عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Sep-2023

على سبيل المثال" لأحمد طمليه الحياة بأوجاعها تكمن في التفاصيل

 الغد

صدرت عن دار خطوط وظلال للنشر رواية جديدة لأحمد طمليه بعنوان "على سبيل المثال" بدعم من وزارة الثقافة.
تحكي الرواية قصة شاب يعاني من حكة دائمة في يده، وحين يسأله الطبيب عن شكواه يقول: "إنه يفكر في الانتحار. يذهب الشاب في رحلة ذهنية باحثا عن ما يؤرقه، يمر خلالها بوقائع حدثت معه، وبكوابيس لا تظهر إلا في الأحلام، منها ذهابه بمعية صديقة إلى دعوة
 
 
وحين يحدث أحد أصدقائه بالأمر، يؤكد الصديق أن ما حدث له لم يحدث على أرض الواقع، بل ربما حدث في خياله. يبقى على تواصل مع الطبيب، وهو طبيب عام وليس متخصصا بعلم النفس، ويستذكر الكثير من التفاصيل المؤلمة في حياته، منها ما هو من صنع الخيال ومنها ما هو واقعي حدث معه بالفعل. ويستنتج الباحث عن الانتحار، أنه قام هو بقتل كل من يعرفه، حين لم يقدم لهم ما كانوا يريدون منه.
رواية يختلط فيها الواقع مع الخيال، مما يجعلها في مراحل رواية سيرة ذاتية، ثم تتحول في مراحل أخرى إلى رواية وجودية، فيها سؤال عن معنى الوجود. كل ما يمر في ذهن بطل الرواية في بحثه عن الخلاص ما يبدو كأن ذكره يأتي على سبيل المثال، وليس على سبيل الحصر والتأكيد، لتبقى أزمة البطل مفتوحة. 
ويتحدث الكاتب عن شقيقه محمد طمليه: "رحت أتلهى معه بالانتظار، ولكنه العبث، فنحن في نهاية المطاف ننتظر ماذا؟ ننتظر من؟ هو يرمقني بنظرة، على غفلة مني، يشفق بها علي، وأنا أرمقه بنظرات، على غفلة منه، أشفق بها عليه، وحين تلتقي نظراتنا فجأة، أو رغما عنا، نفتعل ابتسامة بلهاء، ونستمر في حوارنا الصامت، هو يسأل إن كنت أنا جاهزا أو غدوت مستعدا؟ وأنا أسأل إن كان هو قادرا على الصمود، والنجاة هذه المرة؟ أسئلة مضمرة، ولكنها معلنة بالنظرات التي كنا نختلسها، وبالابتسامات البلهاء التي كنا نتبادلها على مدار الساعة.
أسئلة تحمل معها إجاباتها، فلا أنا جاهز، ولا هو قادر على الصمود هذه المرة، وكلانا يعرف في قرارة نفسه ذلك، فكيف له أن يجرؤ على مجرد التفكير في الأمر بحضوري، وكيف لي أن أجرؤ على كتم إحساسي بانسحابه من بين يدي؟ هو يعرف وأنا أعرف.. والليل معتم، والفجر يوشك على البزوغ، والسماء نهار اليوم لن تكون صافية والجو غائم جزئي، وخولة أعدت وجبة الإفطار، ومحمد يواسيها بادعاء رغبته في الأكل، ولكن الأكل يهضم بالمعدة ولا يمضغ فقط يا محمد، وكبسولة الدواء تبلع مع جرعة ماء، ولا تخفى تحت اللثة أو بين الأسنان، فيعتذر محمد ويلوذ بالصمت. 
ويكتب عن شقيقه إسماعيل: كانت الساعة تقارب الخامسة مساء حين رأيته آخر مرة: أخي إسماعيل الجميل حين يأخذ حمامه الساخن ويمشط شعره، المثير للشفقة وهو يداعب طفليه قيس ويارا، أو حتى وهو منهمك في عمل ما، إذ تجده يفعل ما يفعل بحرارة استثنائية، كأنه يضخ ما تبقى فيه من روح لإنجاز عمل لا يحتاج كل هذه الحرارة. لكنه بسيط ببساطة حرصه على الاستيقاظ المبكر، فقط كي يتلصص على الشمس قبل بزوغها، وكي يرطب بنطاله من الخلف بالندى المنثور على العشب وهو يقتعد الأرض ويشرب قهوته، وكي يكون المبادر في إلقاء التحية الصباحية.
ويضيف: هو أول من كان ينطق بعبارة "صباح الخير" وسط أسرة يصحو أصحابها والشرر يتطاير من عيونهم، لا لسبب بل لإحساس بعدم رضا دفين يسكن في أعماق كل منا، أما هو فمتصالح مع نفسه إلى الحد الذي كان يطاوعها إلى أقصى مدى تأخذه إليه، فتجده يحدثك عن أحلام كبيرة، وعن دهشة، وعن مطر ناعم، وعن عشب أخضر، وعن حب، وهو الضامر حد الشفقة. حين عدت في ذلك المساء، والساعة تقترب من الخامسة مساء تحاشيت الحديث أو حتى النظر إليه، ربما لأن سكينة الغروب تتنافى مع حضوره التواق دائما لشيء ما، شيء قد لا يتعدى الرغبة بدس طرف خيط في ثقب إبره، ولكنه قد يصل إلى حد دس جثمانه في حفرة لا تزيد على مترين.
في الرواية وقائع واقعية، إذ يتحدث الكاتب عن أمه وأشقائه، مركزا على شقيقه محمد طمليه، وعن أحداث وقعت معه، لكن الرواية لا تبدو سيرة ذاتية بالمعنى المتعارف عليه، إذ إن طمليه يشير إلى من يعرفهم، يذكر تفاصيل عنهم، تلك التفاصيل التي أدمت وتدمي قلبه، لكنه لا يتتبع مصائرهم، يكتفي بالوقوف عند اللحظات الحرجة في حياة من يحب، ثم ينطلق إلى حالة من التشظي، حالة يحاول فيها طمليه التشكيك في كل شيء، حتى المسلم به، كعلاقته بابنه مثلا، التي يظن إنها قائمة بحكم الاعتياد وليس الحب.