عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Feb-2025

من يحكم الآخر: أميركا أم (إسرائيل)؟*د. صلاح جرّار

 الراي 

لا أشكُّ في أنّ هذا التساؤل قد جال في خواطر كثير من الناس، فتارةً يرون أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تتحكّم في الكيان الصهيوني في فلسطين وتستطيع أن توجّهه في الاتجاه الذي تريده، ودليلهم على ذلك أنّه لولا المساعدة الضخمة الأمريكية والأساطيل الجويّة التي نقلت السلاح والعتاد للكيان الصهيوني بعد عملية طوفان الأقصى لما صمد هذا الكيان أمام المقاومة الفلسطينية ولما استطاع أن يواصل عدوانه الهمجي على غزة نحو خمسة عشر شهْراً.
 
إلاّ أنّ ما شهدته العلاقة بين هذا الكيان والإدارة الأمريكية في عهد الرئيس جون بايدن وما تشهده الآن في عهد الرئيس دونالد ترامب، وما كانت تشهده هذه العلاقة في عهود الرؤساء السابقين للولايات المتحدة الأمريكية، كلّ ذلك يكشف عن مشهد ثابت مشترك بين هؤلاء الرؤساء جميعاً ينفي كلّ ما يظهر من فوارق بين الديمقراطيين والجمهوريين، ويؤكد أنّ ثمّة جهة تتحكم في الرؤساء جميعاً وتوجّههم نحو مسارٍ واحدٍ يسلكه الجميع ويصبّ في خدمة الاحتلال الصهيونيّ.
 
إنّ ثمّة أدلة لا تحصى تظهر كلّ يوم وتؤكد أنّ الولايات المتّحدة الأمريكية هي بلدٌ محتلٌّ ويخضع للاحتلال الإسرائيلي وأنه يمكننا أن نطلق على أمريكا اسم الولايات المتحدة المحتلّة. وإلاّ فما الذي يعنيه أن تسبق الولايات المتحدة الكيان الصهيوني في مطالبه ورغباته ومطامعه وأنّ ما يطالب به هذا الكيان أقلّ بكثير ممّا تطالب به الإدارة الأمريكية لصالح الكيان؟ إنّ ذلك يعني أن أمريكا هي خطُّ الهجوم الأوّل على الفلسطينيين والعرب خدمة للاحتلال الصهيوني، وهذا يعني أنّ أمريكا هي أداة صهيونية، تأمرها (إسرائيل) وهي تنفّذ وتتجاوز في تنفيذها حدود ما تطلبه (إسرائيل). ولو استعرضنا ما قدّمته الإدارة الأمريكية للكيان الصهيوني في عهد الرئيس السابق (الديمقراطي) جو بايدن لربّما استغرق ذلك كتاباً ضخماً. وأمّا ما يقدّمه هذا الرئيس الحالي (الجمهوري) دونالد ترامب فهو يزيد كثيراً عمّا قدّمه بايدن، ومعنى ذلك أن الإدارات الأمريكية تتسابق في خدمة سيّدها الإسرائيلي، وأنّ هذه الإدارات تبدي استعدادها قولاً وعملاً للتضحية بالمصالح الأمريكية والمخاطرة بها في سبيل خدمة المصالح الإسرائيلية وإيثاراً لها على المصالح القوميّة الأمريكية. إنّ الولايات المتّحدة الأمريكية تعلم أنّ مواقفها الخادمة للصهيونية قد تلحق بها أضراراً فادحة، أهمّها ما ينشأ من كراهية لأمريكا في نفوس العرب والمسلمين والعالم، وهي كراهية لها آثارها البعيدة القادمة في مقبل الأيّام، وهي تعلم كذلك أنّ مقاطعة العرب والمسلمين للبضائع الأمريكية يمكن أن تلحق ضرراً بالاقتصاد الأمريكي، وهي تعلم كذلك أنّ في أيدي العرب أوراقاً كثيرة للضغط يمكن اللجوء إليها في أيّ وقت، ومع ذلك فإنّ هذه الإدارة الأمريكية الحاليّة بلغت درجة غير مسبوقة من الهوس بخدمة الصهاينة والسعي إلى تمكينهم من ارتكاب حروب الإبادة في فلسطين وغيرها وتهجير الناس إلى بلدان عربيّة أخرى ظلماً وعدواناً، وحثّهم على ما يسمّونه (تغيير وجه الشرق الأوسط) وفي ذلك تطاول على دولٍ كثيرة تدخل ضمن خارطة الشرق الأوسط.
 
