عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Jan-2021

المواقف ليست خطابات ملعلعة* رمزي الغزوي

 الدستور

طالب بعض النواب أن تكون المساحة الزمنية مفتوحة أمام النائب للرد على بيان الحكومة، التي تقدمت به لنيل ثقة المجلس، الذي توافق على ألا تتجاوز 20 دقيقة. وهذا زمن طويل جداً، إذا ما قيس بعصر السرعة والتكثيف، وأرى أن من الأنسب ألا تزيد تلك المساحة عن 5 دقائق، وهي كافية وافية، لمن أراد أن يهذّب ويشذّب من خطابه مبتعدا عن الحشو والمطمطة والتغميس خارج الصحن.

مضى زمن الخطابات العرمرمية الطويلة العصماء البتراء ذات الصوت الملعلع المزبد. فنحن في عصر الومضة والدقة والمباشرة إلى بيت القصيد، دون التلطي بعبارات ممجوجة مستهلكة. كما أن الخطاب الطويل سهل جداً، ومتاح ولا يحتاج إلى أي جهد، فيما يتطلب الخطاب المكثف القصير عملا وحرفية وتدريبا وبحثا ودقة قد لا يتقنها كثيرون.
يقع نوابنا الكرام في مطب أن الواحد منهم يريد أن يشخّص ويعالج وينتقد ويطالب بكل شيء في خطابه. والأخطر من هذا أن مقاصد هذا الخطاب في الغالب الأعم لا تتوجه إلى الحكومة وبيانها، أو إلى المجلس بقدر ما تكون عين النائب وقلبه على قاعدته الشعبية التي يعتقد أنها تنتظر منه أن يدغدغ مشاعرها، ويستعرض أمامها بطولاته الخطابية في المد والترخيم ورفع الصوت.
ولهذا تعودنا عبر مجالس عابرة للحكومات على تحمل خطابات مملة وطويلة ذات ديباجة تصلح لتكون خطبة موحدة لكل بيان ثقة قادم أو فائت. فهي مكرورة بعباراتها وأفكارها وطريقة سردها، ولا تقوم على مقارعة الحجة بالحجة، ولا مبنية على معلومات وبيانات وحقائق، بل تعوم طافية على السطح دون أن تضرب العمق. كما أن هذا النوع من الخطابات يشكل تناقضا واضحا فاضحا لأصحابها، سيما حين يمنحون الثقة، بعكس ما جادت به قرائحهم المنبرية معتمدين على سوء ذاكرتنا: المواقف ليست بالخطابات.
وسيبقى أن الخطاب القصير المبني على المعلومة الحقيقية، المبتعد عن المحسنات اللفظية والبديعية متعب ويحتاج إلى عمل دؤوب. وهنا ينبري السؤال المستحق: هل يتعب نوابنا حقاً في إعداد وتجهيز خطاباتهم، والتدرب على إلقائها؟ أم أن الارتجال استراتيجية لا يحيدون عنها، ويتوارثونها مجلسا مجلسا؟.
أجدد اقتراحي على رئاسة المجلس أن توفر دورات تدريبية في مهارات الخطابة الحديثة لمن أراد من الأعضاء. ولا بأس أن توظف مدققي لغة يساندون النواب في تقديم خطبهم بعربية سليمة. فالخطاب وسيلة النائب لبثّ أفكاره وآرائه ومعتقداته، وعليه أن يتقن حرفة سيمتهنها لأربع سنوات أو أكثر.