عندما يمتزج الفرح بوجع الذكريات.. يبقى التخطي هو الخيار
الغد-ربى الرياحي
رغم صعوبة الأيام، تأتي لحظات الفرح لتداوي الجراح وتعيد الأمل لكل من فقده، ولتذكر باستحقاق الفرح بصدق ورغبة، لا بدافع الاضطرار. نحن نعيش الفرح دون تردد، نتشبث بلحظات استثنائية، رغم الذكريات المؤلمة التي ترفض أن تغادرنا، وتفرض حضورها القاسي على ذاكرتنا، كأنها تسعى لانتزاع سعادة قد لا تتكرر. ولكن بما أننا محكومون بالأمل، يبقى التخطي خيارنا الوحيد لمواجهة مشاهد تأبى أن تتحرر من قبضة الحزن.
"لا شيء مثل الفرح يعيد إلينا ألق الحياة"؛ بحسب رهام يوسف التي تقول إن الفرح زائر خفيف يمر مسرعا، مستغربة من أولئك الذين يخشون الفرح بل ويتحاشون لقاءه، وإذا قرروا يوما ما أن يفرحوا كان فرحهم خجولا يمارسون تفاصيله على استحياء مستسلمين لعتمة الحزن ولذكريات تعاند النسيان.
أما هي فترفض أن تعيش ذلك الصراع وتكون ضحية لأي ذكرى حزينة مرت بها واستوطنت روحها. رهام تعلمت أن تقدر اللحظة وتحترف صناعة الفرح بأبسط الأشياء المتاحة غير مكترثة بما يقوله الآخرون عنها، فالفرح حق مشروع للجميع لكن دون تعدي على ألم الغير. أما مازن (42 عاما) فيجد أن الذكريات الحزينة أكبر عدو للفرح، مستغربا من جرأة البعض في تعكير فرحة الآخر ولومه على إحساسه وقد يتهمونه بالأنانية فقط لأنهم لا يعرفون كيف يكون الفرح دعوة جديدة للحياة.
وتبقى الذكريات حاضرة تطارد الإنسان في أوقات الفرح، لكن الاحتياج للسعادة سيجعلنا نتخطى الحزن.
بدوره يبين الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة "أن الفرح لحظات استثنائية نقتنصها من الحياة متى تهيأت، لذلك لا بد من استقبالها والاستسلام لبهجتها بتعمق، نحن في الفرح نكون ألطف وأكثر إشراقا نقبل على الحياة كالأطفال غير مبالين بكل الصعوبات من حولنا".
ويضيف؛ "في وقت الفرح تحديدا ننسى كل شيء ونقرر أن نفرح فقط لكن أحيانا نفقد سيطرتنا على اللحظة ونسمح لبعض الذكريات السيئة بالمرور لتثقلنا بالهموم وتفصلنا عن جمال اللحظة وما فيها من دفء وأمل وسط ذكريات مرة تركت فينا مشاعر قاسية نستعيدها كلما حضرت تلك الذكريات وفرضت حصارها علينا وقيدت الفرح داخلنا".
ووفق مطارنة؛ فإن الذكريات الحزينة أو السيئة تبقى عالقة في الذاكرة لا تنسى أبدا، لذلك نحتاج أن نتعامل معها بوعي حتى لا نعيش أسرى لها عاجزين عن تذوق الفرح في أبسط الأمور، كما من المهم أن نتصالح معها لكن دون أن نستسلم لتسلطها فنحن عندما نفرح نعطي أنفسنا فرصة لرؤية الحياة بشكل أجمل ويصبح كل شيء صعبا هينا.
في حضرة الفرح ليس من حق أحد أن يستكثره على الآخر أو أن يهاجمه، مشيرا إلى أن تلك اللقطات العابرة رغم ما فيها من ألم وحزن إلا أنها كانت في يوم من الأيام درسا، ولهذا عند مرورها وسط لحظات الفرح ينبغي تخطيها وتجاهلها والتفكير بإيجابية.
