عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Dec-2019

لجأت للصورة السردية لتبسيط مادتها المعقدة الصحافة العلمية تعزز حضورها بالتفاعل مع إيقاع الحياة
 
 
القاهرة -الشرق الاوسط-  منى أبو النصر - رغم انتشارها غير المتكافئ مع أهميتها؛ فإن الصحافة العلمية تبذل الكثير عبر جهود القائمين عليها، لمحاولة تحقيق حالة من الحضور الإعلامي والصحافي. ولعل إحدى التقنيات التي تشغل الصحافيين العلميين في مصر، هي استخدام تقنية الكتابة السردية «الحكي» في تقديم القصص العلمية للجمهور، سعياً لكسر الصورة النمطية المرتبطة بالمادة العلمية، واعتبارها مادة جافة غير متفاعلة مع إيقاع الحياة اليومي البسيط، ومن ثم توسيع قاعدة قراء هذا المحتوى على المدى الأبعد.
 
حول هذه الإشكالية، تؤكد الدكتورة حنان بدر، مدرس الإعلام بجامعتي القاهرة وبرلين الحرة، أن «العلم بطبيعته متداخل في كل جوانب الحياة اليومية، والصحافة يجب أن تتعامل معه من هذا المنطلق، لتحقق حلقة وصل بين العلم والجمهور، مثال ذلك قضية التغير المناخي، وهي قضية تمس كل دول العالم، وحياة كل البشر، ما يجعل أسلوب الحكي والسرد، كأسلوب صحافي، الأكثر قُرباً مع خطاب الجمهور بشكل مُبسط، يجعل منها وسيطاً مناسباً للجمهور العام، بعيداً عن الصورة النمطية المرتبطة بالمواد العلمية كمواد معقدة».
 
وتطرح حنان إشكالية تلخصها في أن «أغلب المنابر العلمية الجادة في العالم العربي، هي، في الحقيقة، أفرع عربية من منتجات ذات محتوى إعلامي وعلمي دولي، مثل النسخة العربية من (نيتشر)، أو (ناشيونال جيوغرافيك)»، مُنوهة بأنه «من الضروري البحث في تأسيس مشروعات عربية للمحتوى العلمي بشكل احترافي».
 
والدكتورة حنان بدر، كانت مديرة المحتوى في «مؤتمر دولي يتعلق بالرؤى المتعددة للصحافة العلمية» نظمه «معهد غوته» بمصر أخيراً، وبحث المؤتمر تفاعل منابر تواصلية كـ«يوتيوب» والسينما مع المواد العلمية وتأثيرها على الجمهور، ومنها أمثلة كقناة «إسبيتاليا» على «يوتيوب» التي تقدم محتواها طبيبة مصرية، هي إيمان الإمام، وفيلم «أسماء» عن مريضة تواجه المجتمع بإصابتها بمرض الإيدز.
 
وتعلق حنان على هذا التوسع في تناول الوسائط التواصلية، إلى جانب الصحافة التقليدية، بقولها: «لا يمكن أن نتجاهل دور الوسائط الإلكترونية والسينما والدراما في مجتمع نسبة أميته مرتفعة، ويفضل كثير منه إلى الآن تلقي المواد الدرامية عن قضاء وقت في القراءة والبحث».
 
وتقف إشكالية تدريب الصحافيين عقبة أمام الصحافة العلمية، لا سيما مع الاختلاف النوعي لطبيعة المادة العلمية، واحتياجاتها المُتخصصة، وهو ما تتحدث عنه غادة الشربيني، مسؤولة البرامج الثقافية بـ«معهد جوته» في سياق مبادرة المعهد لتدريب كوادر من الصحافيين العلميين. وتقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعهد بدأ منذ سنوات برامج لتدريب الصحافيين، ثم تخصص منذ ثلاث سنوات في الصحافة العلمية، وذلك بالشراكة مع الهيئة الألمانية للتبادل العلمي (DAAD)، وبرعاية من وزارة الخارجية الألمانية بشكل مباشر. وترتكز البرامج التدريبية على تقديم صحافة علمية موجهة للقارئ العادي، وليس فقط في الجرائد المتخصصة، إنما نستهدف أن تكون مادة متوفرة في الصحف اليومية، واستخدام تقنيات الـ(مالتي ميديا) الحديثة لتسليط الضوء على الاكتشافات العلمية من جهة، ومواجهة الأخبار العلمية الزائفة، من جهة أخرى، فالفرق بين العالم والصحافي، أن الصحافي يكتب عن البحث العلمي بشكل مبسط وممتع في الوقت نفسه».
 
