عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Oct-2024

"تسارع الأخبار".. توترات نفسية تطرق أبواب العائلات على مدار الساعة

 الغد-تغريد السعايدة

 لم تعد علا تنتظر حتى ساعات الصباح لمتابعة الأخبار المتسارعة نتيجة التطورات المستمرة في الأحداث الجارية، بل أصبحت تتعمد الاستيقاظ بين الحين والآخر أثناء نومها، لتسرع إلى شاشة التلفاز أو هاتفها، خوفا من أن تفوتها أي تحديثات أو مستجدات.
 
 
وعلى الرغم من قدرتها على متابعة الأخبار كالمعتاد عند الاستيقاظ صباحا قبل توجهها إلى العمل، إلا أن خوفها من أن يفوتها أي حدث جديد، وخاصة إذا كان "تطورا كبيرا ومفصليا"، يدفعها إلى ضبط المنبه على هاتفها لتستيقظ مرات عدة خلال الليل، ومتابعة الأخبار عبر قنوات مختلفة إلى جانب هاتفها.
 
هذه الرغبة المفرطة بمتابعة الأخبار والترقب المستمر للأحداث الجارية في المنطقة تسببت في شعور علا بإرهاق شديد وتعب واضح، إلى جانب زيادة ملحوظة في التوتر والقلق. أصبح حديثها في مختلف الجلسات منصبا بشكل كبير على ما يحدث من تطورات وأحداث، مما أدى إلى إهمالها العديد من جوانب حياتها الأخرى، كما تعرضت لانتقادات من المحيطين بها بسبب انخراطها في مناقشة تفاصيل الأخبار بشكل مضاعف، بحسب تعبيرها.
هذا التسارع في الأحداث والأخبار التي باتت تمس أدق تفاصيل حياتنا يدفع الكثيرين إلى البقاء على مقربة من مصادر الأخبار التي تجذب الجمهور كلما كانت دقيقة وقريبة من الواقع، بل إن العديد من الناس باتوا يبحثون عن التحليلات الإخبارية لفهم ما إذا كانت "آثار الحرب ستمتد لتشمل أكبر عدد ممكن من الدول" في ظل التصعيد المتواصل والمقلق.
"متابعة الأخبار السلبية والمحبطة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي قد تؤثر سلباً على الدماغ وتلحق به ضرراً"، هذا ما خلصت إليه دراسات علمية أجراها باحثون في جامعة فليندرز بأستراليا. فقد وجدوا علاقة بين متابعة الأخبار السلبية وزيادة الشعور بالقلق واليأس وانعدام الثقة بالآخرين وبالعدالة في العالم. كما أن التعرض المستمر لهذه الأخبار قد يتحول إلى مصدر لصدمة غير مباشرة للمشاهدين أو القراء.
كما خلصت الدراسة إلى أن التعرض المستمر للأخبار والمعلومات السلبية عبر الإنترنت يمكن أن يؤثر على معتقداتنا بشأن الحياة والسيطرة التي نتمتع بها عليها. فقد يزيد من الشعور بأن الحياة هشة ومحدودة، وأن البشر في الأساس وحيدون، مع تعزيز الإحساس بعدم امتلاك الأفراد السيطرة الكاملة على مسار حياتهم.
وتوصي دراسة متخصصة أخرى بأنه "إذا أراد الإنسان الحفاظ على نشاط عقله ووظائفه الإدراكية، فلا ينبغي له قضاء أكثر من 30 دقيقة يومياً في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي". فهذه المنصات تحمل الكثير من الأخبار والتحليلات السياسية المتنوعة، التي قد تدفع الإنسان للتفكير بطريقة مشتتة ومختلفة في الوقت ذاته.
يشبه كثيرون هذا السلوك المفرط في متابعة نشرات الأخبار وكأنه "متلازمة مرضية لمتابعة الأخبار"، وهي الحالة التي يعاني منها والد سجود، الذي لا يكاد يبتعد عن الشاشة ولو لدقائق. كونه متقاعدا، يجد لديه متسعاً من الوقت لمتابعة الأخبار بشكل مستمر ومن دون انقطاع.
وتقول سجود إن والدها اعتاد لسنوات التوجه إلى المسجد القريب من منزله عند كل صلاة، حيث كان يجلس مع الجيران لفترة من الوقت يتبادل معهم الأحاديث ويمضي بعضاً من وقته. لكن منذ أشهر عدة، أصبح يسارع بالعودة إلى المنزل بعد كل صلاة ليتسمر أمام شاشة التلفاز، ثم يبدأ في النقاش والتعليق على الأخبار بطريقة تؤثر على أعصابه وتزيد من توتره.