وبحسب مطارنة، خيار التخطي يساعد في اختفاء تلك المشاعر السيئة المرافقة للذكرى، لكن الذكريات ستبقى محفورة في الذاكرة لن تغادرها نحن فقط نستطيع أن نمنعها من التمادي والتسرب إلى أيامنا.
ويرى الاستشاري الاجتماعي والأسري مفيد سرحان أن الإنسان يبحث عن الفرح والسعادة، وهو بحاجة له من الناحية النفسية والاجتماعية والصحية.
ولعل طبيعة الحياة والظروف التي نعيشها والأعباء الاقتصادية والحروب والأزمات جعلت من الشعور بالحزن والهموم يغلب على حياتنا، وتصرفاتنا عدا عن النفسية والتعامل مع الآخرين.
والفرح ضروري للإنسان وأسرته، لأنه يساهم في التقليل من أثر الخوف والقلق حتى وإن كان هذا الفرح مؤقتا. والإنسان بحاجة إلى الفرح حتى في أصعب الظروف، حتى لو كان لفترة قصيرة.
وتبقى اللحظة هي من تمكننا من التغلب على الصعاب، ولذلك ليس من الغريب أن نجد من يعيش في ظروف الحرب وتحت القصف أن يجد لحظات للبهجة؛ فصناعة الفرح فن وهي مهمة صعبة، لكنها مهمة وآثارها كبيرة، حتى في الظروف الطبيعية، فالحياة لا تخلو من المشكلات والمواقف الصعبة أو الحزينة.
والإنسان بحاجة دائما إلى التغيير وكسر الروتين؛ لأن ذلك يقوي من نفسيته ويمنحه الدافعية للعمل، وفق سرحان، ولذلك فإن من المهم أن يبحث الإنسان عن السعادة وأن يغتنم الفرص لتحقيق ذلك، وألا يبقى أسيرا للهموم والحزن لأن ذلك يؤثر على صحته وعطائه وعلى من حوله.
وفي غمرة البهجة قد تتسلل للشخص بعض اللقطات أو المواقف الحزينة أو الصعبة. فتكون سببا في تغيير مزاجه ونقله نفسيا من أجواء الفرح إلى أجواء الكآبة والحزن وربما يقول تذكرت "كذا" أو يقول "لا شيء"، وعندها فإن مشاعر القلق تخيم على من حوله.
ومن الأشخاص من ينقل الكلام في مناسبة الفرح أمام من حوله للحديث عن مشكلة حدثت قبل فترة. أو عن شخص فقده وعما ألم به من حزن. حتى أن بعض الأشخاص أصبحوا معروفين لدى القريبين منهم بتقلب المزاج وتغير النفسية، فيبتعد الأصدقاء عن مجالستهم في المناسبات.
ويلفت سرحان بأن قدرة الإنسان على الفرح تعكس قدرته على الخروج من الأزمات وتجاوزها، حتى وسط ما يحدث من حولنا من قتل ودمار وتجويع وتشريد فإن علينا أن نمتلك القدرة على إحداث التوازن ونكون قادرين على المحافظة على نفسية قوية قادرة على التحمل وتقديم ما نستطيع من عون ومساندة.
وينصح سرحان مشاركة الآخرين أفراحهم ومجالسة الأصدقاء والزملاء في جلسات تكسر الروتين اليومي مهمة في الاستمتاع بلحظات الفرح والتلذذ بها.
إلى ذلك؛ قوة الإرادة والتحكم بالمشاعر السلبية وعدم الاستسلام لبعض المواقف الصعبة أو الأحداث المزعجة أن تتحكم في حياتنا وتجعلنا نغرق في الحزن معظم الوقت، دليل على امتلاك شخصية قوية مؤثرة. وتخطي مسألة الحزن لا يعيب الإنسان، فالمواقف المحزنة لا تعني أنها ستصبغ حياتنا إلى الأبد.