عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Feb-2020

عندما تتدخل إسرائيل - ميخائيل ميلشتاين

 

هآرتس
 
مرة كل بضعة وقت، ولا سيما عندما يبدي المجال حولنا ضعفا، تنمو في اسرائيل شهية للتأثير على تصميم المنطقة بشكل يحسن وضعها الاستراتيجي. احيانا تكون هذه لفظية، واحيانا تكون خطوات تكتيكية واحيانا تحولات استراتيجية، ليست بالضرورة ايجابية من ناحية اسرائيل.
ولكن مؤخرا طرح مثال اشكالي لطريقة التفكير هذه في شكل الفهم الذي طور حول تصفية نشيط الجهاد الاسلامي الغزي، بهاء ابو العطا. فقد غلفت الخطوة التكتيكية الناجحة بتفسير استراتيجي، في اطاره وصف بأنه العائق المركزي الذي وقف في الطريق لتثبيت تسوية في قطاع غزة. فالتوتر الامني المتواصل مع القطاع يستوجب نظرة نقدية ليس فقط بالنسبة لمسألة ما الذي يحرك حماس وهل هي بالفعل ناضجة للتسوية أم ايضا بالنسبة لقدرتنا “لترتيب الامور” بين اعدائنا.
نظرة الى التاريخ البعيد والقريب تظهر سوابق فضلت اسرائيل على ما يبدو أن تنساها: ابتداء من “صفقة العار” في منتصف الخمسينيات والتي في اطارها جرت محاولة لتشديد التوتر بين مصر والغرب؛ عبر طريق حرب لبنان الاولى التي جسدت في اساسها ادعاء باعادة تصميم لبنان بخاصة والشرق الاوسط بعامة؛ وانتهاء بالافكار التي طرحت قبل نحو عقد للدفع الى الامام بالمفاوضات السياسية مع سورية، بما في ذلك فحص امكانية الانسحاب من هضبة الجولان بهدف دق اسفين بين دمشق وايران وحزب الله وتفكيك “معسكر المقاومة”.
في كل الحالات الماضية كان مطلوبا الكثير من الحذر والتواضع، الى جانب الاطلاع الدقيق على الجوانب الثقافية، اللغوية والتاريخية للمجال حولنا، والذي يؤدي غيابه احيانا الى العمل في ضوء “العاب استراتيجية” تقوم على اساس المنطق الغربي، ولكنها بعيدة في الغالب عن عملية التفكير الشرق اوسطي. لقد تسببت بعض السوابق التاريخية بالمفاسد واخرى أدت الى حالات من التورط والاضرار الاستراتيجية.
ينبغي أن اجند دروس الماضي لغرض التصدي لتحديات عملية تقف امامها اسرائيل. احد أبرز هذه الدروس هو “اليوم التالي” لابو مازن، والذي يجسد نموذجا اكثر تعقيدا لموضوع خارجي تتصدى له اسرائيل، كون الحديث يدور عن ساحة النفوذ الاسرائيلي عليها عميق والتطورات الداخلية فيها تؤثر مباشرة على اسرائيل. اسرائيل لا يمكنها أن تسمح لنفسها بان تتخذ جانب عدم الاكتراث التام في ضوء الواقع الذي سينشأ في المناطق وتعريفه كـ “شأن فلسطيني”، وعليها أن تستعد لمنع سيناريوهات خطيرة، وعلى رأسها سيطرة محافل متطرفة على المنطقة. وبالتالي فهي مطالبة بأن تتحرك بحذر شديد في المجال الذي بين الامتناع عن التدخل في العاب القوى داخل الساحة الفلسطينية واحترام القرارات التي تحسم فيها، وبين الرفض لقبول التهديدات التي من شأنها ان تكون ذات تداعيات استراتيجية.
في الجانب الاستراتيجي الواسع، سيواصل الشرق الاوسط التميز في المدى المنظور لعدم الاستقرار العضال الذي يرافق الصراعات والتوترات الداخلية. فالضعف واجواء التفكك في دول المنطقة من شأنه ان يخدع ويخلق احساسا بانه توجد فرصة للتأثير على طابعها. في هذا السياق نوصي بأخذ جانب الحذر في سياق الساحة الفلسطينية التي على خلفية صفقة القرن تبدو اضعف مما كانت في اي وقت مضى، ما من شأنه أن يغرس في اسرائيل الغرور حول قدرتها على “اعادة تصميمها”. تفعل اسرائيل الخير اذا ما ركزت في الوقت الحالي على تشخيص وتحييد التهديدات – مثلما جرى بنجاح في الساحة الشمالية – وتمتنع قدر مستطاعها عن فعل تصميمي من شأنه ان يتطور الى مستنقع مغرق.
 
رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه دايان في جامعة تل ابيب