مُجرمو حرب مُحترفون...مجزرة «الباغوز» السورية مثالاً «أميركياً» ساطعاً*محمد خروب
الراي
على نحو يفيض إستفزازاً وغطرسة واستكباراً أميركيا, بات يَسِم السياسات الأميركية المتّكئة على غرورٍ وإرثٍ إمبراطوري, يحتقِر كل ما يمتّ بصِلة للقانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي, جاء إعلان القيادة الأميركية المركزية «سنتكوم» الأحد الماضي, أن الغارات الجويّة التي نُفذت يوم 18 آذار 2019 وقُتل فيها أزيد من70 مدنياً من النساء والأطفال والمُسنين..كانت"مشروعة", وأن الغارات كانت «دفاعاً عن النفس ومُتناسِبة", مُستطرِدة أن «خطوات مُلائمة إتّخُذت لاستبعاد (فرضِية) وجود مدنيّين. بل واصل البيان الأميركي ضخ المزيد من الأكاذيب واختلاق المبررات المتهافتة/الوقِحة, عندما زعم أن «التحقيق» لم يتمكّن من تحديد وضع أكثر من 60 ضحية أخرى بشكل قاطع, مُدّعياً أن «بعضاً من النساء والأطفال", سواء بناء على العقيدة أو خيارهم الشخصي «قرّروا حمل السلاح في هذه المعركة, وبالتالي -أضاف- لا يمكن بتاتاً تصنيفهم كمدنيّين».
ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية مؤخراً, عن عدد و"وزن» القنابل التي ألقتها القاذفات الحربية الأميركية على بلدة «الباغوز» السورية يوم 16 آذار 2019, وكانت معقل تنظيم داعش الإرهابي في ذلك الوقت, لا يترك مجالاً للشك بأنه قصف عشوائي لم يُراع قوانين الحرب, ويعكس في الوقت ذاته مدى احتقارالرجل الأبيض/العسكري الأميركي لحيوات الشعوب, وِفقاً والتزاماً وتطبيقاً لقواعد الثقافة الأنجلوساكسونية العنصرية, التي لوّثت بقاع المعمورة بالدم والقتل والغزوات والإنقلابات والإغتيالات.
ليس ثمة ما يدعو للإستغراب, فسِجّل الإمبراطورية الأميركية العسكري خصوصاً, حافل بالمجازر والإرتكابات وجرائم الحرب الموصوفة, التي تفضحها صُور الضحايا وأعدادهم والإستخدام المُفرط للقوة ضد المدنيين, في فيتنام والعراق وأفغانستان وسوريا ولبنان والبلقان/يوغسلافيا السابقة وبقاع عديدة من المعمورة, قرّر اليانكي الأميركي أن شعوب تلك البلدان لا تستحق الحياة, وأن الوسيلة «الوحيدة» لتأديبها وكتم أصواتها, هي شنّ الحروب عليها وتنصيب طغاة وعملاء عليها, تكون «وظيفتهم» إرهاب شعوبهم وتجويعها ونشر الفساد في هياكل الدولة والمجتمع, تحت طائلة التلويح بالعقوبات واستخدام فزاعة محاربة الإرهاب, لتبرير جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها جنود/وضباط الإمبراطورية الأميركيّة.
الجرائم هذه تستحضِر وبالضرورة «الإرث» الأميركي المديد/والعميق في القتل والإبادة الجماعية. سواء في مذبحة القرية الفيتنامية «ماي لاي", التي قارفتها قوات الغزو الأميركي في آذار 1968, أم في تدمير الطبيعة الفيتنامية عندما أقدم الأميركيون على رشّ ملايين الجالونات من مبيدات الأعشاب وأوراق الأشجار, على الأدغال والمناطق الريفية الفيتنامية بهدف «كشف» ثوار الفيتكونغ, الذين ألحقوا هزيمة مُذلَّة بالإمبراطورية الأميركية وأجبروها على الرحيل والإنكفاء.
كذلك كانت حال العراق الشقيق الذي اكتوى بنيران آلة الحرب الأميركية قبل غزو العام 2003 وبعده, عندما تم استباحة وتدمير مدينة الفلوجة كما الرمادي والكوت وقتل آلاف المدنيين, أضافة لما ألحقه الأميركيون بمدينة الموصل من خراب وتدمير مُمنهَج ومقصود بذريعة تحريرها من سيطرة داعش, ناهيك عن نهب وتخريب المتحف الوطني العراقي واستباحة ثرواته وإرثه الحضاري الفريد. وما تدمير أفغانستان واحتلالها لعقدين من السنين وإزهاق أرواح مئات آلاف المدنيين, سوى الدليل الأحدث على مدى الوحشية الأميركية المُفرطة في سادِيّتها, التي لا تُقيم وزناً للمواثيق القانونية والأخلاقية والإنسانية. وما مُحاربتها محكمة الجنايات الدولية وعدم توقيعها على نظام روما الأساسي وإجبارها الدول التابعة لها وتلك التي تدور في فلكها, «التعهّد» بعدم تسليم جنودها إلى المحكمة الدولية تحت طائلة العقوبات والعزلة, سوى دليل آخر/أبرز على مدى خروج واشنطن السافر على كل الأعراف والقوانين. ناهيك عن الدعم غير المحدود سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً واستخبارياً ومالياً وأمنياً لدولة العدو الصهيوني/العنصري/الإستيطاني, كذلك للدول والأنظمة العميلة لها والتابعة...عبر المحيطات.
في السطر الأخير.. ما حدث بعد الكشف عن مجزرة «ماي لاي» التي ارتكبها الغُزاة الأميركيون في فيتنام, يعكس بوضوح مدى الإنحطاط السياسي والأخلاقي للمنظومة الحاكمة في واشنطن. إذ أدانت محكمة أميركية الملازم/ويليام كايلي بالمسؤولية عن المذبحة وتم الحكم عليه بالسجن «مدى الحياة", لكن وبعد يوم واحد فقط تم إطلاق سراحه بعد أن مَنحه الرئيس وقتذاك نيكسون «عفواً رئاسياً». وهذا يُذكِّرنا بما فعله ويفعله العنصريّون الصهاينة مع مجرمي الحرب من ضًبّاطهم وجنودهم, عندما يقتلون ويُعِدمون ميدانياً.. أطفال ونساء وشيوخ وشباب وشابات فلسطين, قبل وبعد مجزرة كفر قاسم وليس إنتهاء بمسلسل القتل الذي لا ينتهي في فلسطين التاريخية..داخل الخط الأخضر كما في الضفة والقطاع.
كلّهم مجرِمو حرب محترفون...أميركيون وصهايِنة.