عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-May-2020

الوباء لن يجعل الصين قائدة العالم: قلة من البلدان هي التي تشتري نموذج الصين أو رسالتها - مايكل غرين؛ وإيفان إس. ميديروس

 

* – (فورين أفيرز) 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
في وقت مبكر من هذا العام، عندما شرع فيروس كورونا المستجد في التفشي في الصين، كانت التكهنات سريعة وصادمة: كان التفشي بمثابة “لحظة تشيرنوبل” صينية، بل وربما “بداية نهاية” الحزب الشيوعي الصيني، مع تداعيات ربما تصب، في وقت تتصاعد فيه التوترات الأميركية-الصينية، في صالح واشنطن إلى حد كبير. ولكن بعد ذلك، وبنفس السرعة تقريباً، تحولت التكهنات إلى الاتجاه المعاكس. بينما بدا أن الصين تحتوي انتشار فيروس كورونا في حين عانت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية من انفجارات هائلة لتفشي الوباء لديها، قيل أن الوباء والركود العالمي الناجم عنه سوف يؤذنا بإعادة ترتيب جيوسياسية، والتي ستخرج منها الصين منتصرة. ومن المؤكد أن بكين لاحظت هذه الفرصة، فأطلقت حملة عالمية تؤكد فيها على مكامن فشل الحكم الديمقراطي وتعرض فيها نفسها باعتبارها قائد الاستجابة العالمية للوباء.
لكن من المشكوك فيه أن تنجح مغامرة بكين في تحويل جائحة يُرجح أنها بدأت في مدينة صينية إلى خطوة رئيسية في مسيرة صعود الصين. ثمة حدود حقيقية لقدرة الصين على الاستفادة من الأزمة الحالية -سواء من خلال الدعاية المخادعة أو العمل غير الفعال على الصعيد العالمي.
تماماً مثلما تمكن المبالغة في عرض قدرة الصين على الاستفادة من فيروس كورونا بسهولة كبيرة، فكذلك حال التقليل من قدرة الولايات المتحدة على إظهار القيادة العالمية -حتى بعد الأخطاء التي ارتكبتها في البداية. على الرغم من وجود خلل عميق في استجابة واشنطن للوباء حتى الآن، فإن قوة الولايات المتحدة -في معزل عن أي رئيس بعينه- تعتمد على مزيج دائم من القدرات المادية والشرعية السياسية، وهناك القليل من الدلائل على أن هذا الوباء يجعل حسابات القوة تتحول بسرعة وبشكل دائم إلى جانب الصين من دفتر الأستاذ.
الدعاية الصينية
كان الهجوم الدعائي الصيني في البداية جسوراً إلى حد مدهش، لكنه يبدو الآن أخرق ومن غير المرجح أن ينجح. وتظل رواية الحزب الشيوعي الصيني محدودة بالحقيقة البسيطة المتمثلة في أن الكثير من الناس يعرفون عن أصل اندلاع الوباء في ووهان، وعن استجابة بكين الفاشلة في البداية -بشكل خاص جهودها لقمع المعلومات وإسكات العديد من الأطباء الذين حذروا أول الأمر من ظهور فيروس جديد خطير. وفي مواجهة الدعوات إلى قدر أكبر من الشفافية، قامت الصين بطرد الصحفيين الأميركيين الذين يعملون لصحف “نيويورك تايمز” و”الواشنطن بوست” و”وول ستريت جورنال”. وعلى “تويتر” اتهم متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية الجيش الأميركي ببدء فيروس كورونا في ووهان. وعلى الرغم من أن بكين تراجعت عن هذا الزعم المستهجن في الأسابيع الأخيرة، فإن ما فعلته كان نفحة من اليأس، والذي يلمح إلى شعور بكين نفسها بعدم الأمان إزاء إساءة تعاملها مع التفشي.
يتوجه الشك العالمي، ولسبب وجيه، إلى إحصائيات الصين الخاصة بفيروس كورونا. في الحقيقة، في حين تشير الحصيلة الصينية الرسمية لحالات الإصابة بـ”كوفيد- 19″ إلى احتواء فعال للمرض (بحلول آذار (مارس)، كان عدد حالات العدوى المحلية قد انخفض إلى قرب الصفر)، فإن البعض في الصين يخشون أن تكون الحكومة المركزية قد كفت ببساطة عن الإعلان عن كل نتائج الاختبارات من أجل إبقاء الإحصاء الرسمي منخفضاً للحفاظ على السرد القائل إنها كسبت الحرب ضد الفيروس؛ ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي تخفي فيها بكين البيانات غير المفضلة.
