية بهاتين البيئتين لرفع مستوى الوعي لدى الأجيال الناشئة. ويعدّ هذا الهدف محورًا أساسيًا للكتاب، إلى جانب الإشادة بالنشاط الإنساني لغير العرب والمسلمين في مناصرة القضية الفلسطينية، مثل راشيل كوري التي قُتلت تحت جرافة إسرائيلية أثناء محاولتها حماية منازل فلسطينيين من الهدم.
ويذكر أبو دية أن غريتا وُلدت عام 2003 في السويد، وأبدت منذ طفولتها المبكرة اهتمامًا واضحًا بالبيئة وقضايا المناخ. ففي سن الثامنة بدأت تتعلّم في المدرسة عن التغير المناخي وأسبابه وسبل مواجهته، وهو ما ترك أثرًا عميقًا فيها وأثار قلقها على مستقبل الكوكب.
وفي خاتمة الكتاب يشير المؤلف إلى أنه منذ خروج غريتا ثونبرغ إلى شوارع ستوكهولم وهي تحمل لافتة صغيرة كُتب عليها "إضراب من أجل المناخ"، لم تكن تدرك أن تلك الخطوة البسيطة ستتحول إلى شرارة تُلهم الملايين حول العالم.
آنذاك واجهت غريتا، وهي طفلة، صمت الكبار بصدق وشجاعة نادرين، وكسرت جدار اللامبالاة بكلمة واحدة: كفى، لتغدو رمزًا عالميًا للضمير البيئي وصوتًا عاليًا في مواجهة القوى التي تغتال الطبيعة والإنسان باسم التقدم والربح.
ويؤكد المؤلف أن غريتا لم تحصر نضالها في حماية البيئة الطبيعية، بل وسّعت رؤيتها لتشمل البيئة الإنسانية. فمشاركتها في أسطول الحرية  "فلوتيلا الصمود"، المتجه إلى غزة لكسر الحصار الجائر لم تكن فعلًا سياسيًا فحسب، بل موقف إنساني عميق الدلالة.
وقد أرادت غريتا، بحسب الكتاب، أن تؤكد أن النضال من أجل الأرض والتنوع الحيوي لا ينفصل عن النضال من أجل كرامة الإنسان وحقه في الحرية والعيش الكريم، وأن العدالة البيئية لا يمكن أن تزدهر في أرض تُغتال فيها الحرية، ولا في عالم تُسلب فيه حقوق الشعوب في الحياة والكرامة. ويؤكد أبو دية أن مسيرة غريتا تعلّمنا أن التغيير لا يحتاج إلى منصب أو قوة مادية، بل إلى قلب مؤمن وقضية صادقة. فالبيئة ليست غابات وأنهارا فحسب، بل كيانٌ حيّ يضم الإنسان والحيوان والهواء والماء وكل ما يجعل الحياة ممكنة ومتوازنة، والدفاع عن الطبيعة والتنوع الحيوي هو في جوهره دفاعٌ عن الإنسان وإنسانيته.
ويرى المؤلف أن قصة غريتا ستبقى دعوةً مفتوحة لكل إنسان للإصغاء إلى صوت الضمير الحي والمسؤولية الأخلاقية، والإيمان بأن الكلمة الصادقة والفعل المخلص قادران على تغيير مجرى التاريخ، وإنقاذ ما تبقى من جمال وإنسانية في عالمٍ طغى عليه الاحتكار وهيمن عليه رأس المال وحكمته القوة الخشنة.
وفي كل محطة من حياتها، تذكّرنا غريتا بأن الكلمات ليست زينة للخطابات، بل شرارة للتغيير. ومن خلال صوتها الذي عبر القارات، أدرك العالم أن معركة المناخ ليست معركة بيئية فحسب، بل معركة من أجل الحياة والكرامة والعدالة والتعاطف الإنساني على هذا الكوكب الواحد.
ويضيف أبو دية أن ما تدافع عنه غريتا ليس مجرد كوكبٍ أخضر، بل عالمًا أكثر إنسانية؛ فإنقاذ الأرض يبدأ بإنقاذ الضمير الإنساني. ومن هنا لم تكن رحلة "فلوتيلا الصمود" مجرد محاولة لكسر الحصار عن غزة، بل سعيًا لكسر الصمت الإنساني، ورسالةً مفادها: "إذا أُغلق البحر أمامنا، فسنفتح طريقًا من الضوء عبر الضمير".
ويرى المؤلف أن السفينة، وإن لم تصل إلى غزة، فقد وصلت إلى كل بيت وتموضعت في كل ضمير. فهي لم ترفع علم فلسطين على شاطئ غزة، لكنها رفعت رايتها في قلوب الملايين، وهذا هو جوهر النصر الحقيقي: أن تزرع الأمل والتعاطف حيث أُريد زرع الخوف والنسيان في وجدان العالم.
ويؤكد أن جوهر التجربتين، من ستوكهولم إلى غزة، واحد؛ إذ لم تكن غريتا تدافع عن قضيتين منفصلتين، بل عن وجهين لحقيقة واحدة هي العدالة للبيئة والإنسان. 
فما نادت به في ميادين حماية الكوكب من الاحتباس الحراري والتدمير البيئي الناتج عن التغير المناخي، هو ذاته ما دافعت عنه في البحر الأبيض المتوسط عندما واجهت حصارًا خانقًا يُخنق فيه البشر كما تُخنق الطبيعة بانبعاثات مصانع لا تعرف الرحمة.
ويخلص أبو دية إلى أن غريتا أدركت أن تعافي الكوكب لا يتحقق بالحلول التقنية وحدها، بل بإرساء العدالة التي تشمل الإنسان والأرض معًا. فقد ربطت بين الظلم البيئي والظلم الإنساني، حيث يدفع فقراء دول الجنوب ثمن التغير المناخي أكثر من أغنياء دول الشمال، وهم أنفسهم من يعانون الحصار والجوع والاحتلال. ومن هنا جاءت رحلتها إلى غزة تجسيدًا عمليًا لفلسفتها في الحياة، تحت عنوان: "العدالة البيئية لا تُفهم إلا في ضوء العدالة الإنسانية".