عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Jul-2024

ما دلالات دعوة نتنياهو للحديث أمام الكونجرس؟!*د. أحمد بطّاح

 الراي 

من المُقرّر أن يصل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في 24/ 07/ 2024 إلى الولايات المتحدة ليخاطب جلسة مشتركة للكونجرس الأمريكي (النواب والشيوخ)، وهذا يذكّر بما حدث في أثناء رئاسة «أوباما» عندما خاطب نتنياهو الكونغرس وحظي بتصفيق المشرعين الأمريكيين وقوفاً على أن الزيارة لم تكن مُحبّذة لا من الرئيس في ذلك الوقت (أوباما)، ولا من نائبه (بايدن)!
 
ولكن ما دلالات دعوة الكونغرس الأميركي نتنياهو للحديث أمامه في مثل هذا الوقت، وفي مثل هذه الظروف؟!
 
إنّ هناك دلالات كثيرة في الواقع ولعلّ أهمها:
 
أولاً: أن الكونغرس الأمريكي طرف مهم في السلطة وفقاً للنظام الأمريكي القائم على مفهوم الفصل بين السلطات (Cheques and balances)، فالجميع يعلم أنّ الرئيس «بايدن» غير راغب في هذه الزيارة، والفريق المحيط به لديه بعض الهواجس حول ما يمكن أن يقوله نتنياهو أمام الكونجرس وبالذات ما يمكن أن يكون دعماً غير مباشر للمرشح الجمهوري «ترامب» الذي تتزايد حظوظه في الفوز بالرئاسة وبخاصة بعد المناظرة التي فاز فيها بوضوح على بايدن، وبعد محاولة الاغتيال التي تعرّض لها.
 
ثانياً: صحيح أنّ الرئيس الأمريكي هو أقوى رئيس تنفيذي في العالم ولكنه في الواقع لا يستطيع–في مثل النظام الأمريكي الديمقراطي الليبرالي- أن يفرض كل شيء فهو مثلاً يستطيع أن يرشح شخصاً لكي يكون وزيراً للخارجية ولكن هذا الترشيح لا يُعتبر نافذاً إلّا بعد مصادقة الكونغرس، والرئيس يستطيع أن يقترح حزمة مساعدات مالية لأوكرانيا مثلاً ولكن هذا لا يجد طريقه إلى التنفيذ إلّا بعد مصادقة الكونغرس، وها هو بايدن -وبغض النظر عن عدم ارتياحه لنتنياهو بل ولعدم رغبته في زيارته لواشنطن- إلّا أنه لا يملك أن يعطّل الزيارة بل إنه قد يجد من مصلحته السياسية استقباله في البيت الأبيض!.
 
ثالثاً: تأتي دعوة الكونغرس الأمريكي لنتنياهو كنوع من ردة الفعل أو التحدي لمحكمة الجنايات الدولية التي طالب مدعيها العام (كريم خان) المحكمة بإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه «جالانت» بتهمة ارتكابهم لجرائم حرب في قطاع غزة، وقد ذهب بعض أعضاء الكونغرس إلى أبعد من هذا حيث هدّدوا المحكمة المذكورة مستخفين بها، وبجميع الدول التي وافقت على تأسيسها (أكثر من 140 دولة وافقت على ما عُرف «بميثاق روما"). وإذا كان لهذا السلوك المتغطرس من قِبل الكونغرس الأمريكي من معنى فإنّ معناه ببساطة أن الولايات المتحدة مُمثّلة ببرلمانها لا تحترم المؤسسات الدولية، ولا تقيم وزناً للمنظمات الأممية، بل هي ترى نفسها في الواقع فوق القوانين الدولية وما يرتبط بها من هيئات ومؤسسات.
 
رابعاً: إنّ دعوة الكونغرس الأمريكي لنتنياهو تمثل رسالة لها معنى بالنسبة للإسرائيليين مفادها «لا تأبهوا بكل ما يقوله ويفعله العالم ضدكم فنحن معكم بكل ما نملك من قوة ونفوذ، ولا تخشوا شيئاً حتى وإن ارتكبتم جرائم حرب ضد اعدائكم فنحن سنظل معكم ندعمكم بكل ما تحتاجونه: عسكرياً، واقتصادياً، وسياسياً»، وإذا تذكّرنا أنّ الولايات المتحدة هي أقوى قوة عسكرية على وجه الأرض، وأنّ اقتصادها يشكل ربع اقتصاد العالم أدركنا معنى هذه الرسالة بالنسبة للإسرائيليين، ولعلّنا يجب أن نستدعي في هذا السياق أن الكونغرس ليس وحده من أركان السلطة الأمريكية في إظهار الدعم لإسرائيل بل أن إدارة «بايدن» قدمت لإسرائيل دعماً غير مسبوق وعلى جميع الأصعدة حيث زودتها بأكثر مما تحتاجه من أسلحة، ومساعدات مالية، ووفرت لها التغطية السياسية التي تحميها من المساءَلة الدولية.
 
خامساً: لم تكن دعوة الكونغرس رسالة للإسرائيليين فقط في الواقع بل كانت رسالة لجميع دول العالم ملخصها ببساطة: لا تقتربوا من إسرائيل فهي حليفتنا الاستراتيجية المهمة التي لا يجوز أن يقترب منها أحد حتى وإن اقترفت ما لا يجوز من جرائم موصوفة يدينها القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف الرابعة، وغيرها، ولعلّ من الواضح أن هذا الموقف الأمريكي يأتي بغض النظر عن مواقف كثير من الدول التي أدانت الحرب الهمجية الإسرائيلية على قطاع غزة، وعن موقف محكمة العدل الدولية التي تحقق في ارتكاب إسرائيل لأم الجرائم وهي «جريمة الإبادة الجماعية». إنّ الولايات المتحدة تستخف في الواقع بكل دول العالم وتوجهات شعوبها وكأنها تقول لهم: كل ما تقولوه وتفعلوه لا قيمة له، وها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي المسؤول الأول عما يحدث في الحرب على غزة يتم استقباله بترحاب وحميمية في واشنطن!.
 
وأخيراً فإنّ ما يجب أن نتذكره بشأن الكونجرس الأمريكي هو أنه أكثر تطرفاً في العادة من الإدارات الأمريكية في دعم إسرائيل، فقد طالبّ مثلاً بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس منذ عام 1995، ولكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة كانت تؤجل تنفيذ هذا القرار إلى أن جاء ترامب (2016- 2020) ونفذه، كما أنّ الكونغرس الأمريكي وفي سياق الحرب على غزة جمّد المساعدة المالية السنوية البالغة 300 مليون إلى الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) لهذا العام، وذلك دعماً منه لإسرائيل التي تريد أن تشطب الأونروا (كرمز لموضوع اللجوء الفلسطيني) من الوجود تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية برمّتها.
 
إنّ دعم الكونجرس لإسرائيل وتَصْهيُنه معروف منذ زمن بعيد ولكن أن تصل به الأمور إلى هذا الحد (دعوة متهم بجرائم حرب لمخاطبته) فهو أمر فيه قدر كبير من الاستفزاز ليس لمشاعر الفلسطينيين فقط، بل لمشاعر العرب، وكل أحرار العالم.