عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Feb-2020

م كلثوم ...«كوكب الشرق» الذي يسعى إسرائيليون لاختطافه

 

عمان- الدستور- خالد سامح - خاض الكثير من الباحثين والمؤرخين العرب في قضية «السرقات الاسرائيلية» المتعددة، وسعوا بصورة خاصة لتفنيد ادعاءات دولة الاحتلال في قضية الحق التاريخي لليهود بأرض فلسطين بالأدلة والبراهين التاريخية، تلك الادعاءات التي لم تتوقف على قضية ملكية الأرض فهي تتناسل وتتكاثر باستمرار وقد شملت التراث المعماري للمدن الفلسطينية والفلكلور والأزياء لابل وحتى الأكلات الشعبية كالحمص والفلافل، فاتحة المجال لحرب أدبية وتوثيقية بين العرب والاسرائيليين لانهاية لها على مايبدو ولن توقفها اي تسويات سياسية مستقبلية.
لكن يبدو أن العرب لم يلتفتوا أبدا لسرقات اسرائيلية أخرى لا تقل خطورة عن باقي السرقات التاريخية، فإسرائيل التي سعت ومازالت لـ»سرقة الأهرامات» من المصريين بالادعاء أنها من تصميم وبناء اليهود وليس الفراعنه، تخوض ومنذ عقود محاولات سرقة أو «مايشبه السرقة» لتراث سيدة الغناء العربي أم كلثوم والتي تمر اليوم الذكرى الخامسة والأربعون لوفاتها، والقضية هنا لاتخص المصريين لوحدهم فأم كلثوم التي لقبها العرب بـ»كوكب الشرق»  لازالت تحتل نصيب الأسد من الأرشيف الوجداني للجماهير العربية من المحيط الى الخليج، انها مطربة العرب الاولى دون منازع وهي ليست رمزا وطنيا مصريا فقط بل أيقونة فنية عربية وعالمية وتراث قومي خالد تحترمه الأجيال المتعاقبة حتى اولئك الذين ولدوا بعد وفاتها بعقود، فلا عجب أبدا أن يصفها الاسرائيليون في الستينيات بـ»القنبلة النووية العربية».
الاحتفاء الاسرائيلي بـ»الست»!!
نستعرض بداية تاريخ الاهتمام الاسرائيلي بأم كلثوم وأسبابه وتجلياته المختلفة في الصحافة والاعلام الاسرائيلي كذلك الاذاعة والتلفزيون والأبحاث والدراسات وتشجيع فنانين اسرائيليين شباب على أداء أغانيها القصيرة منها والطويلة، وأخيرا اطلاق اسمها قبل ثلاث سنوات على شارع في القدس المحتلة وضمن احتفال رسمي كبير.
ورغم أن الذاكرة الاسرائيلية لاتبدو كنظيرتها العربية أي مثقوبة ومشوشه – ويثبت ذلك تاريخ صراعنا معهم-، ومع علم الاسرائيليين بموقف «الست» منهم ومن دولتهم وعلاقتها الوثيقة بالرئيس المصري الراحل المعادي لاسرائيل جمال عبد الناصر، وجولاتها لدعم المجهود الحربي من أجل تحرير سيناء، وغنائها من كلمات نزار قباني قصيدة « الآن أصبح عندي بندقية..الى فلسطين خذوني معكم»..رغم كل ذلك الا أن الاذاعة الاسرائيلية تحرص منذ تأسيس القسم العربي فيها عام 1965 على بث أغنية لـ»كوكب الشرق» وتقديمها بكثير من التبجيل عند السادسة من مساء كل يوم واستمر ذلك كتقليد دائم لحد الآن.
المفارقة التي تستحق التوقف عندها ملياً هي أن اسرائيل تعادي كل من لايقف معها من الرموز الثقافية والفنية، لابل وأكثر من ذلك تعادي كل من ينتقدها أو يدين سياساتها في الاستيطان ومصادرة الأراضي، فمحمود درويش منعت قصائده من التدريس في المدارس والجامعات الاسرائيلية على خلفية قصيدته الشهيرة «عابرون في كلام عابر» التي طالب فيها الاسرائيليين بالكف عن اضطهاد شعبه والعوده لبلادهم، فأعتبر ذلك دعوة لتدمير اسرائيل وقتل اليهود، كذلك هاجمت الصحافة الاسرائيلية الكاتب الألماني الحاصل على نوبل للآداب غونتير غراس ونعتته بأقسى النعوت حين صرح بأنه أجبر على التجنيد في بداية شبابه في الجيش الألماني النازي، وقبل درويش وغراس هاجم الاسرائيليون شكسبير واعتبروه معاديا للسامية بسبب شخصية المرابي اليهودي»شايلوك» في مسرحية «تاجر البندقية، والأمثلة كثيرة ويصعب حصرها. فلما لم تحكم اسرائيل على أم كلثوم بمثل ماحكمت على هؤلاء!!.
وتتعدد الاحتمالات
