عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Jan-2020

متسولو بيوت العزاء.. استغلال العواطف للتكسب من الأحزان

 

منى أبوحمور
 
عمان-الغد- بعد الساعات الأولى من الدفن ووسط حالة من الحزن والألم الكبيرين الذي يسكن قلوب الحضور لفقدان ابنتهم، وأصوات البكاء تملأ المكان وألسنة الحضور تلهج بالدعاء؛ تدخل خمسينية من الباب والدموع تملأ عينيها، متوجهة لأصحاب المنزل بالدعاء لفقيدتهم وتعداد صفاتها ومناقبها حتى اعتقدوا أنها تعرفها عن قرب أو لها صلة بها.
لم تكتفِ تلك المرأة التي دخلت وبيدها طفل لا يتجاوز أربعة أشهر من العمر ملتفة بعباءة سوداء، بالدعاء فقط فبدأت تخبر الحضور بعلامات الساعة وموت الشباب وعذاب القبر حتى انتهى بها الأمر إلى أنها ربطت نزول المطر ببياض الآخرة للمتوفية، سعيا لإثارة عواطف ذويها.
غير أن الصدمة الحقيقة كانت عندما بدأت تلك المرأة (أم حنان) كما أطلقت على نفسها تشكي صعوبة الحال وتعثرها في تربية بناتها الثلاث التي تسكن برفقتهن بجانب أحد المساجد، لتبدأ تشكو الجوع والبرد وقلة الحيلة.
قالت “لما سمعت أنه عندكم بيت أجر وأنه بنتكم الله يرحمها، حكيت آجي أطلب المساعدة أجر عن روحها”، وما كان من جميع الموجودين إلى أن سارعوا لمساعدتها وإعطائها المال وبدأت بالدعاء للمتوفية مقابل تلك الأموال.
وماهي إلا ساعات حتى حضرت امرأة أخرى وشاركت الموجودين “ذات الديباجة”، لعلها تخرج بمبلغ من المال من المتوافدين على بيت العزاء.
لم تكن هذه الحالة الأولى من نوعها في بيوت العزاء، فقد أصبح التسول في بيوت العزاء ظاهرة تغزو القرى والمدن، وذات الأشخاص “يمتهنون” ذلك وينتقلون يوميا من بيت عزاء لآخر، وفق خبراء ومختصين، مؤكدين أنها ظاهرة مرفوضة دينيا واجتماعيا.
وفي إحدى بيوت العزاء في دابوق، جاءت إحدى السيدات معرفة بنفسها أنها الواعظة، مستغلة انشغال أهل الميت وحزنهم على فقيدهم رغم تأكيد أهل العزاء بأنهم لم يتواصلوا مع واعظة للقدوم إلى بيت العزاء، فبدأت تقرأ مجموعة من الآيات والأدعية منقولة عن ورقة، حتى أن بعض الحضور بدؤوا يصححون أخطاءها في القراءة.
طريقة حديث تلك المرأة عن يوم الحساب والعقاب واليوم الآخر، استفزت إحدى الحضور التي لم تتردد في سؤالها عن مصدر معلوماتها فما كان من تلك المرأة حتى بدأت في البكاء تشكو ضيق الحال وكثرة الديون وتعثرها في السداد وأنها أم لستة أيتام وأن حياتها الصعبة هو ما دفعها للحضور على بيت العزاء.التسول في بيوت العزاء، اصبحت طريقة يمتهنها اشخاص، تبدأ في الدعاء للميت وتنتهي بطلب المساعدة والمال والقاسم الأكبر بينهم أنهم يربون الأيتام.
ولا يكتفي بعض المتسولين في بيوت العزاء بما يصلهم من أخبار عن وجود بيت عزاء هنا او هناك، فقد أصبحوا يبحثون بصفحات الجرائد الرسمية وينتقون بيوت الأجر حسب المنطقة، لعلهم بذلك يحصلون على أكبر قدر من المال والمساعدات.
الغريب هو إصرار بعض المتسولين على أخذ “كاش” وليس مساعدات عينية وفق سيدة أكدت لـ “الغد”، أنها وبعد أن سمعت من المرأة مشاكلها والديون المتراكمة عليها، أبدت استعدادها لمساعدتها لوجه الله تعالى وأصرت على سداد ديونها وشراء ما يلزم أبناءها، إلا أن تلك المرأة كانت مصرة على أن تأخذ المال هي وتتصرف به حسب الحاجة، ماجعلها تشك بأنها غير صادقة وأنها فقط تتسول من اجل الحصول على المال.
أستاذ الفقه والدراسات الاسلامية الدكتور منذر زيتون يؤكد أنه من الأمور الطيبة في مجالس العزاء تقديم بعض الوعظ والإرشاد الديني والاجتماعي والتذكير بالفضائل وأعمال الخير واستذكار الحرص على العمل الصالح قبل الموت، ولكن لا ينبغي لكل من شاء أن يتطوع للقيام بذلك، وإنما على من يريد الحديث أن يستأذن من أصحاب العزاء، أو أن يطلبوا هم إليه، وذلك لاعتبارات متعددة، منها أن من أدب المجالس الاستئذان بالحديث وبالانصراف والقيام بذلك من غير استئذان فيه اعتداء على حرمة المجلس وعلى حرمة أهله والتدخل فيما لا يعني.
