الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
جون فيفر* - (فورين بوليسي إن فوكَس) 13/11/2024
سوف يمتد الضرر الاقتصادي من سياسات دونالد ترامب إلى ما وراء حدود الولايات المتحدة، خاصة إذا بدأت دول أخرى في فرض تعريفات انتقامية. من الواضح أن التجارة الحرة تنطوي على العديد من العيوب، لكن الحروب التجارية ليست هي الحل. وكما يشير أستاذ المالية، لويجي زينغاليس، فإن "النخبة النيوليبرالية تفهم بوضوح شديد أننا يمكن أن نكون مقبلين على مأساة؛ أن يشرع أضخم رجل في الحي في لعب دور البلطجي ليس بالأمر الجيد".
يشكل فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية دحضاً حياً لقولَين مأثورين: "الغشاشون لا يمكن أن يزدهروا"؛ و"القوة لا تصنع الحق".
وليست هذه مجرد كلمات يقولها الآباء للتخفيف عن أطفالهم الذين يتعرضون للتنمر. إنها، أو يجب أن تكون على الأقل، نص القانون حرفياً. من المراسيم المجتمعية، كل الطريق وصولاً إلى الاتفاقيات الدولية، تم بناء القانون حول الامتثال (ضد الغش) والقيود المفروضة على الجهات الفاعلة القوية (ضد التنمر). وكذلك هو حال العديد من الأنشطة القائمة على القواعد، مثل الرياضات الاحترافية، على سبيل المثال. وما عليك سوى أن تسأل فقط منتهكي القواعد، مثل الدرّاج صاحب السمعة المشينة لانس أرمسترونغ، أو المتنمرين مثل لاعب كرة القدم ديفيد برات الذي طرد من مباراة عند علامة الثلاث ثوان بعد اندفاعه العنيف نحو لاعب آخر.
لكن السياسة مسألة مختلفة. أصبح المتنمرون ومنتهكو القواعد مسؤولين عن العديد من البلدان اليوم، بمن فيهم فلاديمير بوتين في روسيا، وناريندرا مودي في الهند، وبنيامين نتنياهو في إسرائيل، ورجب طيب أردوغان في تركيا. والآن انتهك دونالد ترامب القوانين وشق بالتنمر طريقه إلى البيت الأبيض.
تجاهل الناخبون الأميركيون، أو احتفلوا، بسلوك ترامب المتمثل في سوء السلوك الذكوري. ثمة تقليد أميركي طويل من تكريم الخارجين عن القانون يعود على الأقل إلى أيام "بيلي ذا كيد"(1). وعلاوة على ذلك، استمتع العديد من الناخبين باحتمال إعادة الفتوة إلى البيت الأبيض للي أذرع روسيا وأوكرانيا ودفعهما إلى اتفاق، أو لي ذراع بنيامين نتنياهو للقبول بوقف إطلاق النار في غزة ولبنان. ولا يهم أن الولايات المتحدة لم تعد تمتلك هذا النوع من القوة، أو أن ترامب لا يتمتع بهذا النوع من النفوذ.
كان ثمة اعتقاد منتشر بين الناخبين أيضاً بأن ترامب يمكن أن يلعب دور البلطجي في قضية الهجرة، وترحيل جميع -أو عدد كبير من- المهاجرين غير الشرعيين. كما بدا أن الناخبين يحبون وعده بإلقاء ثقله في التجارة، من خلال تطبيق التعريفات الجمركية الشاملة على كل شيء. وقد أحب ترامب نفسه الحديث عن كيفية دفعه أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى إنفاق المزيد على الدفاع عن أنفسهم (وهو ما استشهد به رئيس الناتو، مارك روته، في تعليقاته على فوز ترامب الانتخابي).
لم يكن جميع الناخبين مصممين على وضع متنمر بلطجي في المكتب البيضاوي. أراد الكثيرون فقط أن ينخفض سعر اللحوم (على الرغم من صعوبة فهم كيف سيحدث ذلك عندما يقوم ترامب بترحيل عدد كبير من عمال المسالخ). ومع ذلك، من الصعب عدم رؤية تفضيل للتنمر المتجسد في كراهية النساء والعنصرية، الذي دفع العديد من الناخبين بعيداً عن كامالا هاريس ونحو ترامب.
مهما كانت ميول الناخبين الأميركيين، من الواضح أن ترامب سيلعب دور الفتوة عندما يصبح رئيساً مرة أخرى. هذه طبيعته فحسب. لكنّ ثمة طريقة لذكوريته. سوف يتبع خطط المتنمرين الآخرين -مثل فيكتور أوربان في المجر ودانيال أورتيغا في نيكاراغوا- في تدمير حياة المنافسين، واستهداف معارضة المجتمع المدني، والحد من الصحافة الحرة، وإعادة تنظيم قواعد الديمقراطية بحيث يتم ضمان حكم الجمهوريين في المستقبل المنظور.