توضح سجود أن تطور الأحداث الأخيرة في المنطقة زاد من تأثير نشرات الأخبار والتحليلات على والدها بشكل سلبي، حتى أنه بات يسهر حتى ساعات الفجر يتابع الأخبار، بعد ذلك يؤدي صلاة الفجر ويخلد للنوم لساعات قليلة أمام التلفاز، ليعود ويستيقظ على الوتيرة ذاتها. هذا الوضع أصبح مصدر إزعاج وقلق وخوف كبير للأسرة.
أصبحت هذه الحالة شائعة في العديد من المجتمعات في الوقت الراهن، حيث تزداد حدة التوتر كلما حدثت أحداث إقليمية أو عالمية جسيمة، كما هو الحال في الحرب الدائرة في غزة وجنوب لبنان، مع ترقب القصف وأوقات الرد، وما يترتب على ذلك من أحداث متسارعة ومتتالية لا تتوقف لحظة.
ما يزيد من تفاقم الوضع هو متابعة التحليلات الإخبارية لكثير من المراقبين السياسيين والعسكريين، سواء عبر شاشات التلفاز أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة. يبدأ الناس بترقب مدى مصداقية تلك التحليلات والتوقعات، سواء فيما يتعلق بالوضع السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي للدول، مما ينعكس بشكل كبير على حياتهم ويزيد من مخاوفهم وقلقهم على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.
يقول اختصاصي الصحة النفسية والعلاج النفسي، الدكتور أحمد عيد الشخانبة، في حديثه لـ"الغد" حول هذه الظاهرة المتزايدة يوما بعد آخر مع تطور الأحداث في المنطقة، إن الجموع تفرض على نفسها الاستعداد والترقب للأخبار الجديدة، التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة. وهذا يجعل التفكير بالمستقبل والترقب لما سيحدث مرتبطين بالقلق الدائم، خصوصاً فيما يتعلق بتتابع الأخبار أولاً بأول ولحظة بلحظة.
كما يرى الشخانبة أن الانشغال بالأخبار المتسارعة يولد القلق والهلع. وكما هو متعارف عليه، فإن هذا يؤدي إلى ظهور أعراض متعددة تؤثر على الصحة النفسية والجسدية للإنسان؛ حيث يعاني الفرد الذي يواجه هذه المشكلة من اضطرابات النوم، التي تعد السبب الرئيسي للأرق، بالإضافة إلى مشكلات في الجهاز الهضمي بشكل عام، مما قد يؤدي إلى ظهور أمراض أخرى متعددة، مثل زيادة الوزن المرتبطة بأمراض معينة، إلى جانب العديد من الأعراض الأخرى التي تظهر بشكل مباشر على صحة الإنسان.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الإهمال البدني والصحي لهذه الحالة قد يؤدي إلى ظهور أعراض نفسية تنعكس على شخصية الفرد في تعاملاته مع الآخرين. فعلى سبيل المثال، يشعر الأهل بالخوف على أطفالهم من التطورات التي تتناولها الأخبار، كما يتزايد القلق بشأن الأمن الوظيفي، خاصة عندما تتحدث الأخبار عن الانعكاسات الاقتصادية التي قد تطال العديد من الدول الواقعة في مناطق النزاع.
ومن المشاكل الأخرى التي قد يعاني منها الشخص الذي يتعرض لهذه المتلازمة في متابعة الأخبار؛ تغير علاقاته الاجتماعية مع الآخرين، والابتعاد عن المناسبات أحيانا، بسبب التوتر الكبير الذي يشعر به، مما يجعله يفضل الجلوس أمام شاشات الأخبار بدلاً من المشاركة في جلسات أو مناسبات مع الآخرين.
بيد أن علماء النفس قدموا مجموعة من الخطوات التي يمكن أن تسهم في الحد من الأعراض النفسية والجسدية الناتجة عن متابعة الأخبار. ومن هذه الخطوات الابتعاد عن التفكير السلبي في المستقبل والتركيز على الحاضر وقضاء أوقات ممتعة مع الآخرين. كما ينصح بممارسة الأنشطة المفيدة، مثل الرياضة والتنزه خارج المنزل من دون الحديث عن الأخبار، والاستمتاع بأنشطة يومية بسيطة مع أفراد الأسرة، وغيرها من الأفكار الإيجابية التي يمكن أن تعزز الإحساس بالطمأنينة.