عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Jul-2020

انتهى السحر - بقلم: ايهود اولمرت

 

معاريف
 
الاحتجاج لن يتوقف. وهو سيواصل مراكمة القوة والطاقة، وفي النهاية سينجح في المكان الذي لم تنجح فيه الانتخابات، الأحزاب، صناديق الاقتراع وكل اولئك الذين حلموا بتغيير بنيامين نتنياهو وفشلوا. ومن فهم هذا قبل الجميع هو نتنياهو نفسه.
يعتقد الكثيرون بان بيبي هو لاعب شطرنج سياسي على أعلى المستويات. اما أنا فاشك في ذلك. نتنياهو هو أولا وقبل كل شيء لاعب كفؤ، بل وربما عبقري. يظهر كل مساء ويكاد لا يفوت فرصة. في الاذاعة، في التلفزيون أو في مجرد اللقاء مع معجبيه. جلسات الحكومة والخطابات في الكنيست هي ايضا إطار للظهور وان كان مختلفا بعض الشيء إلا أنه هو ايضا يحتاج إلى اعداد، مكياج، تصميم الشعر، لباس لائق وبالطبع جمهور. يستعد نتنياهو لكل ظهور كهذا بجذرية، بعناية شديدة وبمهنية تبعث على الاعجاب. كل هذه تضاف إلى الكفاءة الطبيعية، التي ليس فيها أي شك. نتنياهو هو مهني بموهبة عليا. مثل كل الممثلين الكبار، لديه كفاءة في أن يشخص الأحاسيس الأكثر خفة في أوساط جمهوره. مثل لورانس أوليفييه يعرف كيف يشخص الذبذبات الأشد رقة، النظرة التعبة، حركات العيون والأيادي، الأعصاب المشدودة وانعدام الصبر بين الجمهور. هو حساس لهذا أكثر من كل المحللين، الخبراء والمستطلعين. ما يشعر به منذ الآن لن يفهموه الا لاحقا. هذا سيتطلب مظاهرة كبرى أخرى، احتجاج في الشوارع آخر، تجمع صاخب آخر بجانب المنزل في بلفور، ولكن في النهاية هم ايضا سيفهمون.
هو يعرف ان الجمهور ليس معه. صحيح ان هذا ليس كل الجمهور، ولكن الكتلة التي تجعل الفرق فقدها نتنياهو منذ الآن. مثل الكثير من الناس ممن اعتقدوا أنهم سحرة، نجح نتنياهو هو ايضا في ذر الرماد طالما لم تسقط أي من الكرات التي رماها في الهواء أرضا. وحتى عندما كان يخيل انه يفقد التحكم باحداها – نجح في الثانية الأخيرة في التقاطها والقاء واحدة اخرى في الهواء، وفي هذه الاثناء الابقاء ايضا على نظرة مركزة والتحرك بوتيرة طيران الكرات الى أن بدأت تفلت من سيطرته. وعندما تسقط الكرات ينتهي السحر. فجأة يتبين بان الساحر ليس كلي القدرة. وفي واقع الأمر هو ليس ساحرا على الاطلاق. بل هو يذر الرماد في العيون.
يمكن ذر الرماد في عيون قسم كبير من الجمهور لزمن ما، ويمكن ذر الرماد في عيون كل الجمهور لزمن اقصر، ولكن على حد قول ابراهام لينكولن، لا يمكن ذر الرماد في عيون كل الجمهور كل الوقت.
الرد الأشد، الأكثر ايلاما، الأكثر وحشية منها جميعا – هو رد المعجبين الذين تحرروا من وهم السحر واكتشفوا بان الحاكم عار. يستقبل الاكتشاف بداية بعدم الثقة. لا يحتمل أن يكون الرجل الذي اعتقدنا انه كلي القدرة وأنه لا يوجد أي شيء لا يستطيع تنفيذه، ويمكنه ان يلمس النقاط الأكثر حساسية هو في واقع الأمر جبان، مخادع، متردد، عديم الولاء الأدنى لأكثر الناس قربا له. وفجأة ينكشف بطل الخيالات العاصفة لجمهور المعجبين بكامل عاره، ضعفه ووهنه. عندما يحصل هذا لا مغفرة ولا معذرة. لا يوجد أكثر وحشية من خيبة اولئك الذين ضللوا. المعركة على بلفور. هذه اجمالا المرحلة الاخطر من ناحية الرد المتوقع للرجل الذي فقد عطف الجمهور. في هذا المكان يوجد الآن نتنياهو. لم يهبط بعد على الأرض – هو ما يزال في مرحلة السقوط. وهو ما يزال يؤمن بانه ما تزال هناك العوبة يمكنها أن تنقذه من التحطم. معقول أكثر ان يؤدي هذا السحر المنجي بدولة إسرائيل الى طريق مسدود. سيجبي منها – من كل واحد من مواطنيها – ثمنا باهظا وثمنا دمويا باهظا.
