عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Dec-2019

الرياض تُطلق مباراة في الإعلام مع دبي - سليمان جودة

 

الشرق الاوسط - في إمكانك الآن أن تقول إن الإعلام العربي الذي كان له منتدى واحد، يتابع قضاياه ويناقشها، ويترقبها من عام إلى عام، ويقدم لها ويوصي من أجلها، قد صار له منذ اللحظة منتديان؛ واحد في الرياض، والآخر في إمارة دبي تدعو إليه الأستاذة منى المري، مديرة إعلام حكومة الإمارة!
أما منتدى دبي فيحمل اسم منتدى الإعلام العربي، وقد انعقد هناك بامتداد ثمانية عشر عاماً على التوالي، وسوف يعقد دورته التاسعة عشرة في نهايات مارس (آذار) المقبل، وفي الموعد نفسه بعدها بسنة سوف يحتفل بعقدين من الزمان في عُمر مديد. وأما الآخر فهو منتدى الإعلام السعودي، الذي انعقد في العاصمة السعودية أول الشهر الحالي، على مدى يومين، وكان حديث الدنيا والناس، رغم أنه بالكاد كان يفتتح دورته الأولى، وكان يقطع خطوة الانطلاق في بداية طريق طويل!
وكنت قد قرأت للأستاذ خالد المالك، رئيس هيئة الصحافيين السعوديين، والأستاذ محمد فهد الحارثي، الذي دعا إلى منتدى الرياض وأشرف على جائزته، أن شعار المنتدى يتشكل من أربع كلمات تقول: صناعة الإعلام.. الفرص والتحديات!
وهي عبارة استوقفتني لسببين؛ أولهما أنها أعادت إلى ذهني ما كنت قد سمعته مراراً من الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبي الذي يرعى منتداها، أن كل التحديات عنده هي مجموعة من الفرص المؤكدة، وأن الشخص الذي لا يرى في التحدي فرصة متاحة أمامه تناديه، هو شخص لا يعرف كيف يوظف العقل الذي وضعه الله سبحانه وتعالى في رأسه واستأمنه عليه!
والسبب الثاني الذي جعل شعار الكلمات الأربع يستوقفني، أن اقتران كلمة الإعلام فيه بكلمة الصناعة، يدعو إلى التفاؤل حول مستقبل المنتدى الوليد. فالذين يتعرضون للإعلام كقضية هذه الأيام، دون أن يلتفتوا إلى أنه قد أصبح صناعة لها تقاليدها التي لا بد من مراعاتها، لن يصلوا إلى شيء فيه عند آخر المشوار، مهما كان حجم الجهد المبذول!
وسوف نكون مع بدء العام المقبل على موعد مع مباراة سنوية من المنافسة الطبيعية بين المنتديين، وسوف يكون كل منتدى منهما مدعواً إلى طرح ما يرسخ مفهوم الصناعة بتقاليدها في ميدان الإعلام، وسوف تصب الحصيلة لدى الجمهور العربي الذي يستحق إعلاماً أفضل بالتأكيد. ولا يعني هذا أن كل منتدى سوف يكون مدعواً إلى إحراز الأهداف في مرمى المنتدى الآخر، فالأهداف التي سيجري إحرازها ستكون لصالح اللعبة نفسها، واللعبة هنا هي المهنة، وهي الصناعة، وهي الإعلام مقروءاً، ومسموعاً، ومرئياً!
وفي أثناء منتدى الرياض كانت منصات الأنباء تتداول خبراً يقول إن إيران تطلق ست فضائيات في سماء المنطقة، وهي فضائيات تخاطب بالطبع قطاعات بعينها بين العرب. وكان الخبر يعني أن الإيرانيين يستخدمون الإعلام الموجه إلينا فيوظفونه في بث الفُرقة، مرة، وفي تزييف الوعي، مرة أخرى، لدى هذه القطاعات التي يجري استهدافها، فليس من أولويات مثل هذه الفضائيات الموجهة، توظيف شاشاتها في صناعة الوعي. وقد كان تداول نبأ كهذا في حد ذاته، يلقي على كاهل الإعلام العربي مسؤولية مضاعفة، لأن إعلام القنوات الست يستهدف تفريق العرب، ولا يسعده بالتأكيد أن يجتمعوا على كلمة، ولأن إيران تستهدف منطقة عربية مكتملة، أكثر مما تستهدف بلداً بعينه بين بلاد هذه المنطقة!
