"الشوبك برواية الآباء للأبناء".. لـلشعبيات: توثيق لذاكرة المكان
الغد-عزيزة علي
صدر بدعم من وزارة الثقافة كتاب في فلسفة التاريخ المعاصر بعنوان "تاريخ الشوبك الناحية والقضاء برواية الآباء للأبناء"، من إعداد الدكتور سعد الشعبيات.
رئيس جمعية المؤرخين الأردنيين وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور غالب عربيات كتب تقديما، يشير فيه إلى أن المؤلف تناول الجوانب الجغرافية والعمرانية والإدارية والخدمية والتعليمية، والسياسية والعسكرية والاقتصادية، والاجتماعية في الشوبك، كما قدم سردا دقيقا للعديد من الأحداث والتطورات التي مرت بها هذه المنطقة منذ بدايات القرن العشرين وحتى مطلع الثمانينيات من القرن العشرين.
ويرى عربيات أن الكتاب يهدف لتوثيق التاريخ المحلي حيث سعى المؤلف إلى تقديم سرد تاريخي شامل لمنطقة الشويك الناحية والقضاء"، بما يسهم في الحفاظ على الذاكرة الجمعية الذاكرة المكان والزمان والإنسان الأردني، وتحليل الروايات التاريخية بالاستناد للروايات الشفوية التي تتناقلها الأجيال بالدرجة الأولى، مما يوفر رؤية فريدة للأحداث وتطورها من منظور العقل الجمعي للذاكرة الوطنية الأردنية.
وسعى الشعبيات من خلال تقديم هذه الدراسة النقدية للمصادر التاريخية التي استند إليها، مما ساعد في فهم السياق التاريخي وفلسفته بشكل أعمق لدراسته التي بين أيدينا وإثرائها بالشواهد الغنية استناداً للتاريخ الشفوي المؤيد بالوثائق الرسمية، كما قدم للباحثين في التاريخ المعاصر منهجا مجربا في سبل التعامل مع الرواية الشفوية وطرق ضبطها وتسجيلها.
ويقول عربيات يحتوي الكتاب على عدة فصول يتناول فيها المؤلف موضوعات موصولة وشيقة ومحببة إلى النفوس- شيبها وشبانها- وبخاصة الناشئة من الأجيال، فيما يبدأ الفصل الأول بدراسة جغرافية عن الشوبك: من حيث الموقع والتسمية، والأرض والمناخ، والسكان، والتنقل والهجرة.
أما في الفصل الثاني فقد تناول قلعة الشوبك، وقراها، ومخاتيرها، ويتحدث في الفصل الثالث عن التطور الإداري من خلال تركيزه على تقسيماتها الإدارية، وعلى نشأة المؤسسات الحكومية والخدمية في الشوبك. وفي الفصل الرابع: التعليم والمدارس فقد قدم تحليلاً وافيا لواقع التعليم في الشوبك، وكيف تطورت المدارس وأثرها وتأثيرها في إحداث كلية زراعية جامعية عملت على جذب الوافدين إليها وأصبحت محط اهتمام الأردنيين. وركز المؤلف في الفصل الخامس على دراسة المظاهر السياسية والعسكرية التي رافقت تطورات صعود نجم الشوبك في فترة الدراسة من حيث عرض الأحداث السياسية، والزيارات الأميرية والملكية والتغيرات العسكرية في المنطقة والأحداث التي رافقتها.
وناقش في الفصل السادس: الحياة الاقتصادية من خلال الأنشطة الاقتصادية والتجارية وفعالياتها. أما في الفصل السابع والأخير؛ الحياة الاجتماعية فقد استعرض فيه العادات والتقاليد والممارسات اليومية لأهل الشوبك وتأثيرها وأثرها على أهلها وزائريها.
ويرى عربيات ان ما يميز هذا الكتاب هو تناوله المنهجي للأحداث التاريخية، حيث يجمع بين الروايات الشفوية والمصادر والمراجع المتاحة، مما يضفي مصداقية على السرد والرواية التاريخية. وقد نجح شعبيات في تقديم تحليلات تاريخية فلسفية نقدية تسلط الضوء على التحديات التي واجهتها منطقة الدراسة (الشوبك)، مثل الفقر، الهجرة، والتغيرات السياسية والاقتصادية والإدارية .. إلخ. التي أثرت عليها، بما استحضره من ذاكرة الرواة، وما تورده المصادر والمراجع خدمة للدراسة ومنطقتها.