نحن قريبون جدا من المرحلة التي تدخل فيها الأحداث الى وتيرة مدوية والى فقدان السيطرة. اليوم ما يزال هذا يجد تعبيره في أحداث صغيرة. لجنة في الكنيست تقرر بخلاف توصية رئيس الوزراء بفتح برك السباحة والنوادي الرياضية، وبالتالي يهددون باقالة رئيستها التي لم تطع الأوامر. وغدا ستكون معارضة للإغلاق في الاحياء الأصولية وفجأة يتبين أن درعي، ليتسمان ودفني ليسوا في جيب بدلة نتنياهو. وبعد غد سيصر أزرق أبيض على احترام الاتفاق الذي يلزم بتقديم ميزانية لسنتين، ويكون يتعين على نتنياهو أن يقرر إذا كان يطيع القانون الغريب والهاذي الذي بموجبه بنيت الحكومة أم انه سيفكك الحكومة ويجذب إسرائيل إلى جولة انتخابات رابعة. إذا ما اغري، فهل سينجح في وقف السقوط الذي بات يعرف منذ الآن بانه يوجد في ذروته، وهكذا تقول له الاستطلاعات ايضا – ام سيركض بكل القوة ويتحطم مع عائلته المشاغبة ومع آخر الموالين له؟
لا يمكن أن نعرف كيف ستتطور الأمور. شيء واحد واضح لا يرتقي اليه الشك – نحن بتنا ندوخ في مهب الريح، التي تأتي من اتجاهات مختلفة وتهدد بجرفنا جميعا.
في هذه النقطة الزمنية يمكن أن تحصل أمور تنتهي بمصيبة. منذ زمن بعيد ونتنياهو يعمل بقوة الخوف التي تهدد بتحطيم الغلاف الملكي الذي يحميه ويحمي ابناء عائلته. وهو مستعد لان يفعل كل شيء تقريبا كي يحمي هذا الغلاف الذي بدونه، حياته، حياة زوجته سارة وابنه يئير ليست حياة. هذا الغلاف هو بلفور. كل ما يمثله بلفور للجمهور وكل ما يشكله لهذه العائلة الغريبة. بلفور في عيونهم هو قصر القيصر، السور الواقي الذي يفصل بينهم وبين كل الباقين الذين في معظمهم ان لم يكونوا كلهم اعداء، ذوي نوايا شريرة، يكرهون الدولة، يساريون خطيرون يجب القتال ضدهم. بلفور هو قافلة السيارات مع الاضواء الزرقاء المشجعة. انه البركة في قيساريا التي تدفع الدولة لمياهها المتجددة. انه الهدايا التي يسمح لرئيس الوزراء أن يتلقاها من الأصدقاء والمجوهرات التي يطلب شراءها لزوجته.
والآن، فجأة يتبين لنتنياهو ايضا، المسافة بين كل هذا وبين العزلة التي لا يوجد ما هو أصعب منها، الفجوة بين بلفور وبين الحياة التي ليس لها خدم، مساعدون، سكرتيريا، منظفات وهدايا – مجرد حياة ينبغي فيها النهوض في الصباح والكفاح ضد كل قوى السواد المهددة. هذه الفجوة آخذة في التناقص. بعد قليل سيختفي الغلاف، وكل شيء سيهرب ولن يكون معنى للحياة.
هذا هو الزمن الذين تقع فيه بشكل عام المصائب التي تغير حياة الناس والدول. هذه بالضبط هي اللحظة التي يكون فيها اناس مثل بيبي، فقدوا الاتجاه واضاعوا السيطرة والقدرة على تحديد جدول الأعمال – قادرين على القيام بالأمور الأكثر خطرا، والتي لا عودة عنها ولا مخرج منها.
في هذه النقطة نوجد كلنا. هذه تقترب من أن تكون لحظة الحقيقة. الاحتجاج سيستمر وسيتعاظم، ولا يمكن لأي رشوة من أموال الدولة ان توقفه. لا يمكن شراء الثقة بالمال ولا يمكن خلق الولاء بالخداع. من اللحظة التي تضيع فيها الثقة يكاد يكون غير ممكن اعادتها. ولكن يجب الحذر والاحتماء. على الاحتجاج ان يكون غاضبا ولكن أكثر هدوءا، حازما ولكن غير عنيف. مستمرا ولكن غير مقتحم للجدار. حرية التعبير لن تمنع – لا توجد أي شرطة يمكنها أن تقف في وجهها، وشرطة إسرائيل لن تحاول عمل ذلك، إذ في نهاية المطاف أفراد الشرطة انفسهم يأتون من داخلنا، حتى عندما يكونون احيانا مخطئين وعنيفين أكثر من اللازم والمناسب. فعندما يعودون إلى الديار، فان بيتهم هو بالضبط مثل بيتنا.
عندما يقف كل الجمهور – مع التشديد على كل الجمهور – أمام بلفور، عليه أن يمتنع عن فقدان السيطرة والانجرار إلى أعمال تحطم الأواني. والا فان نتنياهو، سارته ويئيرهما هم من سيفقدون ما تبقى من السيطرة، من اللجام، من ضبط النفس، من المسؤولية، من النزاهة، من اشارات قف – وعندها هذا سينتهي. فجأة، سيكون واضحا، بان بيبي لم يعد. كل الباقي، سيتدبر أمره مثلما ينبغي ان تكون الامور . والكورونا ايضا سننتصر عليها.
*رئيس الوزراء السابق