عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Sep-2023

العلاقات الزوجية.. رهينة الحاجات المتأرجحة بين الإفصاح والكتمان

 الغد-رشا كناكرية

لماذا يفهم أحيانا أن التعبير والإفصاح عن المشاعر يعد "ضعفا"؟، ولماذا ينتظر من الآخر أن يأخذ زمام المبادرة في التعبير عند حدوث المشكلات، وهذا كسلوك يجمع الناس، لكنه أكثر بروزا في العلاقات بين الأزواج؟
 
 
"المفروض لحاله يعرف دون ما إحكي"، "يفكر منيح ويعرف بشو زعلني"؛ من الجمل التي قد ترد على لسان الزوجة، في مقابل هو يطلب منها أن "تراجع حالها وتعرف بشو تصرفت غلط"، هذه أمثلة من عبارات متداولة على لسان العديد من الطرفين من الأزواج الذين يختارون ألا يعبروا عن حاجاتهم أو يفصحوا عن مشاعرهم وما يدور في عقولهم.
 
التعبير عن الحاجات أو إخفاؤها يدخل الفرد نفسه في متاهة التفكير، ويفاقم أحيانا من الخلافات التي تؤثر على العلاقة الزوجية وتهز استقرارها وتضع حواجز في طريق نجاحها.
يعترف يزن (33 عاما)، أنه كان يعتقد أن الحل لأي خلاف مع زوجته هو بإحضار هدية لها -باعتباره أحد أساليب التعبير- وقد نجح معه هذا التصرف في البدايات ليكتشف فيما بعد أنه اختار الطريق السهل، ولم يعلم حقا أن الذي تريده زوجته هو أن يهتم بها ويحترم آراءها.
يقول "إن الهدايا لم تداو جرحها بل زادت المسافة بيننا"، وذلك لأنه لم يفهم حاجاتها، وبعد خلافات مستمرة ودوامة من التقلبات "كانت النجاة عندما عبرت عن حاجاتها التي لم يكن ليعلمها لو لم تخبره بها".
ويضيف "أنه من الصعب أن تفهم ما حاجاتها إذا هي عبرت عنها.. نحن الرجال طريقة تفكيرنا تختلف عن طريقة النساء".
بينما صفاء (36 عاما)، اكتشفت، موخرا، أهمية التعبير والإفصاح عما بداخلها بعد ما كانت تعتقد أن الاهتمام الحقيقي ينتج عنه أن يعرف هو (الزوج) دون أن تخبره عما بداخلها، غير أنها اكتشفت غير ذلك، بعدما توجهت لمستشارة في العلاقات الزوجية التي أنارت لها طريقا ضمن لها نجاح زواجها.
تشير صفاء إلى أنها كانت في خلافات دائمة مع زوجها بسبب غياب اهتمامه بها، لكنها لم تخبره بذلك أبدا، فاختارت الصمت وألا تحدثه لأيام، إذ كانت تعتقد أنه سيفهم مع الوقت من تصرفاتها وغضبها، ولكن هذا لم يزد الأمر إلا سوءا.
وتؤكد صفاء أنها كانت تعتقد أن تعبيرها عن حاجاتها سيظهرها بموقف الضعيفة، فهي لم تعتد أن تعبر عما تريده من حاجات وتؤكد قائلة "ما كنت حابة أبين إني إنسانة ضعيفة أمامه"، ولكنها عندما شعرت أنها ستفقد زواجها قررت التوجه لشخص يساعدها، وهذا الذي غير من نظرتها للتعبير عن حاجاتها.
اختصاصية الإرشاد التربوي والنفسي والمتخصصة في العلاقات الزوجية الدكتورة سلمى البيروتي، بينت أننا في هذه الحياة نعيش في دائرة من العلاقات التي تؤثر بنا ونؤثر بها، ولذلك من المهم إدراك ومعرفة الفرد لطبيعته.
وتابعت البيروتي، أن البشر في تركيبتهم لديهم حاجات، وهي تتنوع، منها اجتماعية أو عاطفية، يتشارك في وجودها جميع البشر، وبالتالي لا بد لنا كأفراد أن نعيها ونعلمها لأنها الدافع للعديد من السلوكيات التي نتخذها في حياتنا.
وتوضح البيروتي، أن الحاجات هي خاصية بشرية ولدنا بها وتكون هويتنا مع الوقت، ومثال عليها الحاجة الى الاهتمام، فجميعنا نحتاج لأن يهتم أحد بنا ويقضي وقتا معنا، يسمعنا ويسمع أفكارنا، وهي حاجات علاقاتية، بمعنى أنها لا تلبى إلا في إطار العلاقات الاجتماعية وتبرز أهميتها في العلاقة الزوجية والعلاقات ذات الأهمية في حياة الإنسان.
وذكرت البيروتي، أن من هذه الحاجات أيضا، الحاجة الى الاهتمام والشعور بالأمان والاحترام والتقبل والمودة والرضا والاستحسان والمواساة والتشجيع والدعم وغيرها من الحاجات.
