عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Jun-2020

تحالف انكار اللاسامية - دمتري شومسكي

 

هآرتس
 
كاتبو التقرير من قبل الإكاديمية الإسرائيلية لعلوم دراسات الكارثة في الجامعات وفي الكليات في إسرائيل، أظهروا الأمل بأن “يحرص الباحثون الإسرائيليون ومعاهد الأبحاث في البلاد على أن لا يساهموا في تشويهات التاريخ الممنهجة التي تقف من ورائها حكومات وهيئات حكومية ووكالات حكومية في ارجاء العالم، التي تؤدي إلى القليل من درجة الدور المباشر أو غير المباشر لدول أو شعوب في المسؤولية عن الكارثة. بروح هذه الأقوال الصحيحة يجب أن نضيف بأنه من المفروض على الباحثين الإسرائيليين عدم التعاون مع توجهات متنوعة لتشويه تاريخ الكارثة واللاسامية – مهما كان اهدافها السياسية والايديولوجية.
إحدى الجهات شبه الحكومية في العالم، التي في جزء من نشاطها تساهم اليوم في الرؤية المشوهة للاسامية الحديثة، هي “الحلف الدولي لذكرى الكارثة”، الذي يضم 33 حكومة ويعمل في مجال التعليم والذكرى وابحاث عن الكارثة. كاتبو التقرير الذين يقيم عدد منهم علاقات مع هذا الحلف يعترفون بأن التعاون مع مثل هذه المنظمات هو “مهمة غير سهلة”، هكذا ورد في التقرير.
من جهة ثانية كتب في التقرير بأنه يوجد للمنظمة حقوق كثيرة في النضال ضد تشويه ذكرى الكارثة في عدد من الدول الاوروبية. ومن جهة اخرى، الهوية الفكرية والعامة لهذه المنظمة، “تعريف عمل” المنظمة لظاهرة اللاسامية من العام 2016، ليس فقط أنه متحيز ومشوه من ناحية ايديولوجية، بل ايضا يعكس فشلا بحثيا عميقا، إذا لم نقل افلاسا اكاديميا.
تعريف عمل هذا الحلف ينص على أن “اللاسامية هي رؤيا محددة لليهود، والتي يمكن أن تظهر ككراهية تجاه اليهود”، هذا هو، هذا غير صحيح، تعريف ما بعد الحداثة بدرجة ما (بمعناه المبتذل – “كل شيء يسير”). عفوا: تحت تعريف ضبابي وغير واضح المعالم من هذا النوع، يمكن أن يتضمن الكثير من الرؤى عن اليهود – سواء تلك التي تعبر عن كراهيتهم أو تلك التي لا يوجد فيها بالضرورة كراهية تجاههم أو تلك التي لا يوجد فيها بالضرورة كراهية لإسرائيل.
المثال الأكثر غرابة على “رؤية لاسامية” والذي تعرضه المنظمة – نموذج تنسب له أهمية كبيرة، حيث أن من كتبوا وثيقة تعريف العمل، قاموا بتكراره مرتين – موضوعها النقد الموجه لدولة إسرائيل. نقد “لا يشبه النقد الموجه لدول اخرى”، بل يتبنى بالنسبة لإسرائيل “معايير مزدوجة” مع وضع مطالب استثنائية التي من غير المتوقع أن تلبيها أي دولة ديمقراطية اخرى.
من يوجد له عيون في رأسه يدرك بأن الأمر يتعلق بعرقلة مدمرة لأي احتجاج دولي ضد نظام الاحتلال والاستيطان والابرتهايد لإسرائيل. هكذا، لأن إسرائيل تتصرف بهذا الشكل منذ أكثر من خمسين سنة وبصورة لا تشبه سلوك أي دولة ديمقراطية اخرى، حيث أنها تفرض في المناطق التي احتلتها حكما عسكريا، وتحرم سكانها من حقوقهم وتوطن فيها مواطنيها – من المفهوم أن أي نقد لها سيكون مختلف واستثنائي مقارنة مع النقد الموجه للدول الاخرى. هذا الانتقاد (حتى لو كان من يوجهه لاسامي) لا علاقة له، من قريب أو من بعيد، بكراهية إسرائيل. ولكن التعريف “المرن” للحلف والذي يتم الفهم منه بأن كراهية إسرائيل غير ضرورية من اجل أن نعتبر رؤيا معينة لاسامية، يمكن من طرح انتقاد الاحتلال والنضال ضده كمظاهر على اللاسامية.
تصعب المبالغة في حجم الضرر الجيوسياسي والعام الذي يمكن أن يلحق ببحث اللاسامية الحديثة كنتيجة لهذا الخواء الفكري. حيث أنه اذا كان “الحل النهائي” النازي، حركة المقاطعة بي.دي.اس والدعوة لمقاطعة المستوطنات كلها مظاهر لاسامية، فان مفهوم “اللاسامية” يفقد أي علاقة له مع الظواهر التاريخية والسسيولوجية الحاسمة للاساميات الحديثة في الواقع، ويتحول الى مفهوم فارغ من المضمون وعديم الصلاحية التحليلية والفائدة الفكرية بسبب تعدد معانيه المختلفة.
ليس غريبا أن هناك مؤرخون بارزون للكارثة وتاريخ الشعب الإسرائيلي في العصر الحديث – مثل البروفيسور دافيد انجل من جامعة نيويورك، كاتب أحد ملحقات التقرير الأكاديمي عن وضع دراسات الكارثة – التي رفعت يديها ازاء تعدد الاستخدامات عديمة التمييز لمفهوم اللاسامية. انجل يعتقد بأنه قد حان الوقت للتخلي عن هذا المفهوم وكأن الامر يتعلق بتصنيف تحليلي وليس ظاهرة ملموسة في التاريخ اليهودي، من ناحية الخطاب العام، ولكن كخطوة بين هذا الموقف وبين نفي اللاسامية كواقع تاريخي – الأمر الذي لا يقصده انجل والذين يتفقون معه في الرأي بالطبع – ولكن للمؤرخين ليس هناك دائما سيطرة على تشويه استنتاجاتهم في الخطاب العام.
ولكن هذا ليس أمرا محتما. التضخم الحاد في مفهوم اللاسامية ما زال يمكن وقفه. التعريف القديم – الجديد سيؤكد مجددا، ضمن أمور أخرى، على التميز الشامل للعنصرية اللاسامية، وعلى الخصائص الشيطانية المحددة للصورة النمطية اليهودية، وايضا على الهدف الأساسي للايديولوجيا اللاسامية في العهد الحديث.