عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Jan-2020

“وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون” - د. محمد المجالي
 
الغد- وكأني أقرأ هذه الآية لأول مرة، في قوتها ووضوح حجتها واطرادها، فهي تحكي سنة من سنن الله تعالى، لا تتخلف ولا تحابي أحدا، ولعل الكلمات الأبرز هنا هي الظلم والولاء والكسب، فمن كان شأنه الظلم فهو حتما ولي للظالمين الآخرين، ومن باشر الظلم لا بد سيسلط الله عليه من هو أشد ظلما منه، فالظلم ظلمات في الدنيا وفي الآخرة.
يروي ابن كثير عن سعيد عن قتادة في تفسيرها: وإنما يولي الله الناس بأعمالهم، فالمؤمن ولي المؤمن أين كان وحيث كان، والكافر ولي الكافر أينما كان وحيثما كان، ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي. وقد روي عن ابن مسعود: من أعان ظالما سلطه الله عليه. وقال بعض الشعراء:
وما من يد إلا يد الله فوقها
ولا ظالم إلا سيبلى بظالم
والمهم هنا أن مفهوم الظلم أعم من ظلم الحقوق، فوضع الشيء في غير مكانه عموما ظلم، وهذا يشمل الأفعال والأقوال، ويشمل الكفر الصريح وما يؤدي إلى الكفر، فقد قال الله تعالى عن الظلم: “والكافرون هم الظالمون”، لأنهم وضعوا الاعتقاد والعبادة في غير موضعها.
ومن الظلم ما يتصرف به الناس مع بعضهم باستهزاء وكبر وإفساد، ربما يشجعهم على هذا أوضاع عامة سياسية واقتصادية واجتماعية، فيعمد أحدنا إلى التصرف الخطأ بحجة وجود نماذج من الناس، مسؤولين وغير مسؤولين، وهكذا تتوسع دائرة الظالمين، ويحابي بعضهم بعضا، ويسلك بعضهم شؤون بعض، ليكون الظلم علامة واضحة في تصرفاتهم.
الظلم عاقبته وخيمة، ومن تعوده ليصبح سجية فيه فهذه كارثة ستودي بصاحبها إلى الهلاك، وستقود المجتمع عموما إلى أن يعتاد حال الظالمين، فكم نسمع عن ظلم في البيوت في أداء الحقوق، أو في التقصير في أداء الواجبات، وكم نسمع عن ظلم بين الأقارب، وبين الجيران، وفي المجتمع عموما حين لا يُلتفت إلى المعوزين والأيتام والمضطهدين، مسائل ربما لا يلتفت إليها كثيرون، لأن الشائع بين الناس هو: (اللهم نفسي)، ولا يدري هؤلاء أن من بات في حي من أحياء المسلمين جائعا فقد برئت ذمة الله من جميع أهل الحي، إذ المسؤولية في الإسلام تتعدى الناحية الرسمية إلى الحالة الشعبية، ومن هنا كانت وصية الإسلام بالجار، وضرورة أن يتفقد بعضنا بعضا.
كثيرون هم المفسدون في الأرض، اقتدوا في منهجهم بآخرين تفننوا في إفسادهم، والأخطر في هذه المعادلة كلها أن الله تعالى يولي بعض الظالمين بعضا بهذا الكسب الذي تبادلوه، وسيسلط الله على كل ظالم ظالما مثله أو أشد، وهنا قد لا يسلم المجتمع عموما من العقوبة، فإذا ذاع المنكر قد يهلك المجتمع ولو أن فيهم الصالحين، وذلك حين يكثر الخبث.
إن الظالمين بعضهم أولياء بعض، يحب بعضهم بعضا، وينصر بعضهم بعضا، وينسق بعضهم مع بعض، يأكلون حقوق الناس، ولا يهمهم أم دين ولا إله ولا آخرة، فقد طمس الله على قلوبهم وسلط بعضهم على بعض، فلا يرعوي أحدهم عن فعله، بل يرى الآخرين هم الخطأ، وهو صواب، خاصة حين يستمرئ أحدنا المنكرات، ويشيعها بين الناس، تارة بحجة الانفتاح وأخرى بحجة التسامح، وهكذا تختلط الأمور، ويصبح البون شاسعا بعيدا عن المصلحين ليمارسوا دورهم الإصلاحي.
المجتمع كله مسؤول عن الحقوق والواجبات، والدين يعزز هذا المفهوم ويبني عليه مسألة الثواب والعقاب، ولا يجوز تأخير الدين عن توجيه المجتمع، فلا يستقيم أمره إلا بربطه بالله واليوم الآخر والمصير الذي ينتظر الجميع، وهي وظيفة الدولة أن تكون قائمة على العدل وأداء الحقوق وتحارب الظلم وأهله والفساد ومرتكبيه، وإلا فالمصير مؤلم للجميع، لا قدر الله.