اذا آن لنا أن نتساءل بصوت عالٍ: لماذا تحتفي «اسرائيل» بمؤسساتها الثقافية والفنية والاعلامية لابل وحتى الرسمية ( كبلدية القدس) بسيدة الغناء العربي!! نوستالجيا.  ربما يعود الأمر لهجرة مئات الآلاف من يهود الدول العربية كمصر والعراق وسوريا ولبنان واليمن والمغرب الى فلسطين حيث ساهموا بفعالية في بناء الدولة العبرية، ووصلوا لأعلى المراتب فيها، وبحسب كل التقارير من الداخل الاسرائيلي فإن هؤلاء يحنون باستمرار الى مدنهم الأصلية التي جاؤوا منهم وقد نقلوا هذا الى أولادهم وأحفادهم، وحافظ معظمهم على لغته العربية وبرزت منهم أسماء في الشعر والرواية والقصة والغناء، وكانت أم كلثوم بالنسبة لهم رمزا ثقافيا عظيما وجزءًا من ذاكرتهم لايمكنهم التنازل عنه، فها هو الصحفي الاسرائيلي من أصول مصرية ايال بيزاوي يكتب في صحيفة هاأرتس « أم كلثوم هي بلاشك ملكة الثقافة المصرية، ويراها ملايين العرب رمزا للثقافتين العربية والمصرية الحديثتين وهي بحق ( صوت الأمة)». ويقول مدير قسم الموسيقى في «صوت اسرائيل» الملحن الاسرائيلي اسحاق ابو العز افيعيزر،» إن الجمهورالعربي واليهودي أطفأ ظمأه بأغاني كوكب الشرق التي نشأ عليها».
كما احتفت القناة الرسمية الاسرائيلية قبل سنوات بأم كلثوم وأعدت برنامجا وثائقيا عنها شارك فيه العديد من الاسرائيليين المهاجرين من دول عربية، كما تنشر الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية الاسرائيلية باستمرار مقالات ودراسات حول «الست».
 الصورة الانسانية
وقد يرى البعض أن اهتمام اسرائيل بأم كلثوم يأتي ضمن سعيها للتقرب من الجماهير العربية، وتسويق «صورتها الانسانية»، عبر الاهتمام بالثقافة العربية والتراث الفني العربي كمدخل لحصولها على الشرعية والاعتراف ب»حق وجودها»، ومن تلك الأساليب بث الأفلام العربية والاضاءة على سيرة الأدباء العرب وتهنئة المسؤولين الاسرائيليين للجماهير العربية بالأعياد وشهر رمضان وغيرها من المناسبات.
التوظيف السياسي
تفسير آخر قد يطرح ايضا، وهو ذو ابعاد سياسية، فقد كتب الكثير من المثقفين والنقاد الاسرائيليين أن «أم كلثوم» كانت ومازلت أهم من الزعماء السياسيين العرب الذين عادوا «اسرائيل» وخاضوا حروبا معها، وهذا يعني محاولة اسرائيلية للتقليل من شأن هؤلاء وطمس صورتهم من ذاكرة الجماهير العربية.
«اختطاف» أم كلثوم
وأيضا «اختطاف أم كلثوم» وهل الأمر مستبعد!!.
قالت الصحافة الاسرائيلية مؤخرا ان الفضل في مجد وشهرة أم كلثوم يعود لعائلة يهودية، والحكاية –بحسب ادعائهم- تعود الى العام 1923 حين تركت ام كلثوم قريتها طماي الزهايرة واستقرت في القاهرة، حيث احتضنتها –بحسب الرواية الاسرائيلية-عائلة ليتو باروخ اليهودية وسهلت لها اعتلاء أهم المسارح واقامة الحفلات في فلسطين،  وقتها لم تكن «اسرائيل» موجودة واليهود كانوا جزءًا مهما وفاعلا في الحياة الثقافية والاقتصادية المصرية ومن الطبيعي أن ترتبط أم كلثوم بعلاقات صداقة وعمل مع شخصيات يهودية مصرية، أما القول بأن كل الفضل في نجاح أم كلثوم وشهرتها لهذه العائلة اليهودية المزعومة فهو مبني على ادعاءات ومزاعم لا اشارة لها من بعيد أو قريب في المصادر العربية والأجنبية التي تناولت حياة أم كلثوم، فإذا كان لأحد من فضل على «الست» في تلك الفترة فهو للشاعر أحمد رامي والملحن محمد قصبجي اللذان احتضناها بحق وقدما لها أشعاراً وألحاناً أطلقتها في سماء الفن والابداع عاليا، ولم يعرف عن «كوكب الشرق» أنها ارتبطت بصداقات مع عائلات مصرية معينة سواء كانت يهودية أو غير يهودية.
ما يعزز نظرية «السرقة» هو تلك الفيديوهات التي انتشرت قبل سنوات على الانترنت لمغنيين اسرائيليين يؤدون أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب في كنيس يهودي، وتتضمن الفيديوهات تصريحات لنقاد اسرائيليين يدَّعون فيها أن الكثير من كلمات أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب مستلهمة من التوراة.
وأخيرا...
بعيدا عن البروباغاندا والادعاءات الاسرائيلية اللانهائية، تبقى «ثومة» الصوت العبقري العابر لكل الأزمان والمحلق في خيالات العرب وأحلامهم.