الغد
سياسة الشمول الرقمي وما تمّ طرحه مؤخرًا من قبل الحكومة بالتوجه نحو تنفيذ خمسة عشر مشروعًا تهدف إلى تحقيق النفاذ العادل والمتكافئ للخدمات الحكومية الرقمية والمحتوى الرقمي من خلال ضمان حصول الجميع من مختلف الفئات العمرية والجنس والمهنة والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن والمرأة على فرص متساوية للوصول الى الخدمات الحكومية الرقمية، تعد مسألة في غاية الأهمية في ظل التحولات التي شهدها وما يزال العالم من التحول الرقمي وما تبعه من تطورات ذات العلاقة بالذكاء الاصطناعي والتقنيات اللازمة لاستخدامه وتأثيرات ذلك على حقوق الأفراد وخاصة ما أصبح يطلق عليه الحقوق الرقمية.
تتضمن سياسة الشمول الرقمي وفق ما صرحت به الحكومة مشاريع متعددة منها مشروع الخدمة الشمولية والقائم على تعديل تعريف شمولية الخدمات الوارد في قانون الاتصالات العامة ليتوافق والاتجاهات الحديثة، بالإضافة إلى مشروع المخلفات الإلكترونية لغايات تحديد حجمها تمهيدا لتطوير سياسة موحدة تنظم الأدوار المختلفة لمعالجتها، كذلك مشروع تعزيز النفاذ إلى الانترنت عريض النطاق والمتضمن تشجيع مشغلي شبكات الاتصالات ومزودي خدمات الإنترنت لتشارك البنية التحتية لخفض التكاليف وبالتالي تشجيعهم على نشر الخدمات بشكل أكبر، إضافة إلى مشاريع اخرى متعددة منها ما يهدف إلى تعزيز وتطوير البنية التحتية الرقمية واستكمال رقمنة الخدمات الحكومية وتعزيز المشاركة الإلكترونية ومشروع تنمية المهارات الرقمية وتصميم وتطوير مكتبة رقمية وكذلك السعي لوضع خطة توعوية للخدمات الرقمية، بالإضافة إلى مشروع بيئة رقمية آمنة للأطفال.. وغيرها في الواقع من المشاريع الطموحة في هذا الإطار.
من بين هذه المشاريع العديدة، لا بدّ من التوقف عند مشروع على جانب من الأهمية وهو مشروع التشريعات المستقبلية، والقائم على دراسة أثر التشريعات المستقبلية التي تعرض من قوانين وأنظمة وتعليمات على الرقمنة وتطوير البنية التحتية والريادة والاستثمار، وتقديم التوصيات لصياغة التشريعات وتطويرها بما يضمن تطوير هذه البنى وتعزيز آليات الاستثمار، وفي الوقت ذاته إجراء مراجعة شاملة للتشريعات الوطنية التي تنطوي على محددات قد تكون عائقا أمام التقدم الرقمي والشمولية.
هذا المشروع المتعلق بالمنظومة القانونية الوطنية ذات العلاقة بالتحول الرقمي يشكل حجر الزاوية في تنفيذ هذه الرؤى التي تعكسها سياسة التحول الرقمي، فالتشريع هو الحلقة الأولى دوما في ايجاد بيئة مواتية لعملية التحول أيا كان شكلها، وهو أيضا الضامن الأساسي لمواكبة الاتجاهات العالمية في حماية حقوق الافراد في البيئة الرقمية وفي الوقت ذاته تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من هذه التقنيات الحديثة وبما يضمن تحقيق المصلحة العامة.
في الواقع إنّ اجراء مراجعة شاملة للتشريعات ودراسة أثر القوانين المستقبلية على سياسة التحول الرقمي مسألة محورية وتدخل في سياق الصياغة والسياسة التشريعية القائمة على نهج يقوم على إعداد دراسات منهجية علمية قادرة على استشراف المستقبل، ودراسة التأثيرات المختلفة للتشريع في مختلف الجوانب، وهو في الوقت ذاته أمر ينطوي على تحديات عديدة يمكن تذليلها برسم السياسات الصحيحة والواضحة والمستمرة في هذا المجال.
إن سياسة التحول الرقمي هذه وما تنطوي عليها من مشاريع مهمة ورائدة وطموحة تليق بالأردن وبمئويته الثانية التي تتطلب تحقيقا لها تكاتف الجهود وتنسيقها وصولا الى رؤية المملكة في إجراء عملية تحديث شاملة يلمس الأفراد أثرها وتنعكس بالنتيجة على القطاعات كافة وتحاكي في الوقت ذاته ما يشهده العالم من تطورات وتغيرات متسارعة.