عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Dec-2021

“استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر الأردني الحديث” تقنية يخطها الكايد

 الغد-عزيزة علي

 يتناول كتاب “استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر الأردني الحديث”، للباحث الأردني ركان حسن الكايد تقنية استدعاء الشخصيات التراثية الدينية والتاريخية والأسطورية في الشعر، وهي تقنية اعتمد عليها عدد كبير من الشعراء لنقل رؤاهم إلى المتلقي، إذ تبرز في نصوصهم حاملة فكر الشاعر وهواجسه ومواقفه من الحياة والمجتمع والوجود من جهة، ومحرضة القارئ على التفاعل معها وتمثلها من جهة أخرى.
جاء الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون”، بدعم من وزارة الثقافة، في أربعة فصول وخاتمة، كما يقول المؤلف، إذ يتناول الأول العنصرين الأساسيين اللذين تقوم عليهما ظاهرة استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر، “الشاعر العربي والتراث”، كما تطرق إلى مفهوم التراث والاستدعاء، والتعرض إلى الصراع القائم بين التراث الذي يمثل الماضي والحداثة، من حيث موقف الحداثة من التراث والاتجاهات التي ظهرت بهذا الشأن، وكذلك يتوقف المؤلف عند بعض النقاط التي توضح أهمية التراث، حيث تم إدراج نماذج لرواد من الشعراء العرب وظفوا التراث، وينتهي الفصل بإبراز العلاقة القائمة بين الشاعر العربي والتراث، مع توضيح لطريقة تعامل الشعراء العرب واستجابتهم للتراث على اختلاف المستوى بين فترة زمنية وأخرى، وعند شاعر وشاعر آخر.
وجاء الفصل الثاني تطبيقًا على نماذج شعرية من الشعر الأردني الحديث في إطار الشخصيات الدينية، واستعراض التقنيات المستخدمة في توظيف الشخصيات، ويشتمل الفصل كذلك على المنحى النظري، إما للكشف عن ماهية الشخصية الموظفة أكثر، أو دعمًا للشرح والتحليل. كما أدرج الكايد في هذا الفصل، ثلاثة أنواع رئيسة من الشخصيات الدينية، هي: شخصيات الأنبياء والصحابة، وشخصيات مقدسة، وآخرها الشخصيات المنبوذة.
وتضمن الفصل الثالث مبحثين: الأول شخصيات أدبية، والثاني شخصيات تاريخية، حيث كان المبحث الأول من الفصل غزيرًا بالشخصيات الأدبية التي تم توظيفها واستحضارها في الشعر الأردني، وخصوصًا شخصيات الشعراء الذين سبقوهم، بسبب التقارب في طبيعة التجربة الوجدانية، وباعتبار الشعر العامل المشترك بين الشعراء كوسيلة لنقل التجربة، ولذلك حددت الشخصيات الموظفة في هذا الجانب اعتمادًا على العصر الذي ظهرت فيه “العصر الجاهلي، والعصر الأموي، والعصر العباسي”.
فيما يتوقف المبحث الثاني عند أبرز الشخصيات القيادية والثورية المؤثرة، وتم إدراج عدد من الشخصيات تحت هذا الجزء اعتمادًا على الحدث الذي تدور حوله الشخصية، بحيث يأخذ الحدث طابعًا تاريخيًا، فيما تناول الفصل الرابع دراسة فنية للشخصيات الأسطورية والشخصيات الشعبية التي استدعاها الشعراء الأردنيون، وفي الخاتمة أبرز النتائج.
يقول الكايد في مقدمة كتابه “كثيرة هي الدراسات التي تبحث في قضايا الشعر وظواهره في عصر معين عند شاعر معين أو نفر من الشعراء تدرس نماذجهم الشعرية في ضوء تلك الظاهرة. ومن الظواهر التي استدعت اهتمامي “ظاهرة استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر الأردني الحديث”، وقد انصب عليها كثير من الدراسات النقدية الحديثة التي لاقت رواجًا بين الشعراء العرب عمومًا والأردنيين على وجه الخصوص، حتى برزت بشكل واضح في العصر الحديث، ولاسيما أن الشعراء قد مالوا ميلًا جادًا إلى تراثهم الغني الذي يحفل بالكثير من الشخصيات التراثية “دينية وتاريخية وأدبية وأسطورية وشعبية”، التي استدعوها ووعوا دلالاتها، وتمكنوا من توظيفها في أشعارهم، إذ استحضروا من تلك الشخصيات ما يتوافق مع طبيعة تجاربهم الحديثة”.
ويرى الكايد أن استحضار أي شخصية كانت غالبًا ما يتناسب مع جانب أو بعد معين من تجربة الشاعر الحديث، إذ يصور حالة اتحاد الشاعر مع تلك الشخصية المستدعاة، فتنصهر كلتا الشخصيتين في بوتقة واحدة داخل قالب شعري يحرك الإيحاءات والدلالات لدى المتلقين، فتبدو القصيدة نظمًا متقن السبك مكونًا من عصرين: عصر الماضي باعتبار الشخصية المستدعاة، وعصر الحداثة التي تمثل تجربة الشاعر الحديث.
