الراي
منذ فنرة طويلة ربما تقارب ربع قرن، لم أكتب عن الشؤون المحلية باستثناءات قليلة، حيث أخذتنا السياسة بما تحمله من حروب وأزمات وصراعات سياسية واقتصادية وتجارية ومناكفات بين الدول، وآخر هذه العواصف قرارات الرئيس الاميركي ترامب، برفع نسب الرسوم الجمركية بنسب متفاوتة على الواردات القادمة من دول أجنبية، لم يميز فيها بين حلفائه وأصدقائه وخصومه!
وفي بدايات عملي بالصحافة وحتى أواخر تسعينيات القرن الماضي، كانت اهتماماتي في العمل الصحفي تنصب على الشؤون المحلية، وخاصة مشكلات القطاع الزراعي بحكم أنني ابن بيئة زراعية هي منطقة الاغوار الوسطى، حيث كتبت عدداً يصعب حصره من التحقيقات والتقارير الصحفية والمقالات التي تناقش هذه المسألة، ولا يزال الصديق ابراهيم السطري يزودني عبر تطبيق الماسنجر، بين فترة وأخرى بصور مقالات في الشؤون المحلية كتبتها في صحف ومجلات محلية عديدة، في تلك الفترة التي كان للصحافة الورقية بريقها وكان عدد قرائها أكبر، قبل أن يتم انتاج منصات وسائل التواصل الاجتماعي!
وبالمناسبة الزميل السطري يمتلك أرشيفا ورقيا نادرا وبجهد شخصي، ربما غير موجود في مؤسسات كبيرة، وعلى سبيل المثال عملت شخصيا في صحيفة «صوت الشعب» حوالي 12 عاما، وتم تصفية الشركة وبيع موجوداتها الى صحيفة «الأسواق»، التي كان يصدرها ويرأس تحريرها الزميل والصديق مصطفى ابو لبدة، وأعتقد ان أرشيف جريدة «صوت الشعب» ذهب مع الريح!
ورغم زخم المواد الصحفية التي كتبتها في تلك الفترة، لا تزال غالبية المشاكل التي يعاني منها القطاع الزراعي تتصدر أجندة الجهات المعنية، حيث لم تجد حلولا جوهرية وأهمها ارتفاع كلف الانتاج والتسويق الزراعي، حيث تنخفض أسعار المحاصيل الزراعية الى مستويات يضطر بعض المزارعين أحيانا، الى تركها لرعي المواشي!
وما زلت أذكر صديقي «مصلح حمدان» الذي كان يعتبر مزارعا كبيرا في حينه، ويعمل الآن في مهنة المحاماة، عندما نشر اعلانا مأجورا بجريدة صوت الشعب، في ثمانينيات القرن الماضي كلفه 80 دينارا بخصم حوالي 20 %، بوساطة مني باعتباري كنت أعمل في الصحيفة، يدعو فيه أصحاب الأغنام للزحف الى مزرعته لرعي مواشيهم ليكسب أجرا، بعد أن انخفضت أسعار المنتجات الزراعية، الى ما دون الصفر وأصبحت تكاليف نقلها الى السوق يدفها المزارع من جيبه، وكتبت في حينه مقالا عن هذه المشكلة المزمنة!
هذه مقدمة طويلة تبدو أنها أقرب الى «كوكتيل»، لكي أدخل في القضية الأساسية موضوع هذا المقال، وتتعلق بتباين أسعار المستشفيات الخاصة، بشكل يصل أحيانا الى الضعف بدون أي تفسير منطقي!
أفهم أن أجور الأطباء مقررة من قبل نقابة الأطباء، وهناك نسبة خصم لشركات التأمين الصحي والنقابات المهنية، والشركات الكبرى مثل البنوك وغيرها.
قبل بضعة أيام علمت بقصة تثير ألف علامة استفهام؟ تتعلق بأسعار صورة طبقية لشرايين الدماغ لأحد الأصدقاء، حيث ذهب الى أحد المستشفيات المعتمدة للتأمين الصحي للجهة التي يعمل فيها، فأبلغته الموظفة المعنية بقسم الأشعة، أن سعر الصورة يبلغ 450 دينارا وقيمة التحمل التي يدفعها 90 دينارا، وهي تعادل 20% من قيمة الصورة.
لكن عقله الباطن استيقظ بعد عودته الى المنزل، وفي اليوم التالي اتصل مع أحد العاملين في نفس قسم الأشعة بالمستشفى، فأبلغه أن كلفة الصورة 300 دينار! وتواصل مع عدد آخر من المستشفيات لمعرفة كلفة الصورة، وبعث لهم على تطبيق الواتساب اسم الصورة التي طلبها الطبيب المعالج، فكانت المفاجأة المدوية أن الفرق كبير جدا في الأسعار، فأحد المستشفيات أبلغه أن كلفتها 240 دينارا، ومستشفى آخر قال إن كلفتها 220 دينارا، وثالث قال إن سعر الصورة 205 دنانير! وفي ظل هذه الفوضى السعرية، من هي الجهة التي تضبط هذا الفلتان؟
وأريد اضافة فقرة ليست مرتبطة بهذا الموضوع وتتعلق بالمنتوجات الطبية، التي يتم ترويجها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي غالبيتها غش وتحايل وخداع للمستهلكين وربما عدد كبير يقع ضحيتها وأن أحدهم، خاصة هؤلاء الذين لا يمتلكون قدرة مالية للمعالجة لدى أطباء الاختصاص أو المستشفيات الخاصة، في الوقت الذي تزدحم فيه المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية بطوابير هائلة يحتاجون مواعيد طويلة تمتد لأشهر لأخذ موعد لاجراء صورة أو طبيب اختصاص!