ولكن، لأن أميركا هي أقوى دولة في العالم، سوف تكون لميول ترامب التنمرية صفة إضافية. سوف يستعرض ترامب عضلاته بطرق لا يستطيع قادة الدول الصغيرة محاكاته ببساطة. سوف يحاول استخدام منبره المتنمر لتأكيد الهيمنة الجيوسياسية والاقتصادية، وحتى الثقافية، للولايات المتحدة بما يتجاوز حتى ما فعله الرؤساء التقليديون.
لا يخدعنّك هذا الهراء عن انعزاليته المفترضة. لدى ترامب علامته الخاصة من الأممية (أو أن شركاءه الأكثر براعة على الأقل يمتلكونها). مثل بوتين وأوربان، سوف يعكف على نشر اللا-ليبرالية في كل ركن من أركان العالم -ليس لأن لديه تطلعات أيديولوجية كبيرة، ولكن لأنه يريد الترويج لعلامته التجارية الأحدث. ربما يكون لفشله في دعم حقوق الإنسان وسيادة القانون -هل تذكرون تملقه للحُكام المستبدين المعروفين بانتهاكهم لحقوق الإنسان؟- تأثير أكبر من أي دعم مباشر يقدمه للقادة أو الأيديولوجيات غير الليبرالية.
بمجرد التصويت على خروج ترامب من منصبه في العام 2020 -بعد أن كان قد انسحب مسبقاً من اتفاق باريس للمناخ، ودمر الاتفاق النووي الإيراني، وتخبط في الاستجابة لـ"كوفيد"، من بين كوارث أخرى- حاول المجتمع الدولي إصلاح بعض الأضرار على الأقل. كان الأمر أشبه بإصلاح منزلك على ساحل دمره إعصار. ولكن، فقط عندما تدق المسمار الأخير في السقف الجديد، تظلم السماء مرة أخرى ويكون عليك الاستعداد للعاصفة الكبيرة التالية.
هذه المرة، في أعقاب شن بوتين ونتنياهو هجماتهما الخاصة على "النظام القائم على القواعد" بغزواتهما على التوالي، هل يمكن للقانون الدولي أن ينجو من هجوم ثان يشنه عليه ترامب وزملاؤه من البلطجية؟
السكاكين مشهرة
مع ذلك، تحدث ترامب، الملياردير المدعوم من المليارديرات، نيابة عن كل أولئك الذين تخلفوا عن الركب بسبب السياسات الاقتصادية التي استفاد منها أنصار العولمة والاقتصاديون النيوليبراليون والنخب الساحلية. وعلى الرغم من أن معظم قادة النقابات اصطفوا خلف الديمقراطيين، إلا أن جزءاً كبيراً من القواعد والقيادات دعموا المرشح الأكثر شعبوية.
سوف يعاني المتعثرون اقتصادياً أكثر من غيرهم من سياسات ترامب الاقتصادية، بغض النظر عما وعد به خلال حملته الانتخابية. هذا بالتأكيد ما اكتشفه شون ماكغارفي، رئيس نقابات عمال البناء في أميركا الشمالية، بعد اجتماع كان قد عقده مع ترامب مباشرة بعد تنصيبه في العام 2017. الرئيس، كما يقول ماكغارفي الآن:
"لم يفعل أي شيء قال إنه سيفعله. لم يقم أبداً بإصلاح البنية التحتية. وكان مجلسه الوطني لعلاقات العمل مليئاً بالأيديولوجيين المناهضين للعمال. ولم يعالج مسألة المعاشات التقاعدية، ولك أن تسمي ما شئت. كان ذلك الاجتماع الأول هو كل الأشياء التي كان ينوي أن يفعلها. ثم خضنا أربع سنوات أشبه بقتال بالسكاكين في كشك هاتف".
بالنسبة لجميع أولئك الذين عبروا عن الحسرة بسبب التضخم، فإن التعريفات التي اقترحها ترامب سوف ترفع الأسعار في جميع المجالات: الإلكترونيات، والخضراوات المزروعة في المكسيك، والغاز الطبيعي الكندي، وغير ذلك الكثير. في المرة الأخيرة، كلفت تعريفات ترامب الأميركيين في حدود 230 مليار دولار. وهذه المرة، يخطط المصنعون مُسبقاً لزيادة الأسعار قبل فرض التعريفات الجمركية.
وسوف يمتد الضرر الاقتصادي إلى ما وراء حدود الولايات المتحدة، خاصة إذا بدأت دول أخرى في فرض تعريفات انتقامية. من الواضح أن التجارة الحرة تنطوي على العديد من العيوب، لكن الحروب التجارية ليست الحل. وكما يشير أستاذ المالية، لويجي زينغاليس، فإن "النخبة النيوليبرالية تفهم بوضوح شديد أننا يمكن أن نكون مقبلين على مأساة؛ أن يشرع أضخم رجل في الحي في لعب دور البلطجي ليس بالأمر الجيد".