ويضيف زيتون لـ “الغد” أن بعض الذين يتحدثون لا يكونون مؤهلين لمثل هذا الحديث ولربما أخطؤوا أو أطالوا الكلام أو حتى أحياناً أساؤوا في حديثهم من حيث لا يدرون، وكذلك فإن بعض من يأتي إلى مثل هذه المجالس لا يأتي بهدف وعظ الناس وإرشادهم فقط وانما يبتغي من ذلك أخذ المال والمتاجرة بالكلمة، والشحدة من باب الحديث، حتى أن بعضهم أصبح شغله الشاغل ان يفر بين الأحياء للبحث عن مجالس عزاء للتكسب بالكلمة والموعظة وهو أمر منهي عنه، وقد يكون الأسوأ من ذلك من يرتاد بيوت العزاء لممارسة السرقة والاختلاس، حيث يكون الناس منشغلين بالحزن وتقديم التعازي فيطاول بعض هؤلاء أيديهم على أملاك الغير، وخصوصا في مجالس النساء، حيث تترك بعضهن حقيبتها أو تغفل عنها فيتم اختلاسها أو سرقة ما فيها.
والنصح لأهل العزاء إن تعرضوا لمثل هذا الموقف من شخص غير معروف لهم أن يطلبوا إليه بهدوء وروية التوقف عن الحديث، وفق زيتون، وأن يفهموه ان عليه ان يستأذن منهم قبل ذلك، وإن رأوه يطلب المال فعليهم أن يكفوه عن ذلك وأن يلزموه بالخروج من المجلس حتى لا يسبب لهم الحرج مع ضيوفهم.
وهذه فرصة لتوجيه الناس إلى التقليل من فترة إقامة بيوت العزاء فيكفي يوم واحد، لأن الاصل في العزاء ان يحضر الناس الجنازة ثم الدفن، ومن لم يتسنى له ذلك فيزور أهل الميت في يوم واحد إن استطاع وان لم يستطع فيؤدي واجب العزاء أثناء الالتقاء بأهل الميت في المسجد او السوق أو حتى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
أخصائي علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي يؤكد بدوره أنها ظاهرة مزعجة وملفته للنظر وتسبب الإحراج لأهل المتوفى وجميع الموجودين، لأن الناس تكون منشغلة بالحزن والمصاب وترتيب أمور العزاء، وبالتالي فإن المتسولين يستغلون هذه الأوقات.
ويضيف “التسول في بيوت العزاء انتقل إلى أبواب المقابر أوقات الدفن وهو أمر مزعج ومقلق للناس”، خصوصا وأن أبناء المتوفى يكونون قلقين ومحزونين”.
ويشدد الخزاعي أن على المجتمع ان يتكافل مع بعضه البعض لمواجهة هذه الظاهرة وإنهائها، فوزارة التنمية وحدها لا يمكنها من ضبط هذه الظاهرة ولا بد من أن يكون لدى المواطن الوعي الكافي للتعامل مع هؤلاء المتسولين سواء في بيوت العزاء او في المدافن.
وفي مضمار علم النفس التربوي يؤكد أخصائي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة أن التجاوب مع المتسولين يشجعهم أكثر على التكسب، والأسر المحتاجة العفيفة تجلس في بيوتها والناس تبحث عنها لتساعدها.
ويقول مطارنة إن الأشخاص الذين يأتون إلى بيوت العزاء والمقابر ويطلبون المساعدة والمال هم أشخاص امتهنوا التسول ولا يستحقون المساعدة.
إلى ذلك، فإن هذه الظاهرة مرفوضة اجتماعيا لأنها تسبب إحراجا للآخرين، وبالتالي هي غير مقبولة.
ويضيف “هؤلاء الاشخاص كالنصابين والمحتالين يسببون حالة من الإحراج لأهل الميت في مثل هذه المناسبة ويدخلون من باب الدعاء واستغلال الوضع والظروف المحيطة من الحزن والألم”، ويتسولون بطريقة مستفزة وينبغي عدم التجاوب معهم لأن ما يأخذونه لهم لا يصل الميت أصلا.
هذه التصرفات وفق مطارنة، سلوكات سلبية تظهر من ضعاف النفوس، ومن يقومون بذلك فقدوا الوازع النفسي الديني والإنساني والاخلاقي والتربوي ولا يخجلون، ولذلك فإن هؤلاء يجب صدهم وردعهم وطردهم إذا دخلوا وعدم التجاوب معهم حتى لا يتم تشجيع هذا السلوك غير الأخلاقي وغير القانوني أيضا.