وخلص عربيات إلى أن الكتاب "تاريخ الشوبك الناحية والقضاء برواية الآباء للأبناء" يعد بحق مرجعا شموليا ومهما لفهم تاريخ الشوبك والتطورات التي مرت بها، ويسلط الضوء على الجوانب الإنسانية والاجتماعية والخدمية، مما يجعل القارئ يتفاعل مع التاريخ ونشوته ويشعر بعمق وعبق التجربة الإنسانية في هذه المنطقة، كما يعكس هذا الكتاب الجهد الكبير الذي بذله المؤلف في جمع المعلومات وتقديمها بشكل موضوعي، مما يجعله إضافة قيمة للمكتبة الأردنية، والعربية والعالمية في مجال التاريخ المحلي الذاكرة المكان وتجلياته في الأردن ومحيطه. يحث الأجيال الناشئة للحفاظ على تراثهم، وتعزيز انتمائهم، وهويتهم الوطنية، والانغماس والتفاعل في مجتمعهم والاعتزاز بوطنهم.
من جانبه يشير الشعبيات إلى أن الشوبك تعتبر من المناطق الإدارية المهمة والتي تمت دراستها في هذا الكتاب منذ العشرينيات وحتى بداية الثمانينيات حيث تميزت الشوبك بموقع جغرافي مميز على حافة الصحراء الشرقية وبمناخ معتدل، لافتا إلى أن هذه الدراسة هي من الدراسات التاريخية المعاصرة التي تناولت منطقة جغرافية معينة وناقشتها تحت مفاهيم السياسة والاقتصاد والاجتماع وما تحتوي هذه المفاهيم من عناصر وذلك من خلال الاستعانة بالرواة المعاصرين للأحداث التاريخية ومن خلال الرجوع للسجلات الحكومية المتوفرة.
ويوضح المؤلف أنه يهدف من دراسة هذه المنطقة الحفاظ على تاريخها وبيان عناصر تطورها للأجيال القادمة علهم يدركون بعد قراءة هذا الكتاب حجم المعاناة التي تكبدها الأجداد الأوائل في سبيل أن نصل إلى ما وصلنا إليه الآن، مبينا أنه اعتمد في هذه الدراسة على الرواة بشكل كبير لنقص الوثائق والسجلات الحكومية خاصة التي توثق فترة العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات، ولكون الوثائق التي توفرت كانت قليلة وتركزت في قطاع التعليم في أغلب الأحيان.
ويشير الشعبيات إلى المنهج الذي قامت عليه الدراسة، حيث يقول "اتبعت في هذه الدراسة منهج البحث التاريخي القائم على استقصاء المعلومات من المصادر والمراجع المتوفرة، والعمل على تحليلها ومقارنة النصوص والروايات مع بعضها البعض، لإخراج صورة تاريخية أقرب للواقع والحقيقة، وفي حالة وجود تباين في الروايات ترجيح الرواية الأقرب للحدث زمانياً ومكانياً، بالإضافة إلى منهج الوصف القائم على السرد التاريخي للمعلومات بالاعتماد على المصادر الأولية، وهو منهج لا يمكن الاستغناء عنه في الكتابة التاريخية".
ويشير الشعبيات إلى أنه في هذه الدراسة استعرض في بدايتها المنهج الذي استخدمه الباحث في تناول المصادر المهمة وهي الكتب الرسمية المدرجة في الأضابير الحكومية ومقابلات الرواة الشفويين عله يكون دليلا يبني عليه من يأتي بعدنا ويؤسس منهجا مستقلا يستخدمه باحثو التاريخ المعاصر وخاصة في أسلوب عمل الباحث عند إجراء المقابلات الشفوية، ثم قدمت الدراسة تمهيدا خرج فيه على جميع المراحل التاريخية التي مرت بها الشوبك وبشكل موجز.