عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Sep-2025

لـ"تشات جي بي تي" استخداماته، لكنني أكرهه - لهذا السبب

 الغد

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
إيموجين ويست-نايتس* - (الغارديان) 27/8/2025
إنه ضار بالكوكب، وقد يجعل كثيرًا من الوظائف -بما فيها وظيفتي- غير ضرورية. لكن كراهيتي له تذهب أعمق من ذلك.
 
 
إنه واحد من تلك المواضيع التي تُطرح هذه الأيام في جلسات الشرب أو على موائد العشاء: ما إذا كنت تعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيسرق وظيفتك أم لا. حتى الآن، كنت أشعر بأنني واثقة نسبيًا من أن الذكاء الاصطناعي في حين أنه قادر من دون شك على أن يكتب مقال رأي في صحيفة، فإن هناك شيئًا أفعله كجزء من عملي لا يستطيع هو أن يفعله: التغطية الصحفية الميدانية.
ولكن، يبدو الآن أن الذكاء الاصطناعي يدّعي أنه يفعل ذلك أيضًا. في الأسبوع الذي سبق كتابة هذه السطور، تبيّن أن ما لا يقل عن ست مؤسسات صحفية موثوقة ومشهورة اضطرت إلى سحب مواد صحفية منشورة لديها، بعدما اتضح أنها كانت على الأرجح قصصًا خيالية كتبها الذكاء الاصطناعي، ثم مررها شخص ما على أنها أعمال صحفية، باسم "مارغو بلاشارد". إحدى القصص الصحفية نشرت في مجلة "وايرد" بعنوان: "وقعا في الحب أثناء لعب الـ’ماينكرافت‘، ثم أصبحت اللعبة مكان زفافهما". واقتبست القصة أقوالًا عن "مُحتفلة رقمية" تُدعى جيسيكا هوو، التي لا يبدو أنها موجودة أصلًا. وتلقت مطبوعة أخرى تُدعى "ديسباتش" تقريرًا صحفيًا من "بلاشارد" عن بلدة تعدين سابقة اسمها "غريفمونت" جرى تحويل الغرض منها لتصبح مكانًا للتدريب على التحقيق في الوفيات. وتبين أن "غريفمونت" هذه لا وجود لها أيضًا.
عندما أدخل في أحاديث اجتماعية حول مواضيع مثل "تشات جي بي تي"، أحاول أن أقاوم الضباب الأحمر الذي يهبط عليّ ويغشي بصري. إنني أكره "تشات جي بي تي". وأسمي العاطفة كُرهًا لأن التطبيق يثير فيّ رد فعل جسديًا يقترب كثيرًا من الغضب الحقيقي. إنني لا أجده مخيفًا، ولا مزعجًا أو مربكًا فحسب. إنني أكرهه.
وهكذا، كنت أحاول الوصول إلى جوهر ما أكرهه فيه بالضبط. ثمة في الأساس أسباب وجيهة للاحتفاء بقدوم عصر الذكاء الاصطناعي. وكما يبدو، يغلب أنها ستكون لديه القدرة على إحداث ثورة في مجالات -مثل البحث العلمي، على سبيل المثال: وصف صديق لي من العلماء كيف أن الذكاء الاصطناعي سيسرّع عملية وضع الفرضيات واختبارها في المجال الذي يعمل فيه. كما أن المهام العملية المملة ستستغرق أيضًا وقتًا أقل بمساعدة الذكاء الاصطناعي.
لكنّ هناك أيضًا العديد من الأسباب التي تدفع المرء إلى أن يضيق به. ثمة التأثير البيئي الضار الموثق جيدًا لاستخدام "تشات جي بي تي". ولكن، مع كامل احترامي لكوكب الأرض، ليست هذه هي النقطة التي تقلقني أكثر ما يكون؛ ولا حقيقة أن الناس يشترون تقنية يُرجَّح أن تجعل كثيرًا من وظائفهم الخاصة غير لازمة، ولا أن الطريقة التي يعرِض بها الذكاء الاصطناعي ملخصات -لنتيجة لبحث "غوغل" على سبيل المثال- بحيث يعطيك ببرود معلومات خاطئة تمامًا. ولا حتى أن الأشخاص الذين يقودون ثورة الذكاء الاصطناعي يعطونك ذلك الطابع المريع بشكل ساحق الذي يميز هؤلاء الإخوة التكنولوجيين الفاشلين التقليديين.
