ما بعد الأسد.. تحديات المرحلة وبناء الإنسان ألحها*بلال الذنيبات
الراي
شكل سقوط الأسد، الاسبوع الماضي، حدثًا صادمًا ومفاجئًا، سيما وأنه أتى بطريقة دراماتيكية سريعة، وبصورة غامضة وغير مفهومة-غاية اللحظة، ما فتح شهية القراء للمشهد على قراءة المشهد، وفهم نقطة التحول، والتي حطمت نظامًا كان صامدًا منذ عقد أمام محاولات إسقاطه، على غرار أحداث «الربيع العربي»، والتي تعود للعام 2011م.
ولكن التساؤل الأهم هنا، ماذا بعد، وماذا سيواجه السوريين في اليوم التالي، ورغم القراءة السياسية للأحداث، والمرتبطة بالدومينو المحرك لها، والعائد لطوفان الأقصى، والذي خلق الظروف المحفزة للتخلص من الأسد، في ظل مصالح متقاطعة لعدة أطراف، إلا أن القراءة الاجتماعية لا تقل أهمية عن الشق السياسي أو الاقتصادي.
وأما ما يتعلق بالمشهد الاجتماعي، فهنالك مشاعر عميقة من الخوف، هي تركة أكثر من نصف قرن، وهذا ما يلجأ له الصامتون لتبرير صمتهم، أو دفاعهم عن الأسد، خصوصًا من منعته ظروفه من مغادرة سورية، وبات يعاني من عقدة الديكتاتور، أو الخوف من العقاب.
وهنالك تغلغل للتعاطي والإدمان على المخدرات، والنشل والسطو المسلح، وكذلك الخطاب العنصري البغيض، ومخزون من الأحقاد والثأر، ما يضع تحديات أمام السلطات الجديدة.
يُعد الإعلام، والتسويق للمشروع الوطني السوري، في البناء والدمقرطة الوطنية، أهم أدوات المرحلة الجديدة، سواء في الشاشات التلفزيونية الرسمية-التي كانت قبل أيام مكروهة من قبل الناس، أو حواضن الشباب في المدارس والجامعات، والمراكز الشبابية التي يجب أن تركز على قيم التعايش والتحلي بالتجاوز من أجل الوطن، وتحويلها إلى «صديق» كما يحلو للسوريين التسمية، ليس فقط كصورة، بل روح ومحرك.
إن بناء الوطن، من العدم ومن هاوية الثأر والكره الجمعي، نتيجة كم الإجرام الذي ظهر خلال العقود السالفة، والذي صورته مشاهد صيدنايا هذا المسلخ البشري، والذي مثل صورة من وحشية النظام البائد، تعد أكبر وأهم التحديات الماثلة على خطى بناء الدولة السورية الجديدة، والتي يتطلع لها السوريون، بعد عقود من القمع والخوف المتغلغل بالثقافة الجمعية، مدعومًا بآلة الإجرام المروعة.
إبتداء من تعزيز الثقة بالغد، والثقة بتحقيق المنجزات المرجوة، عبر خطاب إعلامي مدروس، لا يعمد على تخويف الطوائف السورية، ولا يقدم الهويات الفرعية للمجتمع على حساب الأخرى، بل يعمد على تسليط الضوء على الأهداف الوطنية، الممثلة بالبناء الاقتصادي، ومحاسبة المتورطين بالدم السوري، وفق القانون، واحترام فسيفسائية المجتمع السوري، وتقديم الحقيقة التي أخفيت عن الناس خلال العقود الماضية، وتقديم خطاب جامع للهويات لا مفرق لها.
ويجب خلال المرحلة القادمة، التركيز على الرموز الجامعة للسوريين، والتي لا تفرقهم، ولا تشكل مصدر قلق، وضبط إيقاعات الميديا، بالتعاون مع المؤثرين في الناس، عبر الفنانين السوريين، والذين يملكون سمعة مميزة، وتعزيز اقتصاد الدراما والتلفزيون لخدمة المصلحة الوطنية، والبناء على المنجزات التي حققتها الدراما.
إلى جانب تعزيز جهود إعادة البناء للحياة المهنية، مستفيدة من التجارب الشعبية، والقائمة على الطوائف المهنية، مع تحفيز الحراك الاقتصادي في المجتمع، وفتح قنوات الحوار السياسي والمعاشي، والإصغاء لأصحاب العِلم السوريين، والذين صنعوا خلال العقود فرقًا في العالم.
لا تحتاج الشخصية السورية عمومًا، الطاقة ولا القدرة على إعادة الثقة بذاتها، بل تحتاج القيادة الواعية المدركة لحاجات سورية، ليست سورية الأسد ولا سورية الشرع، ولا سورية أي طائفة، بل سورية الحضارة، تلك التي حافظ على إرثها الجامع الأموي، وساحة الآمويين، وقلعة حلب وتدمر.
ولعبت الأردن هنا دورًا بارزًا، وبإمكانها اللعب، سيما وأن العلاقات الاجتماعية خلال التاريخ بين الأردنيين والسوريين، في مجال المساعدة للأشقاء اقتصاديًا ولوجستياً، ما يحفز فرص التعاون بين السلطات، وبين الناس أيضًا، فما زال الأردني يستذكر أنه كان يفطر في الرمثا، ويتغدى في درعا، ليصلي في الجامع الأموي بالعاصمة العظيمة دمشق «الشام».
واستضافت الأردن، السبت الماضي، اجتماعات العقبة، والتي جسدت التعاضد والإسناد العربي للأشقاء في سورية، وهم يفتحون فصلاً جديدًا من حياة سورية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ورغم التحديات المتعاظمة، إلا أن الروح الشعبية للسوريين، والذين صنعوا في أصعب الظروف تاريخًا زاخرًا وغنيًا بالمضامين الحياتية المتنوعة، لقادرة على قيادة المرحلة، والخروج من المرحلة الانتقالية بشكل أقوى، وما اختيار راية الاستقلال من الانتداب الفرنسي، كراية رسمية للمرحلة المقبلة، إلا إشارة تأكيد على الإرادة في تحقيق النهضة السورية الحديثة، حُلمَّ كُل سوري منذ أن جثم ذاك النظام المجرم عليهم، تحت عناوين جوفاء لم يرَ منها السوريون إلا أبشع صورها ممثلة بمشاعر الخوف وصور صيدنايا الموجعة.