يعتنق بعض القادة، بطبيعة الحال، رواية بكين ويهللون استحساناً لأساليبها في محاربة التفشي -بما في ذلك المسؤولون في كمبوديا، وإيران، وباكستان، وصربيا. لكن القليل من تلك الحكومات اقتنعت حديثاً بالرسائل الصينية الأخيرة؛ إن لها جميعاً سجلا طويلا من القبول بالروايات السياسية الصينية ومساعداتها الاقتصادية، والتي تكون الحاضرة دائماً لدعم سلطاتهم الخاصة في الوطن. وفي الحقيقة، رفض بعض المتلقين المبكرين في أوروبا لمجموعات اختبار “كورونا” ومعدات الحماية من العدوى المصنوعة في الصين باعتبارها دون المستوى. وفي الأسبوع السابق على كتابة هذه السطور فقط، قام رئيس وزراء فنلندا بإقالة رئيس وكالة معدات الطوارئ في البلد بسبب إنفاقه ملايين اليوروهات على أقنعة وجه صينية معيبة.
في الأثناء، يدفع قادة آخرون مسبقاً ضد محاولة الصين إعادة كتابة السرد العالمي عن الاستجابة لـ”كوفيد-19″. وقد انتقد جوسيب بوريل، ممثل المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، الجهود الصينية ووصفها بأنها “صراع على النفوذ من خلال تغيير الحقائق واستخدام ‘سياسة السخاء’”. كما تحول قادة البرازيل والهند، الذين يواجهون تحديات في الوطن، بسرعة إلى انتقاد الصين ورفض مساعداتها. وفي أفريقيا، انشد الاهتمام العام إلى القصص التي تحكي عن العنصرية واسعة النطاق التي مورست ضد المغتربين الأفارقة في جنوب الصين. وحتى قبل بدء الوباء، كانت بكين تواجه عجزاً كبيراً في الثقة بين جيرانها الآسيويين. ووجد استطلاع للرأي العام أجراه في ست دول آسيوية مركز “بيو” للأبحاث بين أيار (مايو) وتشرين الأول (أكتوبر) 2019، ونشر في أواخر شباط (فبراير)، نسبًا من الأشخاص الذين لديهم آراء إيجابية تجاه الولايات المتحدة أعلى بكثير عند مقارنتها بالصين.
في دفع السرد عن انتصارها على فيروس كورونا، لن يُقارن نهج بكين بنهج الولايات المتحدة فقط، وإنما أيضاً بالأعمال المثيرة للإعجاب للعديد من الدول الآسيوية، بما فيها العديد من الديمقراطيات. وقد فشلت بكين بشكل سيئ في البداية – بالنظر إلى افتقارها المدهش والمتوقع إلى الشفافية- وواشنطن تفشل الآن. لكن كوريا الجنوبية وتايوان، الدولتين الديمقراطيتين، قدمتا أداء أفضل من كليهما. وتعكس إجراءات كوريا الجنوبية المثيرة للإعجاب في إجراء فحوصات الكشف عن الإصابة وتعقب الاتصالات، وجهود تايوان المبكرة في الرصد والاحتواء، خياراتهما الرشيدة في الحكم وقدرتهما على التعلم من التجارب السابقة مع الأوبئة. ومن المرجح أن تنظر الحكومات والمواطنون الذين يبحثون عن نموذج إلى تلك النجاحات الديمقراطية أكثر مما يختارون البديل الاستبدادي المتبجح وجهود الاحتواء الدراكونية التي استخدمتها الصين -التي ما تزال كلفها الحقيقية غير معروفة بعد.
