الجريدة -
لم يمض على وفاة محمد الشارخ سنة بعد، لكن أعماله بقيت حاضرة، ويكفي أن تضع اسمه عند العم «غوغل» لتتعرف على الأثر المعرفي والثقافي الذي تركه على مستوى العالم العربي وستجد منه الكثير.
قيل فيه إنه أول من أدخل اللغة العربية إلى الحواسيب، وإنه صاحب قصة نجاح عربية في عالم الكمبيوتر وغير ذلك من أعمال تنسب إليه،
ربطتني علاقة ممتدة بهذا الرجل، رحمه الله، منذ بدايات مشروع «صخر» والبرامج الإلكترونية التي سبق بها الآخرين، بحكم عملي في مركز المعلومات والدراسات في «القبس» واستمرت إلى تاريخ وفاته في مارس 2024.
ومعظم مشاريعه كان لي علاقة بها، لا سيما تلك المتعلقة بأرشيف المجلات الأدبية والثقافية العربية، وهذا مشروع ثقافي نبيل وإرث يخلده ويحفظ قيمة ما قدمه، وكما كتب الزميل رشيد الخيون بأنه لا يعرف قيمة أرشيف «صخر» للمجلات العربية إلا من صرف الوقت والجهد للبحث عن مقال نشر في مجلة صدرت في القرن الـ19 أو بداية القرن الـ20 والأرشيف شمل مجلات تسعة عشر بلداً عربياً، احتوى الموقع الذي تم استحداثه ومتاح لأي باحث باللغة العربية على 2 مليون صفحة و330 ألف مقالة و53 ألف كاتب و274 مجلة و16 ألف عدد.
بدأ الشارخ الاستثمار في شركة صخر بإنتاج ألعاب الأطفال المعروفة باسم «أتاري»، ثم اتجه نحو إصدار برامج الأطفال على الكومبيوتر تحت اسم «صخر» MSX وهي برامج لاقت صدى طيبا وقويا في العالم العربي بأسره، الأمر الذي دفعه إلى تطويرها تحت اسم «صخر PC»، وهو ما جعل كلمة صخر منتشرة في أوساط الشعوب العربية، بل مرادفة لاسم الشارخ وشركة «العالمية»، ولاحقاً كوّن فريقاً لوضع أسس وقواعد اللغة العربية بطريقة تتيح مكننتها بالحاسوب، فظهرــ بالتعاون مع شركة ياماها اليابانيةــ «كمبيوتر صخر» الذي يعد أول الصناعات التكنولوجية العربية، وحفظ بذلك للكويت مكانة ريادية في مجال الصناعة، ويعدّ صخر من أوائل أجهزة الحاسوب المستخدمة للغة العربية وأكثرها شهرة بدليل بيع مئات الآلاف منها، ناهيك عن بيع عشرات الآلاف من البرامج والتطبيقات سواء تلك التي أنتجتها شركة «العالمية» أو «شركة برق للبرمجيات» أو «شركة كونامي» اليابانية للألعاب.
على مدى عقدين من الزمن تم تطوير جيل جديد من تقنيات المعالجة الطبيعية للغة العربية (NLP) فنجحت صخر في التغلب على تفوق تقنية المعلومات الإنكليزية على مثيلاتها العربية وصارت رائدة في تطوير الحلول والمنتجات باللغة العربية، وكان يختار اللوحات التي ترتاح له عينيه يقول إنها «غواية النظر»، وبهذا النهج توفر لديه أكثر من 700 لوحة، منها 300 لوحة من الفن العربي المعاصر، تضم لوحات من بداية الستينيات حتى الوقت الحالي، عرف عنه تمتعه بحس كبير في تقييم اللوحات وتقدير موهبة الرسامين كاشفاً عن المعنى والجمال فيها، حتى أن بعض لوحاته كان يتم استعارتها في معارض فنية.
تراث الشارخ القصصي يتمثل برواية «العائلة» بالإضافة إلى أربعين قصة أو أكثر أتقنها إتقاناً مدهشا، ورواية «العائلة» تحاول عبر خطابها الروائي تخطي المعطى السردي الذي يرصد (عائلة سعد بن كعب الناصر) الذي خلف عشرة أولاد وتسع بنات من زيجاته الأربع، أما القصص فقد صدر منها 3 مجموعات هي: عشر قصص، الساحة، أسرار وقصص أخرى.
وكتب عن أدب الشارخ العديد من كبار الكتاب العرب، منهم حسن بحراوي الذي قال: «أظل مديناً لمحمد الشارخ بأنه جعلني أقلع عن يأسي في مستقبل القصة العربية»، وقبل وفاته بفترة وجيزة أعد للنشر مجموعة جديدة بعنوان «ثلاثون قصة» ضمت غالبية القصص المنشورة سابقاً الا أن القدر لم يسعفه، ربما اهتمت أسرته بمواصلة هذا العمل ليتاح التعرف على الإنتاج الأدبي للشارخ.