ولم يكن الفصل ممكناً بين حديث الفضائيات الإيرانية الست، التي ستزرع الفتنة بين العرب في كل فضاء تصل إليه، وبين حديث آخر أدلى به وزير الإعلام السعودي، تركي الشبانة، أمام جمهور المنتدى. فالوزير الشبانة كان يتحدث عن إعلام ترى المملكة أن مهمته التسويق لها في داخلها وفي الخارج على السواء، وكان التسويق الذي يقصده الوزير المسؤول هو لفكرة وليس لسلعة، وهو تسويق لا يزرع فتنة، ولا ينشر فُرقة، ولا يسعى في طريق الفضائيات الست، ولا يؤلب الناس بعضهم على بعض، ولكنه تسويق يقول إن لدى السعودية في مرحلتها الحالية أفكاراً، وإن هذه الأفكار تدعو كل صاحب أُذنين إلى أن ينصت لها!
وكان الوزير الشبانة يضيف ما قد ننساه في زحمة الكلام، وكان الذي يضيفه أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز له لقب آخر، وأن هذا اللقب هو: صديق الإعلاميين.
والذين عرفوا خادم الحرمين الشريفين عن قرب من أهل الإعلام يعرفون هذا فيه، ويروونه عنه، ويعرفون أنه كان منذ وقت مبكر، وبالذات خلال مرحلة إمارته على الرياض، يتابع عملهم كأنه واحد منهم، وكان يُصوّب لهم ويصحح ما يراه في حاجة إلى تصويب أو تصحيح، وكان يفعل ذلك عن حب للمهنة، وعن إيمان قوي بأن لها رسالة لا بديل أمامها سوى أن تؤديها في مجتمعها الواسع!
ولأن السياسة بمعناها الشامل طرف في كل شيء تقريباً، فلم يكن من الممكن أن ينعقد المنتدى ثم ينفض، دون أن يكون لها نصيبها المعلوم فيه. وقد جاء نصيبها في صورة سؤال كان مطروحاً على سفراء أربعة: أسامة نقلي، سفير خادم الحرمين الشريفين في القاهرة، الذي لم يكن بعيداً عن الإعلام مدى مسيرته الدبلوماسية، وتركي الدخيل الذي قفز إلى العمل الدبلوماسي من حقل الإعلام، وعلي عسيري، السفير السعودي السابق في بيروت، وهي عاصمة تتنفس الإعلام وتشربه، وفيصل بن حسن طراد، الذي خدم بلاده سفيراً في مدينة جنيف؛ حيث الإعلام يسلط عدساته وكاميراته ساعات الليل والنهار!
كان السفير عسيري يرى الإعلام محركاً بالضرورة للسياسة، وكان يرى فيما جرى في أجواء ما يسمى بالربيع العربي أقوى دليل على صواب فكرته، وكان السفير الدخيل يدعو الدبلوماسي إلى أن يكون صديقاً للإعلام، وألا يخاصمه، لأنه كدبلوماسي سيجد نفسه في حاجة إليه ذات يوم، وكان السفير طراد يرى الإعلام شريكاً في صناعة سياسية ودبلوماسية، تقوم بها 18 منظمة دولية في المدينة السويسرية الشهيرة!
ولكن السفير نقلي كان يتبنى وجهة من النظر إلى الموضوع مغايرة، وكان السبب أن الدبلوماسي في تقديره ينفذ ما تضعه السياسة ولا يصنعه، وأن السياسة إذا كانت تصنع، فالدبلوماسية تنفذ، والإعلام ينشر، وأن العلاقة بين الأضلاع الثلاثة متبادلة، ومتكاملة، وفي الاتجاهين. كان تقديره أيضاً أن التأثير الدبلوماسي ليس من الضروري أن يكون مهمة وزارة الخارجية وحدها، فكل وزارة أخرى في كل بلد، تظل تلعب دوراً دبلوماسياً ولكن على طريقتها، وبأدواتها التي في يديها!
رسالة المنتدى الباقية إلى دورته التالية، أن معارك هذا العصر بين الدول ليست في حاجة إلى حشد دبابات، ولا إلى تصويب صواريخ، ولا إلى توجيه قوات، لأنها يمكن جداً أن تبدأ في الإعلام وأن تنتهي فيه!
وهذا هو الذي جعل من الإعلام صناعة، وجعل من الشاشات ميادين معارك، وجعل الانتصار فيها للذين يعرفون أن للصناعة قواعد وتقاليد لا بد أن تكون مرعية. وإذا لم يكن المنتدى قد رسخ لشيء، قدر ترسيخه مفهوم الصناعة في دنيا الإعلام، فهذا في تقديري يكفي دورته الأولى!