بالإضافة إلى ذلك، لا يستطيع اقتصاد الصين أن يُهرع للإنقاذ كما فعلت خلال الأزمة المالية العالمية. فعلى الرغم من أن هناك زيادة طفيفة في جانب العرض بينما تعاود المصانع الصينية فتح أبوابها، فإن محركات جانب العرض بالنسبة للنمو الصيني في ورطة حقيقية. فالاقتصاد الصيني أكثر اعتماداً على الطلب الخارجي من الولايات المتحدة وأوروبا من أن يصبح مخلّصاً وحيداً للاقتصاد العالمي. وتستقبل الدول الاثنتا عشرة الأكثر تأثراً بضربة الوباء اليوم نحو 40 في المائة من صادرات الصين. كما أن العديد من هذه الدول هي أيضاً من كبار موردي السلع الوسيطة للصين. ولن يتمكن اقتصاد الصين من العودة إلى مسار نموه السابق بمعدل 5 إلى 6 في المائة سنوياً إلى أن تتعافى اقتصادات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضاً. وسيكون على صانعي السياسة الصينيين أن يكبحوا بعضاً من جهودهم بخصوص الحوافز الداخلية إلى أن يحدث ذلك، وهم يعرفون أن مثل هذه الحوافز سيكون لها تأثير محدود إذا كان الطلب العالمي منخفضاً. ولم يعد خيار تمويل برنامج حوافز آخر مدعوماً بالائتمان كما فعل الصينيون في 2008-2009 مطروحاً على الطاولة بسبب ارتفاع مستويات الدَّين الإجمالية للصين والمخاطر الحقيقية من إحداث انهيار في نظامها المالي. في هذه الأزمة، يجب أن يغرق الاقتصادان، الصين والأميركي، معاً أو أن يعوما معاً.
مخاطر التنبؤ
في خضم أزمة عالمية، تكون الضغوط للتنبؤ بالآثار الاستراتيجية طويلة الأجل للحالات الطارئة كبيرة. وتكمن مشكلة استخلاص استنتاجات مبكرة في أنها غالبًا ما تكون خاطئة: حيث يركز المحللون على العواقب المباشرة للأحداث الأخيرة بينما يتجاهلون السمات الهيكلية للنظام العالمي.
من المؤكد أن فشلاً كارثياً حدث في القيادة السياسية والعسكرية للولايات المتحدة في الأزمة الحالية، والتي يمكن أن تكلف الولايات المتحدة ثمناً باهظاً في الأرواح والنفوذ العالمي على مدى الأشهر المقبلة. لكن القول بأن هذا ربما يؤذن بـ”لحظة سويس” للولايات المتحدة، كما فعل كيرت م. كامبل وروش دوشي مؤخراً في مقالهما في مجلة “فورين أفيرز”، يذهب شوطاً بعيداً. وتجدر مراجعة تشبيه السويس هذا عن كثب. كان التدخل البريطاني في السويس في العام 1956 بمثابة النفَس الأخير لإمبراطورية كانت قد فقدت منذ فترة طويلة السلطة والشرعية لفرض إرادتها على دولها الاستعمارية السابقة. وكانت الولايات المتحدة قد تجاوزت المملكة المتحدة وتفوقت عليها بكل مقياس دبلوماسي واقتصادي وعسكري قبل جيل من أزمة السويس. ولا شك في أن القوة العسكرية والتكنولوجية الصاعدة للصين اليوم مثيرة للإعجاب، لكن عملة الصين لا تقترب من نوع الهيمنة التي كان يتمتع بها الدولار في العام 1956 -أو التي يتمتع بها اليوم. في الواقع، كانت حصة المملكة المتحدة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في ذلك الوقت جزءًا صغيرًا من حصة الولايات المتحدة اليوم. وكما قد يقول اللينينيون الصينيون، فإن علاقة تناسب القوى الدولية في العام 1956 لم تكن بالتأكيد تصب في صالح المملكة المتحدة.
ليس هذا هو واقع الحال اليوم بالنسبة للولايات المتحدة. فحتى في الوقت الذي تسير فيه الولايات المتحدة متعثرة في الأزمة الحالية، تواجه بكين تحديات داخلية وخارجية نابعة من خياراتها بشأن الحوكمة الاقتصادية والسياسية في الداخل والعالمية في الخارج. وثمة أدلة ضئيلة على أن النموذج الاستبدادي الذي تشكله الصين اليوم يتمتع بجاذبية أكثر من المعايير الديمقراطية التي اعتنقها العديد من جيرانها. ومن غير المؤكد أن يكون القرن الحادي والعشرون “القرن الصيني”، بغض النظر عما تفعله الولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك، من المرجح أن يكون قرناً آسيوياً بالنظر إلى الحوكمة الفعالة والناجحة التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة، بالإضافة إلى المساهمات الكبيرة والمتنامية التي تقدمها المنطقة في الابتكار والإنتاجية والنمو العالمي.
