عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Aug-2020

شويكار وسناء شافع وسمير الإسكندراني: حياة فنية صاخبة وعبور جماهيري كالطيف!

 

كمال القاضي
 
القاهرة – «القدس العربي»: سنوات المرض الطويلة التي حالت دون ظهور شويكار في أي من الأعمال الفنية، جعلت لرحيلها أثراً إنسانياً كبيراً، كأن المرض أسقط عنها ما كان يؤخذ عليها في مراحل نجوميتها المتوهجة، إبان فترات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، حيث اتسمت أدوارها في بعض الأفلام بالجرأة فوضعها ذلك في دائرة إبداعية خاصة بها، ظلت تدور في فلكها بفعل التوظيف التقليدي من جانب المخرجين، الذين لم يروا فيها غير صورة المرأة العصرية المُتحررة، التي لا تصلح إلا للسهر والسمر والاستعراض والفكاهة أحياناً، ووفق هذه المعادلة صارت شويكار عاملاً مشتركاً في أفلام تجارية، تستهدف الربح أكثر ما تستهدف القيمة، وكان ذلك إهداراً لموهبتها وتجنياً عليها!
 
أدوار المسرح وأدوار السينما
 
ولأنها نجحت نجاحاً مُبهراً في المسرح مع شريك حياتها ودربها الفني فؤاد المهندس، اختطفتها السينما، ولم تميز في ما قدمته لها من فرص بين أدوار المسرح وأدوار السينما، وجرى العرف على توظيفها في أدوار الغواية، اعتماداً على جمالها وشخصيتها المرحة، وأدائها الفارق في النوعيات الخفيفة من الأدوار، أي أنها انتقلت من المسرح إلى السينما بتأثير الشخصيات التي مثلت علامات في مشوارها، كـ«سيدتي الجميلة» و»حواء الساعة 12» و«أنا وهو وهي» و«السكرتير الفني» وغيرها، ومن ثم جاءت معظم أفلامها في البدايات نسجاً على هذا المنوال، ولم يُستثن من القاعدة غير مجموعة صغيرة من أفلام مهمة، قدمت خلالها أنماطاً مختلفة كان على رأسها فيلم «أرض النفاق» فلم تخرج فيه عن حدود الشخصية العادية للزوجة الشرقية، التي تنزعج من ضعف شخصية الزوج، وإفراطه في سلامة النية إلى حد السذاجة، وهو دور محوري رغم بساطته، كونه ينطوي على فلسفة المعنى الحقيقي للقوة، ويشير إلى إسهام الزوجة في تحسين صورة الزوج أمام نفسه وأمام الغير.
وفي دور آخر قدمته شويكار في شبابها مع عبد الله غيث ولبنى عبد العزيز، ظهرت قدراتها الفنية على غير المعتاد، حيث جسدت في فيلم «أدهم الشرقاوي» صورة المرأة الإقطاعية ذات السُلطة والنفوذ مع قليل من بهارات وتوابل الغواية والإغراء، كعناصر جذب للجمهور وتنشيط تجاري لشباك التذاكر. وبعبور مرحلة النجومية الأولى ووصول الفنانة الراحلة لمرحلة النضج الفني، طرأت متغيرات جديدة على أدوارها وأدائها، ظهرت في أفلام مثل «الكرنك» و»دائرة الانتقام» مع نور الشريف، و»سعد اليتيم» و»أمريكا شيكا بيكا» فعلى قدر النعومة التي ميزت الشخصيات إلا أن الكثير من ملامح الأداء بدت مغايرة في طبيعتها وجديتها، فلم ترتكن فيها شويكار إلى عنصر الجاذبية والإثارة، بقدر ما اعتمدت على التمثيل كمقوم أساسي للتأثير، ولعل دورها الأخير قبل سنوات في فيلم «كلمني شكراً» مع غادة عبد الرازق وعمرو عبد الجليل، كان إشارة إلى تحولها الكلي عن منطقة الجذب المعتادة في أدوارها، ولجوئها إلى الأدوار التقليدية كنوع من التواجد والتمسك بالمتاح من الفرص الأخيرة.
 
