عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Nov-2021

جمعة اللونين* رمزي الغزوي
الدستور - 
لا أعرف لماذا رغب العرب أن يبيضوا الجمعة السوادء، ويغيروا اسمها ودلالته. مع أنها تسمية ارتبطت بركود اقتصادي كبير ضرب الأسواق الأمريكية عام1869 ، وفيه اضطر التجار أن يخفضوا وبشكل كبير أسعار سلعهم؛ ليتجاوزوا سواد محنتهم. ثم تكرست المناسبة حتى صارت موسما منتظرا يأتي في الجمعة الأخيرة من كل شهر تشرين الثاني.
بعيدا عن أن هذه المناسبة تضاف إلى سلسلة المناسبات التي تعمد وبذكاء كبير إلى تكريس ثقافة الاستهلاك واللعب على نغمات أوتار التخفيضات لجلب المستهلكين والإيقاع بهم. بعيدا عن هذا؛ فإننا لا نستطيع أن نأخذ كلاماً صافياً من تجارنا الذين ركبوا موجة هذه الجمعة منذ بضع سنوات. فحتى ولو صارت الجمعة بلونين: أبيض واسود؛ فإنك لن تسمع من تاجر لدينا إلا سواد التذمر، سواء كان في بحبوحة ربح، أو في نكسة خسارة: التذمر عادة وليس قلادة.
التجار حول العالم ماهرون في ركوب كل الموجات. فهم ركبوا موجة عيد الحب، وروجوا علينا وروداً حمراء ودببة لطيفة بأسعار خيالية. وركبوا موجة عيد الأم وجعلوه عيدا للطناجر والكفاكير وأدوات المطبخ. وركبوا يوم العزابية، وهم بكل تأكيد يتحينون أية فرصة تطيح بنا، ولهذا سيكون على علماء الاجتماع، أن يعيدوا النظر في تعريف إنسان هذا العصر، من كونه كائناً اجتماعياً إلى كائن متسوق شغوف بوهم العروضات، لاهث وراء التخفيضات والتصفيات. يفرّغ جيوبه وجنونه في حمّى الأسواق.
نعرف أن الأسعار التي نشتريها في الأيام العادية ليست عادلة، بل مبالغ فيها وكثيرا، وفيها تلحيم وجرم للمستهلك. بدليل أن التاجر حين يضاعف رأس ماله مرات، قد يتفضل علينا بتخفيضات تلامس التكلف الحقيقية لسلعته. والذي راقب الأسعار لدينا خلال اسبوع الجمعة البيضاء كما أطلق عليه تجارنا؛ فسيجد أن لا شيء تغير. فالسعر قبل التخفيضات ارتفع بلمسة قلم؛ ليصير كما كان خلالها. يعني ضحك على الذقون.
لا يدرك معنى السوق، ذلك الذي قد يعتقد يوماً إنها سيغلب تاجراً. فالتجار أشطر منا دوماً. هم خبراء بنفسيتنا وتفاصيلها، وهم قادرون على نصب شراكهم للإيقاع بنا. فيعرفون كيف يلتفون دوما لبيعنا بضائعهم بالسعر الذي يحدّدونه، وبالتأكد هم لن يقترفوا يوما بيع سلعة بسعر تكلفتها. ولهذا يعلو دوماً سؤال ناري في صدرونا: كم كانوا يربحون منا إذا ما خفضوا سلعهم بنسبة تسعين بالمئة؟؟.