وفي خاتمة الكتاب، يتحدث المؤلف عن تقنيات توظيف الشخصية في الشعر الأردني الحديث تعددت، قائلا إن الشاعر الأردني استفاد من جميع المصادر المتوفرة أمامه، حيث لم يوفر جهدًا في تقديم هذه الشخصيات كعينات بارزة مشحونة بدلالات وإيحاءات عصرية، وأسهم ذلك في بروز تجاربهم وتنوعها على الصعيدين الفني والثقافي، لافتا الى أن تجربة الشاعر الأردني تمثل جزءًا من الحركة الشعرية التي تدور في العالم العربي ولا تنفصل عنه، وهذا ما يدعم قوة التراث الذي يعد المحطة الأولى التي يجتمع فيها أبناء الأمة. وتتجلى تلك القوة في القدرة التي تزودها الشخصيات التراثية وتمنحها للشاعر -أي شاعر- من حمل التجربة والكشف عنها.
وحول ظاهرة استدعاء الشخصيات التراثية، يقول الكايد “جاءت دعمًا للاتجاه الذي يصب في التطور ومواكبة الحاضر والوقوف على منصة التقدم الحضاري، ولكن من غير إقصاء التراث، أو إنكار الأرض الصلبة التي تنطلق منها الأمم، فالنموذج الشعري المتمثل بوجود إحدى الشخصيات التراثية يعد إنتاجًا عصريًا دخل فيه أحد عناصر التراث التي تعود للماضي، عدا عن استجابة الشخصيات لمتطلبات الشاعر العصرية”.
ويرى المؤلف أن التقاء المبدع والمتلقي عند دلالة الشخصية التراثية أسهم في نجاح استدعاء هذه الشخصية، فالشخصية التراثية تتمتع بقدرة وقوة تأثير على توجيه النص الشعري والكشف عن رؤية الشاعر الفكرية، حيث تتحول الشخصية التراثية إلى رمز شعري عميق الجذور يمتزج بوجدان الجماعة، مبينا أن دراسته هذه جاءت لترصد ظاهرة استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر الأردني الحديث، ولتقف على نماذجهم الشعرية التي تبين مدى إبداعهم وبراعتهم في دمج أحد عناصر التراث المتمثل بالشخصية التراثية في تجاربهم، والكشف عما يستتر داخل حنايا تلك الشخصيات التي حاول الشاعر تضمينها في قصائده.
ويقول الكايد إن الشاعر الأردني في العصر الحديث قد عثر على ما يثلج به روحه، فقد نهل من ثقافته التراثية ما جعله حر الحركة، فكانت الفرصة متاحةً أمامه ليمنح تجربته تعزيزًا ودفقًا كبيرين من القوة تربط القارئ المعاصر بالماضي من خلال شخصيات لها وزنها وأثرها على اختلاف طبيعتها وما تحمله من صفات إيجابية أو سلبية، كما أخذ التراث جزءًا كبيرًا من اهتمام الشاعر الأردني، فحاله كحال شعراء أهل عصره، لم ينفصل عن تراثه، بل تمثله بأدق تفاصيله، وأحيا به تجربته الشعرية بشخصيات تراثية خالدة في ذاكرة القارئ، وبهذا يكون الشاعر الحديث قد أشرك في تجربته شخصيات تراثية تعود إلى الزمن السابق متعاضدًا معها في سبيل أن يستحوذ على جيل يقرأ الماضي وحداثة الحاضر في الوقت ذاته.
ويعتبر المؤلف أن أهمية هذه الدراسة تكمن في تناولها لإحدى أهم الظواهر المطروحة على المستوى العربي والأردني في الشعر بشكل جلي، وتبين أن الشاعر الأردني الحديث من خلال علاقته بالتراث -أي الماضي- قد أنتج نصوصًا تكون أمام الباحثين مجالًا خصبًا للدراسة أيضًا، لافتا إلى أن الشعراء انطلقوا للتعبير عن تجاربهم وأفكارهم ورؤاهم من بنية صلبة، وتجلى ذلك في قصائدهم التي وظفوا فيها شخصية تراثية معينة أو أكثر، ولكل شخصية دورها في النص الشعري من حيث الأثر الذي تبعثه في المتلقين، وما يشكله هذا الاستحضار من صلة وعلاقة عميقة بين طرفي العملية الأدبية “المبدع والمتلقي”، من جهة، والتراث من جهة أخرى، فعلاقة الشاعر القوية بالتراث ومعرفته ودرايته به مكنته من توظيف الشخصيات التراثية، وينطبق ذلك أيضًا على المتلقي أو القارئ الذي لن يتمكن من إدراك دلالات الشخصيات التراثية وفهمها دون الرجوع إلى التراث والاتصال به.
وخلص الكايد الى أن هذه الدراسة سعت سعيًا جادًا إلى محاولة الوقوف على أهم الظواهر البارزة في الشعر الأردني الحديث، وقد عرفت بظاهرة استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر، حيث عبر الشاعر الأردني الحديث عن تجربته وهمومه وقضاياه ورؤيته من خلال إدراج شخصيات مخلدة في وجدان الأمة. فقد أدرك الشاعر الأردني القيمة التي يمكن أن توفرها الشخصية الموظفة في بنية القصيدة، والدور الفعال والنشط الذي تبعثه في روح القصيدة.