بل إن الأكثر تدميراً هو ازدراء ترامب للطاقة المتجددة -طاقة الرياح "هراء"، كما قال، من بين أمور أخرى- وحبه للوقود الأحفوري. سوف يحاول ترامب إلغاء حوافز الطاقة النظيفة الواردة في التشريع الذي صدر في عهد بايدن. وسيعطي الضوء الأخضر لجميع مشاريع استخراج الوقود الأحفوري "حتى آخر قطرة". وسوف يطلق جهداً متجدداً في جميع أنحاء العالم للتشبث بالنفط والغاز الطبيعي (وهو إدمان أكثر خطورة من التشبث بالأسلحة والدين).
وراء كل المناورات الاقتصادية ثمة هدف بسيط: الحفاظ على هيمنة الدولار وتقويض البدائل (اليورو واليوان). وكما قال ترامب في حملته الانتخابية، فإن الدولار:
"في الوقت الحالي تحت حصار كبير. العديد من البلدان تغادر الدولار. لن يتركوا الدولار معي. وسوف أقول، ’أنتم تغادرون الدولار، أنتم لا تتعاملون مع الولايات المتحدة، لذلك سنضع تعريفة بنسبة 100 في المائة على بضائعكم".
يساعد تفوق العملة الأميركية على منع البلاد من الدخول في الحراسة القضائية بسبب كل ديونها. ومع ذلك، فإن تخفيضات ترامب الضريبية وخطط ترحيل المهاجرين لن تؤدي إلا إلى إغراق الولايات المتحدة في ديون أعمق -بما يصل إلى 15 تريليون دولار- وتزيد بالتالي من احتمالات أن تتخلى دول أخرى عن الدولار لصالح عملة أكثر استقراراً.
الحلفاء والخصوم
كان لترامب تأثير أكبر بكثير في التنمر على الحلفاء مما فعل مع الخصوم في فترة ولايته الأولى. فقد نجح ضغطه على حلفاء، مثل حلف شمال الأطلسي وكوريا الجنوبية، لتحمل المزيد من العبء الأمني، في انتزاع تعهدات بزيادة إنفاقهم العسكري. وفي الأثناء، مع إسرائيل، لم يكن هناك تنمر على الإطلاق لأنه أعطى نتنياهو كل ما أراده الزعيم الإسرائيلي.
فشلت البلطجة بشكل مذهل مع الخصوم. صرخ ترامب في وجه زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون وشوه سمعته، وهو ما لم يفعل أي شيء سوى وضع العالم بأسره على حافة الهاوية. ثم حاول التحدث مع كيم، ولم يحقق ذلك أي شيء أيضاً.
وفرض ترامب تعريفات جمركية على الصين، وهو ما لم تغير سياساتها. وطور ضغطاً بكامل الطاقة على إيران ونجح فقط في الإيذان بصعود حكومة أكثر تشدداً في طهران. وعلى الرغم من كل أنواع لغة التهديد، انسحب في المفاوضات مع طالبان ومهد الطريق للانسحاب الكارثي للجنود الأميركيين من أفغانستان في عهد بايدن. ولم يتحرك كل من بشار الأسد في سورية ونيكولاس مادورو في فنزويلا قيد شعرة بسبب تهديدات ترامب.
هل سيحسم ترامب، صانع السلام المولود من جديد، فجأة الصراعات في أوكرانيا وغزة؟ إذا انتهت هذه الحروب بوقف إطلاق النار، فلن يكون ذلك بسبب أي شيء يفعله ترامب. من المرجح أن يتشجع كل من بوتين ونتنياهو بفوز ترامب للدفع نحو تحقيق أهدافهما القصوى. ولعل السيناريو الكابوس هو أنهما ربما يعمدان حتى إلى تحريك حوامل الأهداف حيث يستهدف بوتين مولدوفا بعد تصويتها الأخير المؤيد لأوروبا، ويقوم نتنياهو بضم الضفة الغربية بالكامل.
إن السلام الوحيد الذي يمكن أن يتخيله ترامب هو ذلك الذي يكافئ البلطجي.
من المزعج، بالطبع، أن ترامب لن يذهب إلى السجن بسبب أخطائه. ولكن، أبعد من ذلك، ثمة الرسالة التي يرسلها فوز ترامب إلى الفتوات الحقيقيين والمتنمرين المحتملين في جميع أنحاء العالم: القواعِد توضع فقط للخاسرين.
*جون فيفر John Feffer: مدير "فورين بوليسي إن فوكوس". كتابه الأخير هو "الحق عبر العالم: الشبكات العالمية لليمين المتطرف واستجابة اليسار" Right Across the World: The Global Networking of the Far-Right and the Left Response.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Planet of the Bullies
هامش المترجم:
(1) هنري مكارتي Henry McCarty (17 أيلول/ سبتمبر أو 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 1859-14 تموز/ يوليو 1881)، المعروف باسم ويليام إتش بوني William H. Bonney، وباسم "بيلي ذا كيد" Billy the Kid، كان أميركياً خارجاً عن القانون ومقاتلاً مسلحاً في الغرب القديم يزعم أنه قتل 21 رجلاً قبل إطلاق النار عليه وقتله عن عمر يناهز 21 عاماً فقط. وهو معروف أيضاً بتورطه في حرب مقاطعة لينكولن في نيو مكسيكو، التي يزعم أنه ارتكب خلالها ثلاث جرائم قتل.