عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Jul-2020

ربابعة: نحيا بالثقافة التي تحمينا كلما داهمَنا الخطر

 عمان - الراي  شروق العصفور - قال الباحث والأكاديمي د.يوسف ربابعة إن جائحة كورونا كانت سببا في دفعه للتفكير بكثير من المفاهيم والأفكار السابقة، وفرصة للتأمل وإنجاز قراءات وأعمال كانت مؤجلة بسبب الانشغال في فوضى الحياة العامة سابقاً.

وأضاف ربابعة الذي يرأس تحرير مجلة «أفكار» الثقافية، أن الأدب «تعبير عن أحداث كبيرة وصغيرة، ذاتية وإنسانية، لكنها تحفر عميقا في الوجدان»، مشيرا إلى أنه لا يميل إلى أن تغييرات جذرية ستحصل بعد «كورونا».
وأوضح ربابعة في حواره مع $ أن مجلة «أفكار» واصلت خلال جائحة كورونا دورها الثقافي وتواصلها مع المثقفين والقراء من خلال إنجاز الموقع الإلكتروني الخاص بالمجلة.
تاليا نص الحوار الذي تحدث فيه ربابعة عن انشغالاته ورؤاه خلال زمن «كورونا»:
كيف تقضي يومك وسط هذه الأجواء والتدابير الحكومية الهادفة إلى حماية المجتمع من فيروس كورونا؟
الأيام الأولى كانت غامضة، ولم يكن لدينا برامج واضحة لقضاء الساعات الطويلة داخل المنزل، لكن أنا كان لدي مهمات واضحة في العمل، وكما تعلمون فقد تحول التعليم إلى إلكتروني وعن بعد، مما يستدعي خوض تجربة جديدة تحتاج مزيدا من العمل والتحضير، فقد كان مطلوبا منا أن ندخل إلى برامج التعليم عن بعد، وتلك قصة ليست سهلة، وإن كنت أنا شخصيا قد استخدمت بعضها سابقا في نطاق ضيق، لكن المطلوب الآن أن يكون كل التعليم عبر تلك الوسيلة، وعليك التحضير لمواد جديدة بطريقة جديدة، ولديك خوف من عدم القدرة على ملء الفراغ الذي يحصل نتيجة عدم اللقاء المباشر. أنا معتاد منذ سنوات طويلة أن أدخل الصف ويكون الطلاب أمامي فأتعامل مع أشخاص يتفاعلون مع ما أقول، أما اليوم فأنا أجلس أمام شاشة لأخاطب جمهورا غير مرئي، وأفقد السيطرة على استخدام حركاتي وإشاراتي في إيصال المعلومة، إنني مضطر لتغيير كل الاستراتيجيات التي مارستها على مدى أكثر من عقدين من الزمن.
هذا على مستوى العمل، أما على المستوى الشخصي فقد كان من المهم لي أن أجد الوسيلة لأبقى قادرا على الفعل وإنتاجه وأن أكون قادرا على طرح أفكاري في الوقت الذي بتّ أشعر معه أن النقد - السياسي خاصة - قد لا يكون في وقته الصحيح، فنحن بحاجة لأن نتعاون جميعا للخروج من الأزمة، لكن تلك الفكرة لم تكن سهلة بالنسبة لي، فلا بد أن لا نتغير مهما كانت الظروف، وكان من المفيد أن نبقى نكتب بكل ما لدينا وأن حالة الضعف التي نشعر بها تحتاج لتقييم أكثر، وربما نقدا أقسى حتى نخرج منها ونجد بعدها ما يمكن أن يكون مادة للحوار وتجاوز السلبيات.
بوصفك مثقفا.. هل عملت هذه الأزمة والأحداث الراهنة على تغيير مفاهيمك تجاه الحياة والعصر الراهن؟
مثل هذا الحدث لا بد أن يكون سببا في دفعنا للتفكير بكثير من مفاهيمنا وأفكارنا السابقة، بالفعل نحن لا نستطيع أن ننكر أن ما حصل قد غير بعض ما كنا مقتنعين به، إنني شعرت أن الحياة أقل مما كنت أعطيها من الاهتمام، وأن الإنسان على المستوى الشخصي معرض دوما لمشكلات قد تكون مصيرية، وأن حياته لا تساوي شيئا أمام ما يمكن أن يتعرض له حتى من فيروس صغير، والأهم من ذلك الشعور بان الإنسانية عاجزة عن فعل أي إجراء يقيها من خطر الفيروس غير المرئي، أما على المستوى السياسي فقد ثارت كثير من الأسئلة عن شكل العالم الجديد، وعن مصير الصراعات التي بدأت تتغير، أو على الأقل ستأخذ شكلا جديدا يقوم على الحماية الصحية، وما يتعلق بها، وأن الحروب لا قيمة لها مقابل المصير المشترك الذي يحتم على العالم كله أن يكون متكافلا لمواجهته، فنحن أمام مصير واحد يزيل الفروقات بيننا، فما قيمة الصراعات السياسية والدينية والطائفية في مثل هذا الوقت؟
هل ساهمت الظروف الراهنة في توجيه قراءاتك أو إعادة ترتيب تفضيلاتك في القراءة؟