سناء شافع
 
يمثل رحيل سناء شافع فراغاً أكاديمياً كبيراً لواحد من أصحاب المواقع المهمة في صروح الثقافة المسرحية، فهو بالإضافة لكونه أستاذاً مُقدراً في معهد الفنون المسرحية، قام بالتدريس لسنوات طويلة، وأسهم في تأهيل العديد من الدارسين والخريجين، ليكونوا نجوماً في مجال التمثيل والإخراج وبقية الأفرع الإبداعية المختلفة، كما قدم أيضاً أدواراُ تُذكر في السينما والتلفزيون، فتعدد مواهبه وقدراته أعطاه قدراً وفيراً من الاحترام والتبجيل كممثل وأستاذ، وربما ظهوره العابر في بعض الأعمال الفنية واقتصاره على القيام بنوعيات خاصة من الأدوار، كان سبباً في تأخر نجوميته إلى حد كبير. لهذا لم يعلق في أذهان الجماهير من أدوارة غير القليل جداً منها فأشهرها كان دوره في فيلم «حتى لا يطير الدخان» وفيه قدم شافع شخصية الشاب الأرستقراطي المُستهتر، صديق البطل عادل إمام الذي لا يهتم إلا بالمخدرات، ويتعامل بعبثية شديدة مع الحياة، فيفقد كيانه وحيثيته جراء إهماله وفوضويته، وفي المواصفات نفسها تقريباً، قدّم أيضاً في فيلم «فوزية البرجوازية» مع صلاح السعدني وإسعاد يونس، شخصية المثقف اليساري المتفلسف، الذي يسكن في حارة شعبية مع أولاد البلد من التجار والحرفيين، ويعاني من الاغتراب والوحدة أمام سوقية البعض وجهلهم.
ويعد هذا الفيلم الذي كتبه الكاتب الصحافي الراحل أحمد رجب، تصويراً كاريكاتيرياً للشخصيات المنفصلة عن الواقع، بحكم تمسكها بنظريات فلسفية غير قابلة للتطبيق، في مجتمع يعاني أغلبه من الأمية، وهو طرح ساخر للفروق الطبقية والثقافية التي لا تراعى في معادلة التكوين الاجتماعي.
 
سمير الإسكندراني
 
ويبقى المطرب سمير الإسكندراني أيضاً، عنصراً مؤثراً في المشهد الغنائي والموسيقي المصري، وقد غيبة الموت بعد فترة مرض طويلة، عانى خلالها من قسوة الوحدة، وانسحاب الأضواء والأصدقاء، وبقائه معزولاً عن عالمة الغنائي، الذي طالما تألق فيه وصدح بأجمل الأغنيات الشعبية والرومانسية والوطنية، «مين إللي قال إن الزمان مالوش أمان» ـ «يا رب بلدي وحبايبي والمجتمع والناس» – «طالعة من بيت أبوها داخله بيت الجيران» ـ زمان، زمان» ـ «يا صلاة الزين» وكلها نوعيات قدّمها المطرب الكبير بألحان متطورة، مزج فيها بين الطابع الشرقي الأصيل والغربي الحديث، وكان ذلك في وقت مبكر قبل شيوع الألحان الغربية والإيقاعات السريعة وتغير منظومة الأغنية المصرية.
تميز الإسكندراني بالمحافظة على الشكل والإيقاع المصريين في الأغنية الحديثة، فلم يشعر الجمهور باغتراب مع إيقاعاته وأغنياته، حتى حين قدّم ألواناً من الفرانكو آراب، لم يكن ذلك تحولاً عن الطابع الشرقي، بقدر ما كان تطوراً وتأثراً بالأغنية العالمية التي تخاطب كل الشرائح والأعمار.
لقد قضى سمير الاسكندراني فترة طويلة من شبابه في روما، وهناك تعرف على الجديد في فن الموسيقى والغناء، وارتبط بالأغنية الوطنية على وجه التحديد، بتأثير الغربة والحياة بعيداً عن الوطن، وفي هذه الأثناء كانت له بعض البطولات الوطنية، التي أسهم من خلالها بالكثير من المعلومات المهمة، وقد ربط البعض بين ما تم تقديمه في مسلسل «التعلب» الذي قام ببطولته نور الشريف، ومسيرة المطرب الراحل خلال رحلته الأوروبية المثيرة للإعجاب والجدل، وهو ما لم ينفه أو يؤكده الإسكندراني، وتركه مُعلقاً كلغز سيتولى التاريخ حله وتبحث الأجيال في تفاصيله.