الغد
ليس مجرد خبر عابر، بل لحظة مفصلية سجلتها المرأة الأردنية؛ بفوز الدكتورة آية الأسمر نقيبا لنقابة أطباء الأسنان. صحيح أن عددا من السيدات فزن بموقع نقيب نقابة الممرضين في عقود مضت. لكن الأسمر سجلت سابقة بأن انتخبت نقيبا لنقابة مهنية في الأردن منذ بدايات التحول الديمقراطي.
هذا الفوز يشكل تتويجا لمسار لم يكن معبّدا، بل جاء باستحقاق واقتدار وكفاءة، لتثبت المرأة أنها قادرة على أن تتولى دفة القيادة في أي موقع تصل إليه. ومع كل تقدم يبقى الطموح أكبر من مجرد أرقام تسجل، فالسؤال: متى نصل إلى تمثيل عادل يعزز دورها كشريك حقيقي في صناعة القرار؟
في لمحة سريعة نحو محطات تاريخية مضيئة، نستحضر أسماء نساء قياديات أثّرن في المشهد العام، ففي العام 1979، حين سجّل الأردن سابقة مهمة بتعيين أول وزيرة في تاريخه، الراحلة إنعام المفتي، التي كانت علامة فارقة ليس فقط محليا، بل على مستوى المنطقة العربية بأسرها.
وفي العام 1984، خطت ليلى شرف خطوة تاريخية بتوليها وزارة الإعلام، لتكون أول امرأة تتسلم هذا الموقع الحساس. وقد استقالت من منصبها احتجاجا وقتها. ولم يتكرر الأمر إلا العام 2018 مع الزميلة جمانة غنيمات، التي تولت وزارة الإعلام وناطقا رسميا باسم الحكومة، وقبل ذلك حققت سابقة نوعية بتولي رئاسة تحرير صحيفة الغد، لتكون أول امرأة تشغل هذا الموقع في صحيفة يومية أردنية ناطقة بالعربية على مستوى المنطقة.
وفي سياق ريادة المرأة إعلاميا؛ استلمت الزميلة رنا صباغ العام 1999 رئاسة تحرير "جوردان تايمز" الناطقة بالإنجليزية كأول امرأة عربية تتولى هذا المنصب في بلاد الشام. كما شغلت الإعلامية بيان التل العام 2011 منصب مدير عام لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية. واليوم تتولى الزميلة فيروز مبيضين منصب مدير عام لوكالة الأنباء الأردنية (بترا).
وفي استذكار للراحلة أسمى خضر، فقد تم تكليفها بمهام الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزيرة دولة.
وفي سياق متصل، كانت الدكتورة رويدة المعايطة أول امرأة ترأس جامعة رسمية أردنية، في خطوة ترسّخ حضور المرأة في قيادة مؤسسات علمية ووطنية.
وعلى المستوى البرلماني، سجّلت المرأة الأردنية حضورا مبكرا في الحياة النيابية، إذ كانت توجان فيصل أول من تفوز بالتنافس على مقعد مخصص للشركس، فيما كانت فلك الجمعاني من أوائل النساء اللواتي فزن بمقعد نيابي عبر التنافس الحر، وفي انتخابات مجلس النواب السادس عشر، فازت ريم بدران عن الدائرة الثالثة في عمّان (دائرة الحيتان وقتها)، محققة أعلى عدد من الأصوات، بالتنافس الحر في العاصمة.
وتوالت بعدها النماذج النسائية المؤثرة، من بينهن رلى الحروب التي فازت في انتخابات عام 2013 عن مقعد الدائرة الوطنية، إلى جانب نساء أخريات قدّمن تجارب برلمانية لافتة، مثل وفاء بني مصطفى التي فازت بالمقعد النيابي عن دائرتها جرش وبالتنافس أكثر من مرة.
وفي مواقع تنفيذية متعددة، استطاعت المرأة الأردنية أن تحجز مكانها في الصفوف المتقدمة. وبذاكرة سريعة، نستحضر أوائل تركن بصماتهن في التاريخ الوطني؛ ريما خلف كأول نائبة لرئيس الوزراء، تغريد حكمت كأول قاضية، سمر العوران كأول كابتن طيار.
وكما وصلت نساء كثيرات إلى مناصب بارزة، من بينهن من تولّت رئاسة مجالس إدارات في قطاعات اقتصادية متنوعة، وفي رئاسة البلدية وغيرها من المواقع، فإن حضور المرأة امتد إلى ميادين النضال والعمل الحزبي. فنساء كثر يصعب حصر أسمائهن هنا، لكنهن كنّ من أبرز رائدات الحركة النسوية والنضالية في الأردن، وفاعلات في العمل السياسي، قدن مسيرات وكتبن فصولا لا تنسى في تاريخ النضال من أجل التقدم والعدالة والمساواة.
حين تتوفر الإرادة السياسية وتفسح المساحة للكفاءات التي تزخر بها المرأة الأردنية في مختلف القطاعات، يصبح التحدي الحقيقي هو تحقيق تمثيل نوعي ومسؤول يجسد حضورها ويترجم قدراتها. فالمسألة لا تقاس بالعدد، بل في نوعية التمثيل وفاعليته، كما شهد تاريخ الأردن عبر محطاته.
واليوم، فإنه من المحبط أن نسجل هذا القدر من تردد المرأة – حتى لا نقول خوفها– من خوض غمار المنافسة خارج مقعد الكوتا المخصص، إذ لم تتقدم أي سيدة للترشح خارج حساب الكوتات في الانتخابات الأخيرة، أو على أساس الجدارة التي تؤهلها لخوض منافسة حرة تجعلها ندا سياسيا حقيقيا في الدوائر الانتخابية الـ(18). كما انخفض عدد المترشحات مقارنة بالموسم الانتخابي الذي سبقه، على الرغم من زيادة عدد مقاعد المرأة في قانون الانتخاب بنسخته الأخيرة.
ما تحقق حتى الآن ليس سوى خطوة أولى على طريق طويل. فمسيرة المرأة تستحق أن تمضي بثقة نحو مواقع أوسع، وتمثيل أعمق، يليق بقدراتها ويعكس ما تمتلكه من طاقة على إحداث الفرق والتغيير الحقيقي. آن الأوان أن تخوض المنافسة بثقة واقتدار، فلا نريد مع مرور الوقت أن تبقى النماذج النسائية تعد على الأصابع في وطن يفيض بالكفاءات.
ربما لا تسعفني المساحة هنا لذكر جميع الأسماء من نساء أسهمن في كتابة تاريخ هذا الوطن وصنعن الفرق، فالحديث لا يدور فقط حول من شغلن موقع قيادية، بل عن نساء تركن أثرا مستداما لا ينتهي بانتهاء الدور، بل يظل حاضرا. لذلك ليس مهما المساواة الشكلية بين الرجل والمرأة على المستوى القيادي بل الأهم هو عدالة تمثيل المرأة عندما يتعلق الأمر بالكفاءة والقدرة وليس على حسابات (الكوتا).