- لم تكن فكرة الحجر بذاتها مشكلة، فأنا تعاملت مع مثل هذه الفكرة سابقا، وليس عندي مشكلة أن أبقى في عزلة، بل وأعتبرها فرصة للتأمل وإنجاز كثير من القراءات والأعمال التي كانت مؤجلة بسبب الانشغال في فوضى الحياة العامة سابقا، فقرأت كتبا كانت على الرف، وهي تتعلق بعلوم اللغة، وهو تخصصي وأحتاجه في البحث والتدريس، كما أنني شاهدت بعض المسلسلات العربية، وذلك من باب الاطلاع على الدراما، وربما تشكل لدي بعض الأفكار النقدية حولها، بالإضافة لإنجاز أعمال أخرى مطلوبة في الحقل الثقافي والأكاديمي. طبعا بدأنا نشعر بضغط أقل مع مرور الزمن، وربما أصبحنا أكثر اعتيادا على الوضع الذي نحن فيه.
هل دفعتك أزمة كورونا إلى الكتابة حولها؟
فكرت كثيرا في الكتابة عن هذه الأزمة، لكنني لم أنجز الكثير، وبقيت الكتابات عبارة عن خواطر وتساؤلات محيرة، ربما لم نستوعب حجم تأثيرها، أو ربما غير مقتنعين بأن هناك تأثيرا خفيا سوف نتأثر به دون أن ندرك مقدار حجمه.
هل تعتقد أنه سيكون هناك أدب يسمى «أدب كورونا»؟
الأدب تعبير عن أحداث كبيرة وصغيرة، ذاتية وإنسانية، لكنها تحفر عميقا في الوجدان، ورغم أنني غير متأكد من توقعاتي، لكنني لا أميل إلى أن هناك تغييرات جذرية سوف تحصل، لأن المرض رغم قسوته لم يكن حدثا قويا على المستوى الإنساني، فكل ما حصل يمكن استيعابه معنويا وماديا في المستقبل، لكن أعتقد أيضا أن دور المجتمعات سيكون أكبر، وربما تتغير بعض الألوليات في حياتنا، مما يعني أن هناك أدبا سيعبر عن تلك الحالة، ولا أظنه سيكون واسعا كما يتوقع كثيرون.
برأيك، ما دور المثقف في هذه الأوضاع.. هل بإمكانه أن يساند الإجراءات الحكومية في زيادة وعي المواطنين وتعزيز قيم الصبر والتكافل؟
كما نعلم، فإن هذا الوباء قد جاء فجأة، وبدون مقدمات، وأقصد بالمقدمات أنه لم يكن لدينا خبرات سابقة في مثل هذا النوع من الوباء، وأن الإجراءات التي رافقته كانت جديدة لجيلنا الذي لم يعهدها من قبل لهذا السبب، ومن باب الاعتراف فإنني في البداية قد شعرت بالارتباك، وشعرت أن ما يمكن أن يحصل قد يكون أكبر من طاقتنا على الاحتمال، وأن هناك أمرا في غاية الخطورة، وبخاصة أن التحليلات كانت تشير إلى أن هذا الوباء قد ينتشر ويقتل ملايين البشر، فكانت تلك الفكرة مؤرقة على المستوى الشخصي والإنساني، كيف يمكن احتمال أن يفقد الإنسان نفسه أو أحبابه؟ كيف يستطيع الفرد أن يتجاوز محنة يقف عاجزا أمامها؟ ليس هو فقط، بل كل العالم، تلك الفكرة لم تكن سهلة، أما الإجراءات فقد شعر الجميع أنها ضرورية، وأن الالتزام بها قرار لا يحتاج إلى مناقشة أو تردد، وهي وإن كانت تشعرك بالأمان فهي تشعرك بالخطر من جهة أخرى، إذ تبدو صارمة بشكل كبير، مما يعني أن الخطر كبير أيضا، وأن على المثقف أن يملك الوعي الكافي لحماية المجتمع، وهي من مسؤولياته المهمة، وكان لا بد من البحث بعمق عن الثقافة المجتمعية وتعزيز دورها لدعم الإجراءات الصحية التي اتخذتها الحكومة، فالثقافة هي الحماية المنيعة في الظروف الصعبة، ونحن نحيا بالثقافة وتحمينا كلما داهمنا الخطر، لذا فإن الحماية – برأيي – هي الاهتمام بتعزيز دور الثقافة في حياة المجتمعات، والعمل على تعميقها لتكون ضامنا حقيقيا وقت الأزمات.
كيف ساهم إطلاق منصة خاصة لمجلة «أفكار» في تعزيز حضورها لدى القراء والمثقفين؟
وهل هناك أفكار جديدة لتعزيز هذا الحضور في ظل الجائحة؟
اتفقنا في مجلة «أفكار» منذ بداية الأزمة، أن نستمر في العمل، ولم يتوقف عمل هيئة التحرير، من خلال التواصل عن بعد، وللعلم فإن عدد المواد التي تصل للمجلة لم ينقص، وبقيت طريقة التحكيم تسير بشكلها الطبيعي، فكل عمل يصل للمجلة لا بد أن يُعرض على ثلاثة محكمين من هيئة التحرير، وقرار النشر يتم بالأغلبية، وبقينا نسير بنفس الخط، كما أننا قررنا أن نستخدم الوسائل المتاحة لنشر المواد المجازة للنشر. ونحن الآن قد أنجزنا الموقع الإلكتروني للمجلة، وهو متاح على الشبكة، وسوف نسعى لتطويره في المستقبل، ليكون متاحا بشكل سهل ويسير.