الغد
لأشهر مضت كان سؤال اليوم التالي في غزة هو الذي يشغل الجميع؛ دولا وقادة ومحللين، على فرض أن هناك وقفا للحرب لا بد وأن يتحقق، نهاية المطاف. تلاشى هذا الأمل، وما لم يحدث اختراق كبير، يبدو بعيد المنال، فإن أسوأ التوقعات تواجه مستقبل القطاع.
وعليه بات السؤال هو ما بعد غزة، استنادا للمعطيات القائمة. عمليا نجحت حكومة نتنياهو في التحايل على كل الجهود الدبلوماسية لوقف الحرب، وجولات التفاوض في الدوحة والقاهرة، واحتواء دور المبعوث الأميركي. ورغم ما يقال عن برود في علاقات تل أبيب وواشنطن، واستياء ظاهر من طرف إدارة ترامب تجاه سلوك نتنياهو، إلا أن الأخير لم يتراجع قيد أنمله عن خططه الرامية لتدمير غزة بالكامل وحشر الفلسطينيين في محميات مسيجة بالمدرعات والجنود، والسيطرة الكاملة على تدفق المساعدات وتوزيعها وفق معايير تخدم الخطط العسكرية.
الإدارة الأميركية اكتفت بالتعبير عن مواقفها، دون اتخاذ خطوات تلزم حكومة نتنياهو بوقف الحرب والقبول بهدنة تمهد لانسحاب كامل من قطاع غزة. ويشعر الجميع وفي مقدمتهم دول أوروبية بارزة كبريطانيا وفرنسا وأسبانيا، أن المسألة تجاوزت القضاء على حركة حماس التي تلقت ضربات مميتة على مدار أشهر، وصار الهدف الإسرائيلي المعلن هو إعادة احتلال أجزاء واسعة من قطاع غزة، والدفع مجددا بخيار التهجير القسري.
صعد الأوروبيون من لهجتهم، واتخذت بعض الدول قرارات عقابية تجاه إسرائيل، وثمة نقاش محتدم في أوساط الدول الأوروبية حول تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل. نتنياهو يشعر بالقلق من تصاعد الموقف الأوروبي، لكنه لا يبدي أي استعداد لتقديم تنازلات، تمس بمشروع حكومته في غزة ،أوتضر بائتلافه الحاكم من غلاة اليمين المتطرف.
في الأثناء يواجه سكان القطاع أسوأ ظروف إنسانية، وتقف طوابير من البشر ساعات أملا بالحصول على لقمة خبز. بهذا الحال ومع مرور الوقت سيدفع بالسكان للقبول بالمعادلة الإسرائيلية غير الإنسانية، وغير الأخلاقية لتوزيع المساعدات في نقاط محددة جنوبي القطاع.
حركة حماس التي تحكم القطاع، تكافح للمحافظة على نفوذها، دون أدنى إمكانية لتغيير الوضع القائم الصعب. في الواقع لم يعد أمامها من خيار سوى البحث عن مخرج من السلطة في القطاع، وإبرام صفقة الأمر الواقع المريرة.
شروط الصفقة الإسرائيلية قاسية للغاية، ويبدو أن القبول فيها ليس كافيا بالنسبة لنتنياهو لمراجعة خططه في غزة، إذ بات يطمح وتحت ضغط المتطرفين في حكومته بالاستيلاء فعليا على أرض واسعة في القطاع وتحويلها لمناطق في المجال الحيوي لإسرائيل. وربما استيطانها من جديد.
يرى فريق من المحللين بأن إدارة ترامب ستمنح حكومة نتنياهو بضعة أسابيع لتنفيذ ما وعد في القطاع، قبل أن تضغط بقوة أكبر لوقف القتال مع تعذر الوصول لوقائع قابلة للصمود ميدانيا.
وقد تكون هذه الأسابيع فرصة مواتية لتكثيف الجهود الدبلوماسية لإقناع الإدارة الأميركية بعدم إضاعة الوقت، ووقف حمام الدم في غزة، لأن ما من طريق للتفاهم على مستقبل القطاع، دون وقف إطلاق النار أولا.
الاتحاد الأوروبي من جانبه، يمكن أن يسرع من خطواته بفرض عقوبات على حكومة نتنياهو، وإظهار الدعم للفلسطينيين، وقد يكون مناسبا استثمار المؤتمر المنوي عقده الشهر المقبل لتنفيذ لحل الدولتين في باريس لاتخاذ خطوات شجاعة، تكبح جماح الروح العدوانية لحكومة المتطرفين في إسرائيل.
هذا أقل ما يمكن فعله في هذه المرحلة، وإلا فإن ما بعد غزة سيغدو سؤالا كابوسيا للمنطقة بأسرها.