وتقول البيروتي "جميعنا في صميم أنفسنا ندرك أهمية هذه الحاجات، لأننا هكذا صممنا كبشر وهي ليست ضعفا"، مشددة على أنه من المهم معرفة أنها ليست ضعفا وليست دليلا على عدم النضوج، وإنما هي دليل على الإنسانية، وبالتالي لابد من الاعتراف بوجودها ومعرفة ما هي.
وتشير البيروتي الى أن هذه الحاجات تختلف أهميتها وترتيبها من شخص لآخر، وفق عوامل عدة تؤثر بالفرد، ولكن أولا لا بد من الاعتراف بوجودها ومعرفة ما هي بالضبط.
ووفق البيروتي، بعد معرفة الفرد لحاجاته وكيف تلبى، عليه أن يعرف الشريك بها، وهنا يبدأ بالتعرف عليه ومتى ينزعج أو يفرح الشريك، منوهة إلى أنه بهذه الطريقة تتأثر العلاقة الزوجية بشكل إيجابي وتكون مخرجاتها بها مودة وفرح وتقدير، ما يجعل تلبية الحاجات بمثابة "الشحنة العاطفية" للعلاقات الزوجية والإنسانية.
لكن في حال عدم تلبية هذه الحاجات والإفصاح عنها، تستدرك البيروتي، يصبح الأثر عكسيا، موضحة أن الإنسان كائن مكون من مشاعر وسلوك وأفكار، وما يدفعه في هذه الحياة هذه الحاجات التي عندما تلبى تكون المخرجات إيجابية.
وتلفت البيروتي الى أن البعض يختار ألا يعبر عن حاجاته، لأنه يشعر أنه لا يستحق أن يعبر عن حاجاته بسبب "المعيق"، وهو التوجه الفكري المغلوط الذي يتبناه الفرد أثناء التنشئة الاجتماعية ومنها معيق "الإدانة والتفكير أنه لا يستحق أن يكون له حاجات بالرغم من أنه يشعر بأهميتها ولكن لا يستطيع الإفصاح عنها".
ومن جانب آخر، تضيف البيروتي "هنالك من لا يعترف بوجود هذه الحاجات لأن لديه معيق الاكتفاء بالاعتماد على الذات، بمعنى أنهم يعتمدون على أنفسهم بكل شيء لدرجة أنهم مهملون ولا يعطون أهمية لهذا الجانب النفسي العلاقاتي، وكل شيء يريدوه يفعلونه بأنفسهم ويتوقعون أن كل شخص قادر على ذلك أيضا، وهؤلاء الأشخاص عادة ما يعتبرون أن الحاجة إلى الآخر ضعف".
وبحسب البيروتي "بينما العكس، فمن الناحية النفسية، جميعنا بحاجة للآخر، فهي ليست ضعفا، إنما هي اعتراف بعمق إنسانيتنا وأننا ولدنا لنكون ضمن علاقات وليس وحدنا".
وفي مقابل ذلك، تبين البيروتي أن هناك آخرين لديهم "أخذ أناني"، بمعنى أنه لا يفكر إلا بنفسه وأنه محور الحياة، وبالتالي لا يفكرون بغيرهم، لذلك يأخذون هذه الحاجات "عنوة وبطرق تلاعبية ليحصلوا عليها غير عابئين بأسلوبهم وطريقتهم وأثرها على نفسية الطرف الآخر، لذلك أحيانا العلاقات لا تكون ناجحة".
وبدوره، يبين الاختصاصي النفسي الدكتور علي الغزو، أنه في العلاقات الزوجية يسود سلوك عام في أن جزءا كبيرا من الأزواج لا يحب أن يفصح عن حاجاته لأنه قد يكون أمرا مزعجا للطرف الآخر، وقد يفسر أنه ضعف.
لكن يؤكد الغزو، أن التعبير والإفصاح لهما أثرهما الإيجابي على العلاقة الزوجية، منوها الى أن التوازن مهم في العلاقات، فلا يهتم الفرد بالأفعال وينسى أن يعبر بالكلمات، ففي بعض الأحيان مشاعر الإنسان وأحاسيسه لا تحركها إلا الكلمات، لذلك عليه الموازنة بين الكلمات والأفعال.
ويبين الغزو أن العواطف والأحاسيس والاهتمامات في المجال النفسي قضية حساسة ويجب الحذر بها، لأن المبالغة بالعواطف والاهتمام قد تنعكس سلبا.
وتكشف الأرقام الصادرة عن دائرة قاضي القضاة، أن أعداد حالات الطلاق التراكمي (بغض النظر عن سنة الزواج) المسجلة في المحاكم الشرعية العام 2022 انخفضت مقارنة مع العام 2021 بنسبة 6.8 % وبمقدار 1952 حالة؛ حيث كان عدد حالات الطلاق للعام 2021، (28708) حالات، أما في العام 2022 فكانت 26756 حالة، في حين بلغت نسبة الطلاق من زواج العام ذاته (5.8 %)، وهي نسبة ثابتة تقريبا في الأعوام السابقة.
التقرير الإحصائي المفصل الخاص بدائرة قاضي القضاة للعام 2022، كشف أن مكاتب الإصلاح الأسري شهدت ارتفاعا في عدد الحالات التي راجعت تلك المكاتب خلال العام 2022 إلى (72708) حالات، وبزيادة نسبتها 16 % مقارنة مع العام 2021 الذي كان فيه عدد الحالات (60400) حالة.