عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Sep-2023

المدارس وصداع الأسر الأردنية*د. محمود أبو فروة الرجبي د. محمود أبو فروة الرجبي

 الغد

تعاني كثير من الأسر الأردنية خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، والتحديات الـمالية التي قد لا يخلو منها بيت أردني من تكاليف الـمدارس الخاصة، ونحن هنا لن نناقش أقساط هذه الـمدارس، ولا آلية تسعيرها، بل ما يهمنا هو الحديث عن الـمدارس الحكومية وجودة التعليم فيها، ولنتساءل ما الذي يجعل عائلة أردنية تضحي بثلث دخلها مثلًا من أجل وضع أطفالها في مدارس خاصة، أو ما السبب الذي يجعل عائلات أخرى تقترض من أجل تسديد أقساط مدارس أبنائها وبناتها؟
 
 
لحسن الحظ أن التعليم أصبح هاجسًا في كل بيت أردني، والوعي بأهمية التعليم، وجودته أصبح حديث الناس في الشارع الأردني، وبات الجميع يدركون أننا في بلدنا – الأردن – لا نمتلك إلا خيار التعليم من أجل أن تتحسن ظروفنا، أو نحصل على فرص أفضل، ومع ذلك، فإن قدرة الحكومة على تقديم تعليم حكومي يرقى إلى ما يريده الناس تتناقص، بسبب ظروف كلنا نعرفها، وتعاني الـمدارس الحكومية من تحديات كثيرة، ومنها الاكتظاظ الـمدرسي، نظام الفترتين، عدد الطلبة مقابل المدرسين، المنهاج الـمدرسي، تباين مستوى التعليم بين العاصمة والأقاليم الأخرى، جودة التعليم نفسه، تعيين الـمعلمين على نظام الإضافي، وغيرها.
وإن كانت هناك تحديات مشتركة بين الـمدارس الخاصة والحكومية – خاصة فيما يتعلق بمخرجات التعليم- ومع ذلك فإننا سنركز على الـمدارس الحكومية باعتبارها الجهة الأكبر التي لديها الطلبة، هذا من جانب، ولأنها الخدمة الحكومية الأهم – حسب اعتقادي- والتي تؤثر على كل فرد، أو أسرة أردنية، ومن خلالها يمكن أن نساهم في تسريع النهضة المحلية، وحل مشكلاتنا المتعددة، وعن طريقها يتحدد ما هو مستقبلنا. 
قفز عدد الـمدارس الأردنية بشكل هائل، فقبل عقود كثيرة، كان عدد الـمدارس قليلا، ولكننا اليوم نشهد مدرسة في كل حي، وربما نشاهد ثلاثة أو أربعة منها في مكان واحد، وهذا إيجابي، وتشير الإحصائيات إلى أن عدد الـمدارس في الأردن وصل إلى (7315) مدرسة منها 3093 مدرسة خاصة، وفيما يقترب عدد الطلبة في الـمدارس الخاصة من النصف مليون طالب، فهناك 1.6 مليون طالب في الـمدارس الحكومية، هذا عدا عن الطلبة في مدارس وكالة الغوث الدولية (123 ألف طالب وطالبة). 
سأركز في هذا المقال على مسألة واحدة وهي الاكتظاظ في الصفوف، وعدم قدرة الحكومة على مواكبة التطور في عدد الطلبة، وأنا هنا لا أحمّل جهة واحدة مسؤولية ما يحصل، فكلنا يعرف الظروف التي نمر فيها، سواء كانت دولية، لها علاقة بالحروب حولنا، والهجرات المتتالية، والتراجع الاقتصادي الذي يؤدي إلى عودة الكثير من أبنائنا وبناتنا من دول الخليج، أو بسبب الإرهاق الذي تعاني منه ميزانيتنا، أو ربما إلى عدم كفاءة الإدارة في بعض جوانب القطاع الحكومة حسب وصف بعض الخبراء، إلى غيرها. 