إليكم ما أظن أنه قد يكون رجعيًا جدّا وبطريقة مأساوية بشأني: إنني قلقة من أن الاعتماد على "تشات جي بي تي" سيقوّض قدرة الناس على استخدام عقولهم. إنني أؤمن بأن الخيال الإبداعي، على وجه الخصوص، هو عضلة؛ عضلة من المجزي المثابرة على تدريبها. كنتُ مؤخرًا أساعد طفلة في السابعة من عمرها في إنجاز واجبها المنزلي لمساق الكتابة الإبداعية في المدرسة. كان عليها أن تصف غابة، فطلبت منها أن تغمض عينيها وتتخيلها وتخبرني بما ترى. لكنها قالت لي: أوه، لسنا في حاجة إلى فعل ذلك. يمكننا فقط أن نطلب من الذكاء الاصطناعي أن يفعل.
سمعتُ أن أحد المحررين طلب من "تشات جي بي تي" المساعدة في إعادة هيكلة مقال. ومرة أخرى، قولوا عني "معادية للتكنولوجيا" إذا شئتم، لكنني فكرت فقط: لا! بعض الأشياء من المفترض أن تكون صعبة! من الجيد للعقل أن يضطر إلى النهوض والارتقاء إلى مستوى المهمة! قرأت عن شخص يستخدم "تشات جي بي تي" لاختيار طلبه من قائمة طعام في مطعم. إنها من إحدى المتع الصغيرة في الحياة أن تختار أي طعام هو الذي تريد أن تأكله في مطعم. لماذا تتنازل عن ذلك لآلة عندما لا تكون مضطرًا إلى ذلك؟
ولكن، حتى هذا ليس هو أسوأ ما في الأمر، في رأيي. أسوأ شيء على الإطلاق هو الطريقة التي يبدو أن "تشات جي بي تي" يتسلل بها إلى حياة الناس الشخصية. إن استخدامه لتصميم خطة تمرين رياضي، أو حل مشكلة في تشفير برمجي، أو تلخيص وثيقة معقدة: حسنًا، حسنًا، لا بأس في ذلك إذا أحببت. ولكن عندما أسمع عن أشخاص يستخدمونه لكتابة بطاقة تهنئة بعيد ميلاد، أو كلمة إشبين في حفل زفاف، أو كتابة رسالة لإنهاء علاقة، فإن جزءًا صغيرًا من روحي يموت. ولا أظن أن هذا موقف متعالٍ ومتكبر لشخص يتخذ من الكتابة حرفته. لا يحتاج أي من قطع الكتابة هذه إلى أن يكون مثالي التعبير أو خاليًا تمامًا من الأخطاء النحوية. إنها تحتاج إلى أن تأتي من القلب حتى تكون حقيقية.
جذر كراهيتي لـ"تشات جي بي تي" هو أن رغبة الناس واستعدادهم لاستخدامه بهذه الطريقة يوحيان بأنهم سعيدون بتحويل تفاعلات ذات معنى كهذه إلى شيء إجرائي: مهمة يتم إنجازها بكفاءة والانتقال إلى التي بعدها. إن الكثير من قيمة شيء مثل تلقي رسالة على سبيل المثال -سواء جاءت عبر البريد الإلكتروني أو العادي- يأتي من معرفة أن شخصًا ما قد جلس وفكر في ما سيقوله لك؛ أن إنسانًا خصص جزءًا من وقته الثمين وجهده الذهني للتواصل معك.
أنا مدركة تمامًا أنني ربما أكون في غضون 15 عامًا في وضع أكون قد أنهيت فيه يوم عملي الناجز بالطريقة المثلى على يد الذكاء الاصطناعي، ثم ألتفتُ إلى شريكي العاطفي الآلي وأضحك على هذا المقال: لكَم كنتُ ساذجة، أقلق من لا شيء! أحبكِ، أيتها الآلة المبرمجة على محاكاة الحب!
وأدرك أيضًا أن كراهيتي لـ"تشات جي بي تي" ربما تضعني ذات يوم على رفّ النسيان عندما يتعلق الأمر بفرص التوظيف المستقبلية، بسبب جهلي بكيفية ترويض الذكاء الاصطناعي لعمل الأشياء نيابة عني. حسنًا. سوف أذهب لأعيش في الغابة وأكون تعيسة. لكنني سأكون بائسة بطريقة تناظرية، وحيث تكون قدرتي على التفكير ما تزال سليمة لم تُمس.
 
*إيموجين ويست-نايتس Imogen West-Knights: كاتبة وصحفية مستقلة مقيمة في لندن، تكتب بشكل منتظم في صحف بارزة، مثل "الغارديان" و"فايننشال تايمز" و"نيويورك تايمز" والعديد من المجلات المرموقة. أطلقت روايتها الأولى "Deep Down" في آذار (مارس) 2023، وهي رواية بارزة تستكشف موضوعي العنف الأسري والحزن بأسلوب ذكي وحساس. حصلت على العديد من الجوائز الصحفية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: ChatGPT has its uses, but I still hate it – and I’ll tell you why