عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Sep-2024

الانتخابات النيابية في الميزان*د. محمود أبو فروة الرجبي

 الغد

بعيدا عن السلبية التي يرددها البعض، أظهرت الانتخابات النيابية الأخيرة أننا قادرون على الإنجاز في بلدنا، ومن الطبيعي ألا تعجب نتائج الانتخابات بعض الناس، والقوى، والأحزاب، ولكنها في النهاية وبشهادة الجميع كانت نزيهة، وشفافة، وهذا ما يحتاجه بلدنا في هذه الأوقات العصبية التي تظهر لنا أن هناك استحقاقات كبيرة قادمة في الأفق، قد لا نتمكن من الوقوف في وجهها إلا إذا استطعنا أن نزيد من تماسك جبهتنا الداخلية، وأن يتحمل الجميع في الدولة (حكومة وأحزاب، ومؤسسات مجتمع مدني) دوره في التصدي لأي طارئ قد نتعرض له – لا سمح الله-.
 
 
أظهرت جبهة العمل الإسلامي قدرة كبيرة على إدارة الحملات الانتخابية والوصول للناس، وفي الوقت نفسه لم تخسر بعض الأحزاب الأخرى، وإن كانت تتوقع الحصول على حصة أكبر في البرلمان، ولكن هذه هي طبيعة أي انتخابات فيها فائزون وخاسرون، ومفاجآت قد لا تخطر على بال محلل، أو إعلامي أو سياسي.
الأحزاب الجديدة وإن لم تحقق ما تريده، ولكنها أثبتت أنها قادرة على الانطلاق، ويمكنها البناء على هذه التجربة للوصول إلى نتائج أفضل في الـمستقبل، ويجب أن تتعلم درس أن تتبنى قضايا الـمجتمع، وأن تتتشابك مع الناس في مختلف الأماكن، وأن تكون صوتا لمن لا صوت لهم، وهذا ما تعتمد عليه جبهة العمل الإسلامي التي تتبني في العادة مختلف قضايا الـمجتمع، ولا نريد في هذا المقام الـمقارنة بين أحزاب حديثة التأسيس مع حزب قديم لديه خبرات متراكمة، وجمهور متماسك، وقاعدة جماهيرية واسعة.
لم تكن مفاجأة خسارة اليسار المدوية في الانتخابات، لأنهم مع احترامي الشديد لهم لم يتمكنوا من الوصول إلى الناس، واعتمدوا على مظلومية أن الاخوان الـمسلمين أخذوا قبل عقود طويلة فرصتهم للعمل وحدهم في الساحة، بينما كان يتم قمع اليسار، لكن مرور أكثر من ثلاثين سنة، والـمجال مفتوح للجميع، وربما كان الـمجال أقل فسحة للاخوان الـمسلمين، يبطل هذه الحجة، ويدحضها، ويبين أن مشكلة اليسار لم تكن في التضييق عليهم قبل عقود طويلة، بل فيهم أنفسهم لأنهم – ومع احترامي الشديد- لم يصنعوا خطابا قريبا من الناس، وإن كنت اعتقد – مع اختلافي  مع اليسار- أن وجودهم بقوة أكبر يعطي الـمشهد الديمقراطي الأردني طعما آخر، ويسهم في تعميق التجربة، ويثريها، ولكن هذا  ما حصل، ونتمنى عليهم الاستفادة من دروس ما حصل.
المؤلم أن بعض الأقلام من أصحاب اتجاهات معينة وفي مقالات صادمة يلوحون بوأد التجربة الجديدة، والغريب أن هؤلاء الناس الذين ينادون بالديمقراطية ليل نهار، لا يرغبون بنتائج الصناديق إذا لم تأت على مقاسهم، فإذا انتخبهم الناس فإنهم أصحاب وعي وثقافة، ودراية، وإذا لم ينتخبوهم فقدوا حقوقهم الأساسية في الانتخاب والاختيار، وقد أثبتت التجارب أن القمع لا يؤدي إلا إلى الخسارة، والكبت، والـمشاكل، وأن الديمقراطية الحقيقية المتدرجة ستؤدي إلى الدفع بالافضل إلى البرلمان، ومواقع المسؤولية، وستساهم في تقوية جبهتنا الداخلية.
 جبهة العمل الإسلامي – أحد الأحزاب الفائزة في الانتخابات- أثبتت مع الأيام أنها تحترم الخيارات الديمقراطية، والأحزاب الجديدة التي حصلت على مقاعد وازنة مثل حزب الميثاق الوطني لديه رؤية عميقة، وخبرات كبيرة بين أعضائه، وهو يؤمن بالديمقراطية، وأتوقع أن يبلي أعضاؤه الفائزون، مع الحزبيين الآخرين بلاء حسنا في البرلمان.
الأردن وشعبه العروبي الطيب يستحقون كل خير، ونطلب من البرلمان الجديد أن يكون على قدر هذا الشعب المعطاء، لنصل إلى تمتين جبهتنا الداخلية، ومواجهة التحديات، والصمود في وجه أي عاصفة مهما كانت قوية والأردن بنظامه، وحكومته، وأحزابه بكافة اطيافها، بل ومعارضته قادرون على ذلك، فنحن – الأردنيين– نؤمن بأنفسنا، وبدولتنا، وبأننا سننجر الأفضل - بإذن الله-.