الدستور
أنقذنا «إسرائيل»، وسننقذ نتن ياهو الآن –ترامب.
تتحدث التقارير عن أن مجرم الحرب نتن ياهو يفكر جديًا في تقديم موعد الانتخابات العامة (الكنيست) المقرر عقدها في السابع والعشرين من تشرين الأول العام القادم، وهو تاريخ يتزامن تقريبًا مع الذكرى الثالثة لطوفان الأقصى؛ الحدث الذي لا يزال يذكّر الناخب الصهيوني بإخفاق نتن ياهو الأمني وبذلك اليوم الصادم الذي خلّف قتلى كثيرين، وبعامين من الحرب التي أزهقت أرواح أبنائهم.
يسعى نتن ياهو إلى البقاء في منصب رئيس الوزراء قبل صدور أي قرار قضائي يدينه في قضايا الفساد التي تلاحقه. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى ارتفاع طفيف في شعبيته بعد صفقة إطلاق سراح المحتجزين، إذ عاد ليتصدر المشهد السياسي بنسبة 38% متجاوزًا منافسه غانتس الذي حصل على 35%. ومع ذلك، لا يبدو أن حزبه سيتمكن من تحقيق الأغلبية، ما يجعل التوقيت عاملًا حاسمًا في حساباته السياسية.
وتؤكد المؤشرات أن نتن ياهو بدأ بالفعل في التحضير لأي خطوة مبكرة، إذ تحدثت تقارير عديدة عن دعوته إلى انتخابات داخلية في حزبه لاختيار زعيم الحزب، في خطوة تهدف إلى تثبيت موقعه داخليًا وسد الطريق أمام خصومه، تمهيدًا لأي تحرك سياسي قادم.
غير أن طموحات نتن ياهو قد تصطدم بـ رؤية الرئيس الأمريكي ترامب للمنطقة، فالأيام التي تلت قمة شرم الشيخ تشهد لحظات نادرة من الهدوء النسبي، مع بدء عودة بعض المساعدات وتبادل الأسرى بين الجانبين. ويتمثل التحدي الحقيقي في تحويل هذا الهدوء الهش ووقف إطلاق النار المؤقت إلى سلامٍ دائم. ومن المفترض أن تبدأ مرحلة ثانية عقب تثبيت وقف إطلاق النار، تهدف إلى وضع إطار واضح لإعادة الإعمار وتنظيم الترتيبات المستقبلية في غزة.
يريد ترامب، بعد نجاحه في تحقيق وقفٍ لإطلاق النار، أن يستكمل مسار الاتفاقات الإبراهيمية، وأن يصل إلى نتيجة مرضية في الملف الإيراني، تمهيدًا لطيّ صفحة الإبادة الجماعية في غزة. لكن تحقيق ذلك يبدو صعبًا في ظل وجود نتن ياهو الذي يصرّ على العودة إلى سياسة الإبادة ومواجهة إيران عسكريًا.
لقد شهدت العلاقات بين الرجلين توترًا واضحًا في الأشهر الأخيرة رغم ما يبدو في العلن من انسجامٍ ظاهري. فقد أقدم نتن ياهو على استهداف قطر، ما تسبب في إحراج كبير للولايات المتحدة، كما يختلف الرجلان في ملفين أساسيين:
الأول هو غزة، حيث يسعى نتن ياهو إلى العودة إلى الإبادة، بينما يعتبرها ترامب إنجازًا شخصيًا يسعى للحفاظ عليه.
أما الثاني فهو الملف الإيراني، إذ يفضل ترامب التسوية عبر التفاوض، في حين يريد نتن ياهو اللجوء إلى القوة العسكرية.
ومن الصعب استكمال الاتفاقات الإبراهيمية في ظل وجود نتن ياهو، إذ يستحيل أن يصافح أي زعيم عربي يدًا تلطخت بدماء أطفال غزة على مدى عامين، وهو المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية بتهم الإبادة الجماعية. وقد تجلى هذا الرفض العربي في رفض عدد من الزعماء مشاركته في قمة شرم الشيخ، ما دفع ترامب إلى أمره بعدم الحضور تفاديًا للإحراج الدبلوماسي.
ينصح مستشارو ترامب نتن ياهو بأن يُنهي مسيرته السياسية الآن، مستشهدين بما قاله له الرئيس بايدن سابقًا في محاولة لإقناعه بقبول وقف إطلاق النار: «خذها الآن وأنت منتصر»، وفي مرة أخرى: «احتفل بنصرك». فالتنحي في هذا التوقيت بحسب رؤية مستشاري ترامب سيُسوَّق على أنه خروج مشرف لزعيم قوي خاض حربًا على سبع جبهات وخرج منها منتصرًا، إذ أضعف حماس، واستعاد المحتجزين، وقلّص قدرات حزب الله والقدرات النووية الإيرانية، فضلًا عن الاتفاقات الإبراهيمية عام 2020 التي تُعدّ من أبرز إنجازاته السياسية.
ما يُقلق نتن ياهو هو قضايا الفساد التي تلاحقه، والتي قد تنتهي به إلى السجن وضياع إرثه السياسي. وهنا يمدّ له ترامب طوق النجاة بصفقةٍ مفادها: انسحابه من الحياة السياسية مقابل إسقاط التهم عنه. صفقة كهذه تُريح نتن ياهو وتُنهي مخاوفه، وتُقدّمه في الداخل على أنه أحد «عظماء» هذا الكيان المجرم، بينما تتيح لترامب المضي قدمًا في تنفيذ رؤيته للمنطقة دون عائقٍ اسمه نتن ياهو.
ومع أن مثل هذه الصفقة قد تبدو غريبة وغير واقعية، فإنها تنسجم تمامًا مع نهج ترامب في الحكم، القائم على عقد الصفقات دون أي قيود أو اعتبارات سياسية.