ما يهمنا في هذا الـمجال هو ضرورة وجود حل، وزيادة عدد الـمدارس الحكومية، ورفع مستواها، وتأهيل الـمعلمين، وذلك كله يحتاج إلى جهود أركان الدولة كلها، والذي يجعلنا نتساءل هنا: لماذا لا تفتح الحكومة الـمجال واسعًا للناس من أجل المساهمة في بناء الـمدارس، فلدينا في الأردن أثرياء يمكن أن يبنوا مدارس بأكلمها، وآخرون محبون للخير، يمكن أن يساهم أي منهم في بناء غرفة صفية، أو تجهيزها، أو ربما يساهم في تقديم أثاث مدرسي، أو تجهيز مختبر أو ما شابه.
نعرف أن جزءًا من ذلك يحدث، ولكنه قليل، ويحتاج إلى مشروع متكامل يعرض على الـمجتمع، ويتم التركيز عليه إعلاميًا، ونشره من خلال منصات التواصل الاجتماعي، ولحسن الحظ أن إخواننا الأثرياء في الدول العربية الأخرى يحبون أن يساهموا بمثل هذه المشاريع، سواء من منطلق ديني – فهذه صدقة جارية يحث عليها الدين بقوة- أو من ناحية قومية، أو إنسانية. 
إذا انطلق مشروع يقسم إلى مساهمات، بسيطة، وكبيرة، يمكن أن يشارك الناس فيها، ولو بدينار واحد، وقتها سنزيد عدد الـمدارس الحكومية، ونقلق الاكتظاظ في الصفوف لأقل درجة، ولن أكون هناك متفائلاً بإفراط وأقول إن كل مشاكلنا وقتها ستحل، فأنا قادم من هذا القطاع، وأعرف التحديات التي تواجهها المدارس جيدًا، ولكننا إذا فعلنا ذلك، نبدأ ببناء قاعدة جديدة للتعليم، للنطلق بعدها إلى التحدي الأكبر الثاني، وهو تأهيل الـمعلمين، لتغيير نمط التعليم، وتسريع هذا التغيير، ليصبح أكثر إبداعية، ولنركز على شخصية الطالب، وبناء عقلية ناقدة، إبداعية، قادرة على مواكبة التغيرات في الحياة. 
من جهة أخرى لا بد من تشجيع افتتاح مدارس خاصة جديدة، خاصة من فئة الـمدارس المتوسطة والصغيرة، وتشجيعها على تقديم أسعار معتدلة للأهالي، ولا بد للعقل الحكومي أن يفكر بجدية بتقديم أراض، وتسهيلات مختلفة لمثل هذه الـمدارس، مرتبطة بتقديم تعليم جيد، وأسعار منافسة، ولنا في تجارب بعض الدول التي تشجع قيام بعض المدرسين بالتعاون لافتتاح مدارس خاصة بهم، تساهم في تقليل الضغط على الـمدارس الحكومية من جهة، وتعمل على زيادة الابتكارية، والريادية، والأفكار الجديدة من جهة أخرى، بل ويمكن أن نشجع في بعض الـمناطق على قيام القطاع الخاص بتقديم هذه الخدمة ضمن منظومة دعم معينة بدلًا من الحكومة، وهذا اقتراح يحتاج إلى تغيير العقلية الحكومية في التعامل مع الـموضوع برمته، وهو لا يشكل حلًا ثوريا حسب اعتقادي، بل هو أمر متاح إذا أدير بشكل جيد، يمكن أن يؤتي ثماره في التعليم. 
التعليم الحكومي ليس ترفا، وهو الأساس في أي نهضة، وتطور على المستوى الوطني، وتعاني عائلات كثيرة في الأردن من تكاليف الدراسة في الـمدارس الخاصة، وتضطر عائلات ذات دخل محدود للاستدانة من أجل توفير تعليم أفضل لأبنائها.
نحتاج إلى مقاربة مختلفة في موضوع الـمدارس الحكومية، وأن نعده الـموضوع الذي لا خلاف عليه، ولنحشد كل طاقات الـمجتمع من أجل تطويره، فهذا هدف نبيل ستنعكس آثاره مباشرة على الـمجتمع.