إنّ الأدلّة على تبعيّة الولايات المتحدة الأمريكية للكيان الصهيوني هي أدلّة ساطعة قاطعة مانعة وتتّسم بالكثير من المجاهرة والوقاحة والانصياع الزائد عن الحدّ للرغبات الصهيونية، وأبرز هذه الأدلّة أن ترامب بدأ عهده الجديد بإرسال شحنات من القنابل الفتاكة لدولة الاحتلال وبتهديد أهل غزة المنكوبين بالجحيم، ثم أتبع ذلك بمجموعة من القرارات التنفيذية التي تنبئ عن أن الهمّ الأوّل لهذا الرئيس هو خدمة الاحتلال الصهيوني وتحقيق أهداف نتنياهو وبن غفير وسموتريش في غزّة والضفّة الغربيّة والأردن ومصر والسعودية ودول الشرق الأوسط.
 
ومن هذه القرارات محاسبة محكمة الجنايات الدولية على قرارها الصادر ضدّ نتنياهو وغالانت، إذ يرى ترامب أنّ قرار هذه المحكمة هو عدوان على حلفاء أمريكا.
 
ومن قرارات ترامب التي تمثّل انتقاماً من خصوم (إسرائيل) قراره بمحاسبة دولة جنوب إفريقيا لأنها اتهمت الإسرائيليين بارتكاب حرب إبادة ضدّ أهالي غزّة ورفعت قضية ضدها في محكمة العدل الدولية.
 
ومن قراراته أيضاً تجريم كلّ من تظاهر ضدّ الاحتلال الصهيوني، وأمّا قراراته وثرثراته في أثناء زيارة نتنياهو له في البيت الأبيض فهي ممّا لم يكن نتنياهو يحلم به، وهو مطالبته بتهجير أهل غزّة إلى الأردن ومصر وتهديده لهذين البلدين بوقف المساعدات الأمريكية لهما إن هما رفضا التهجير.
 
وأما ما صرّح به يوم الثلاثاء الماضي 11/ 2/ 2025 عندما حدّد الساعة الثانية عشرة ظهر يوم السبت (15/ 2) موعداً نهائياً لحماس لإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، وإنّ حماس إن لم تفعل ذلك ستفتح عليها أبواب الجحيم، وهو يقول ذلك متغافلاً عن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرّة لاتفاقية تبادل الأسرى.
 
إنّ هذا اللسان الذي يتكلّم به ترامب بكلّ وضوح ووقاحة في معاداة الفلسطينيين والعرب لا يمكن إلاّ أن يكون لساناً صهيونياً بامتياز، ولا يمكن لدولة غير صهيونية أن تتحدث بمثل هذا الحديث، مما يؤكد بكلّ وضوح أن أمريكا وطنٌ محتلّ يحتلّه الإسرائيليون ومنظماتهم وعملاؤهم وأذنابهم في الولايات المتحدة.
 
ولئن كانت الولايات المتحدة الأمريكية لها تاريخ في الإجرام والإبادة وارتكاب المجازر في أماكن شتّى من العالم، إلاّ أنّني أرى أنّها دولة خاضعة للاحتلال الصهيوني، وأتوقع لها أن تشهد قيام حركات تحرّر ضدّ هذا الاحتلال وقد تكون هذه الحركات خطيرة ودمويّة وذات تأثير على الأمن والاستقرار في كثير من دول العالم.