عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Sep-2022

الضفة الغربية.. الأرض والناس في تحديات الدولة الأردنية*سامح المحاريق

 الراي 

بعد أربعة أيام عصيبة من حزيران 1967 كان المطران هيلاريون كابوتشي من أوائل من تمكنوا من التجول بشيء من الحرية في المدينة التي وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي بحكم وظيفته الكهنوتية، ومما يرويه المطران مشهد جنود جيش الاحتلال وهم يجهزون الباصات ويصيحون بالناس: هيا إلى عمان!
 
كانت اسرائيل تريد أرضاً من غير سكان، فهي تفضل أن تتمسك بفلسطينية الأرض لتدمجها في الوعد البلفوري، وتسعى إلى الإبقاء على أردنية المواطنين لأن ذلك يمكن أن يجعلها ترسلهم إلى دولتهم بصورة أو بأخرى، والحال أن احتلال الضفة كان مربكاً وخارجاً عن إرادة الأردن وضد مصالحه، وأتى داخل حرب أوسع استهدفت مصر وسوريا في ظروف ساخنة، لتندمج الضفة في معادلة الأرض العربية المحتلة على حساب اعتبارها أرضاً أردنية مستلبة.
 
في تلك اللحظة تحولت الضفة الغربية إلى قنبلة موقوتة لدى الدولة الأردنية، ولأن عقوداً من الزمن مضت، يمكن الآن التطلع إلى هذه القضية من زاوية مغايرة لأن احتلال الضفة الغربية كان يعني أن مطلباً مثل من النهر إلى البحر لم يعد الأولوية، وبعد ذلك أصبح واضحاً أنه لم يعد ممكناً حيث بدأ الحديث عن تنفيذ القرار 242 ليكون أرضية أي تفاوض، بما يعني أن على الدول العربية من أجل استعادة الأرض المحتلة في 1967 أن تقدم اعترافاً بدولة اسرائيل وتعتبرها أمراً واقعاً.
 
هذه الصدمة أخذت تحدث تحولاً سلوكياً لدى منظمة التحرير الفلسطينية، فالقرار من ناحية يختزل الصراع بين الأردن واسرائيل، فالأرض التي احتلت في حرب حزيران أرض أردنية في القانون الدولي، وفي الوقت نفسه، نجحت (اسرائيل) في ترحيل مشكلتها من وجودها نفسه، إلى ممارستها العدوانية تجاه جيرانها، وهو ما أصبح يستلزم تجسيداً مختلفاً للوجود الفلسطيني.
 
الأردن بدوره، كانت تحركه دوافع معقدة، فهو يعلم أهمية تواجده على أرضية الصراع قانونياً، فبعد أن بات واضحاً أن السلام هو الطريق الوحيد المقبول دولياً، والواقعي أمام توازنات القوى، كانت تصورات الأردن تقوم على أساس استعادة الضفة الغربية بنفس الطريقة التي حدثت مع المصريين في سيناء، وبذلك يمكن استعادة الضفة بوصفها جزءاً من الأردن.
 
ما كان يحدث في اسرائيل هو حقيقةً التشكل الجديد للحركة الصهيونية، فبعد دورها التأسيسي، خفتت هذه الحركة في العقل الإسرائيلي أمام تحديات واقعية كثيرة، إلا أن الجيل الجديد الذي أخذ يظهر في اسرائيل والمولود بعد تأسيس الدولة، أصبح هو الجيل الذي يمكنه أن يضغط سياسياً، بمعنى أن كلاً من الأردن وفلسطين أبرمتا اتفاقيات السلام مع الماضي في اسرائيل، لأن المستقبل كان يتشكل بعيداً مع جيل تعود على وجود (اسرائيل) وتشكل وعيه على أسطورة تفوقها، جيل البرنامج النووي واليد الطولى التي تستطيع أن تصل إلى العراق 1981 وتونس 1985 وت?ود من غير أذى.
 
افتتح بنيامين نتنياهو هذه الحقبة، وهو ابن حقبة: هيا إلى عمان! ولا يمكن أن يعيش خارجها، فمن قبله كانوا يشعرون بأن انتزاع الأرض العربية أتى بوصفه فرصة تاريخية لا تتكرر، أما جيل وعي القوة والبقاء وأحلام التوسع (نتنياهو كان في الثامنة عشرة أثناء حرب حزيران) فيرى الحل في كامل أرض فلسطين وفي تصدير أي مشكلة منغصة للخارج، ويعلم نتنياهو أن من مصلحتهم الإبقاء على صيحات (هيا إلى عمان) لاستخدامها عند الحاجة، وهو تحديداً ما لا يجب على الأردن أن يتخوف منه، لأنه أحد الطرق التي تستخدمها اسرائيل لإبعاده عن الضفة وعزله عنها?من غير إقامة الدولة الفلسطينية، وبذلك تحقق اسرائيل هدفها من التهديد من غير أن تنفذه.
 
عندما يدعم الأردن دولة فلسطينية كاملة السيادة فإنه يدافع عن مصالحه الوطنية، لأنه سيوجد للفلسطيني مكان وكيان قانوني مكتمل وواضح، وتدرك اسرائيل في المقابل، أن تأجيل الدولة وابقاءها في وضعية اللا يقين هو الحل الذي يضمن لها جميع الخيارات، وعند هذه النقطة يتوجب على الأردن ألا يغلق ملف الضفة الغربية بصورة نهائية لأنها منطقة تفريغ التوتر والتشاحن من جهة، ولأن ابقاءها قابلة للاستمرار بوصفها مكاناً مناسباً للعيش ضمانة أخرى من أجل الحيلولة ولحظة سيولة منفلتة في المنطقة لا يمكن لأحد أن يتنبأ بمسارها وتفاعلاتها.
 
قضية الجسور يجب أن تندرج ضمن هذه الرؤية، فالمناورة حول الشريان الأردني مع الضفة مسألة تتجاوز العامل الاقتصادي لتتعانق مع جوانب استراتيجية تتخطى التفاصيل الأمنية والفنية، فالطريق يجب أن يبقى متاحاً ونشطاً ومفتوحاً في الاتجاهين وأي اختلال في ذلك يمكن أن يمهد الطريق لمناورات كبرى مع موجة جديدة من التنافس في صهينة الدولة بعد نجاح تهويدها في اسرائيل.