استعادة القيادة الأميركية
على الرغم من أن موقف الصين في ما يتعلق بالقيادة العالمية بالكاد مضمون، إلا أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تكون راضية عن نفسها -بعيداً عن ذلك. قد لا يكون هناك تحول في النفوذ العالمي نحو الصين، ولكن هناك أزمة مستمرة في القيادة الأميركية، كما يشير كامبل ودوشي في مقالهما في “فورين أفيرز”. من الضروري أن تعيد الولايات المتحدة تأسيس قيادة كفؤة بشأن هذا الوباء على جميع المستويات. من الواضح أن العالم يحتاج إلى نظام عالمي للمراقبة واختبارات الكشف عن المرض والاستجابة الدوائية. وحتى الآن، حقق خطاب الصين ودبلوماسيتها مكاسب محدودة، لكن على الولايات المتحدة وحلفائها أن يظلوا متيقظين حتى لا توسع بكين دورها أكثر في الحوكمة العالمية والتصميم المؤسسي في الوقت الذي تتراجع فيه واشنطن.
تعرض الأزمات العالمية والإقليمية السابقة التي تعود في تاريخها إلى الخمسينيات دروسًا مهمة لاستعادة القيادة الأميركية. في واقع الأمر، كانت العديد من أنماط التعاون الدائم والتطوير المؤسسي قد نشأت من لحظات موسومة بالضغط الشديد: تم توقيع معاهدات الولايات المتحدة الأمنية مع أستراليا واليابان وغيرهما في ذروة الحرب الكورية؛ وتم تنظيم الإطار الرباعي مع أستراليا والهند واليابان في أقل من 72 ساعة استجابة لتسونامي العام 2004؛ واجتمع قادة مجموعة العشرين لأول مرة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، في خضم الأزمة المالية للعام 2008. وحتى بعد الأزمة المالية في 1997-1998، عندما طالبت الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي بشروط صعبة أدت إلى نفور جزء كبير من دول آسيا بينما كسبت بكين نقاطاً لصالح عدم تخفيض قيمة عملتها، كانت النتيجة طويلة الأجل اقتصادات أكثر مرونة وقائمة على السوق في المنطقة، وليس تحولاً إلى رأسمالية الدولة على الطريقة الصينية.
إذا كانت الولايات المتحدة منخرطة في منافسة استراتيجية مع الصين، فيجب أن تكون القيادة الأميركية الفعالة في خدمة بناء شيء إيجابي للخروج من الأزمة بدلاً من محاولة استخدامها لعزل بكين واستبعادها. ويشكل فشل وزراء خارجية مجموعة السبعة في التوصل إلى اتفاق بشأن إصدار بيان مشترك (بسبب إصرار الوفد الأميركي على وصف فيروس كورونا المستجد بأنه “فيروس ووهان”، في تعارض مباشرة مع المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية ومواقف أقرب حلفاء واشنطن)، يشكل هذا بالكاد مثالاً على القيادة الفعالة. على مدى عقود، حافظت الولايات المتحدة على القوة والمصداقية والتأثير -ليس فقط بسبب حجمها وقدراتها، وإنما أيضًا من خلال جذب دول أخرى إلى اعتناق رؤيتها للأمن والازدهار. إن ولايات متحدة فظة ودفاعية بشأن الصين الآن ليست ولايات متحدة يمكن أن تكسب الاحترام بين أصدقائها وحلفائها. وإن ولايات متحدة تتعلم من تجارب ألمانيا وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرها في إدارة الجائحة؛ والتي تتبنى نهج التعاون العملي والهادف مع الصين؛ وتنخرط مع المنظمات العالمية، مثل منظمة الصحة العالمية، لمساعدتها على إصلاح نفسها، هي الولايات المتحدة التي يمكنها أن تستخدم الوباء كفرصة لتذكير العالم بما تبدو عليه القيادة الأميركية.
 
•Michael Green : أستاذ الدراسات الآسيوية في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون، ونائب الرئيس الأول لقسم آسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. شغل منصب مدير أول للشؤون الآسيوية في مجلس الأمن القومي الأميركي في الفترة من العام 2004 إلى 2005.
• Evan Medeiros: أستاذ الدراسات الآسيوية في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون، عمل كمدير أول للشؤون الآسيوية في مجلس الأمن القومي في الفترة من العام 2013 إلى 2015.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Pandemic Won’t Make China the World’s Leader