وتشير غادة إلى أن مشروع «العلم حكاية» قام خلال ثلاث سنوات بتدريب نحو 50 صحافياً من مصر والعالم العربي، والملتحقون بورشة هذا العام قاموا بزيارة العديد من المعاهد العلمية ومؤسسات صحافية ألمانية، منها «تاجشبيجل»، والوكالة الألمانية للأنباء (DPA)، ومجلة «جيو» المتخصصة في المواد العلمية، في محاولة لتشبيك الصحافيين من مصر والعالم العربي بصحافيين من ألمانيا متخصصين في المحتوى العلمي.
 
الصحافي العراقي عمر مريواني، وهو رئيس تحرير موقع «Real - sciences.com»، أحد الحاصلين على التدريب الذي نظمه «معهد غوته»، وله تجربة في تأسيس موقع علمي في بلاده، قال إن «هذا الموقع الذي بدأ قبل ثماني سنوات يستهدف التصدي للمعلومات الزائفة التي تتقنع بقناع العلم والخرافة، والموقع يسعى لتقديم إرشادات للعاملين في الصحافة العلمية، ونقل الأبحاث الموثوق بها، وكذلك القيام بأبحاث بشكل إحصائي تبحث في موضوعات اجتماعية، بشكل مُعمق كموضوع نشر على الموقع يناقش الخرافات العراقية»، مضيفاً: «عدد القراءات المتصاعد للموقع تعطي لنا مؤشرات حول ارتفاع الاهتمام بالمحتوى العلمي».
 
وتواجه أزمة عدم إتاحة البيانات عائقاً أمام قدرة الصحافي العلمي على تغطية قصته بالشكل المرجو، تعبر عن ذلك الصحافية المصرية نورهان مجدي، التي تقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «تغطيتها لموضوعات تخص المياه الجوفية، على سبيل المثال، تجد به تضارباً كبيراً على مستوى المصادر، علاوة على مشكلة عدم إتاحة المصادر، بما في ذلك مصادر المجتمع المدني والمشروعات، وليس فقط المصادر الرسمية التي تواجههم في التعامل معها إشكالية أخرى، وهي عدم تحديث البيانات والإحصاءات والتقارير السنوية بشكل مستمر، ما يجعل الصحافي العلمي في مواجهة مع نقص المعلومات من مختلف الأطراف».
 
من جهته، يؤكد الصحافي المصري أشرف أمين، رئيس القسم العلمي بجريدة «الأهرام» المصرية الرسمية، على «أهمية الحفاظ على دورية ثابتة للحوارات التي تدور بين الممارسين للصحافة العلمية من جهة، والباحثين والأكاديميين من جهة أخرى، وكذلك التلاقي بين الصحافيين من مختلف الدول للاطلاع على القضايا المشتركة التي تشغل جميع صحافيي العالم تقريباً، فيما يتعلق مثلاً بمستقبل الصحافة الورقية»، مضيفاً: «هناك قدر من اللوم على عدم وجود إعلام متخصص في العلوم حتى الآن، حتى مشروعات التخرج الصادرة من كليات الإعلام، من النادر أن نجد بها مشروعاً متخصصاً في الصحافة العلمية، وربما حدث هذا مرة واحدة فقط في مشروع تخرج من جامعة بني سويف، وهذا يبقينا في إشكالية مع التدريب، وظهور كوادر جديدة مدربة في هذا اللون من الصحافة».
 
وأوضح أمين: «من المهم أن نستمع خلال الحوارات التي تجمع الصحافيين العلميين ومتخصصين في مجال الأعمال، الذين يستطيعون دراسة، على سبيل المثال، كيف يمكن في ظل هيمنة (غوغل) و(فيسبوك) على سوق المعرفة، أن تصمد الصحافة، وتجد لها منبراً مغايراً، وهذا أمر لن يستطيع الصحافيون وحدهم تحديده بدقة لأنه يحتاج لدراسات متخصصة».