عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-May-2020

أحد قادتها المحارب في الجيش الأردني عبد الله السردية يستريح في تراب فلسطين منذ 72 عاماً

 

رام الله - الدستور-  محمـد الرنتيسي: - ظل الفلسطينيون يتندّرون، ببطولة وشجاعة ذلك الجندي العربي الأردني، الملازم عبد الله فلاح السردية، الذي أبلى بلاء حسناً في معارك الدفاع عن فلسطين، ورغم أن جرح النكبة الفلسطينية لم يندمل بعد، إلا أن مقاومة الثوار، لتلك العصابات الصهيونية، ظلت خالدة في الأذهان، بل إنها برأي كثيرين، هي من مهّدت الطريق لاستمرار مقاومة الاحتلال على مرّ الأزمنة والعصور.
 
في صبيحة يوم السابع من حزيران 1948، وبينما كانت العصابات اليهودية قد أحكمت قبضتها على معظم القرى والبلدات الفلسطينية، شنت تلك القوات هجوماً كاسحاً على قرية قولية القريبة من مدينة الرملة، مستخدمة معدات حربية ثقيلة وعدد من الجيبات العسكرية المصفحة، منحتها إياها حكومة الانتداب البريطاني.
 
وكان في قرية قولية، مصفحتان فقط، يستعملهما الثوار، لكنهما تعطلتا قبل اقتحام القرية بيومين، نتيجة لنقص الوقود، الذي لم تستطيع قيادة الثورة توفيره، بسبب قطع الخطوط والإمدادات، ولكن عندما هاجم جنود الاحتلال القرية، تصدى لهم الثوار ببسالة وبأسلحتهم المتواضعة، وظلوا يقاومون حتى نفدت ذخيرتهم، وكانت تأتيهم النجدة من قريتي رنتيس وعابود القريبتين.
 
ظلت الأمور تأخذ منحنى الكرّ والفرّ، حتى جاء موعد الهجوم المركزي على القرية، وانطلق الثوار من قرية رنتيس، وكان بينهم الملازم في الجيش العربي الأردني، عبد الله فلاح السردية، وكان قد اجتمع مع مختار القرية خليل العامر، وطلب منه توفير أكبر عدد ممكن من المتطوّعين، وبالفعل قام خليل العامر بحشد أعداد كبيرة وتسليحهم، وكان السردية على علاقة بقائد الفصيل في تلك المنطقة وابن رنتيس القائد الشهيد حسن سلامة، أحد أبرز قادة «الجهاد المقدس» ولهذا فقد أمسك بزمام القيادة في تلك المعركة الشهيرة.
 
ويروي علي عبد الرحمن حمدان، المعروف بـ»أبو ياسر الرنتيسي» أن القائد عبد الله السردية، بدأ التخطيط للمعركة وتوزيع الثوار حول خنادق المحتلين في محيط قرية قولية، وحددت ساعة الصفر للهجوم مع كلمة «الله أكبر» بآذان الفجر من ذلك اليوم المشهود، بدأ السردية ورفاقه بقصف مواقع العدو بالمدفعية، إلى أن نفذت الذخيرة، وفي تلك الأثناء بدأ أبناء قرية رنتيس والقرى المحيطة بها، بمشاغلة قوات الاحتلال التي كانت تتقدم بسرعة نحو قرية قولية، ونجحوا في تحريرها في بادىء الأمر، غير أن العصابات الصهيونية، استدعت قوات كبيرة، ما أجبر الثوار على الانسحاب وفق الخطة المعدّة مسبقاً.
 
وفي حديث لـ»الدستور» يروي الثمانيني عبد الكريم علي سليم، وهو أحد أقارب الشهيد حسن سلامة، أن الشهيد السردية كان مقاتلاً شجاعاً ورجلاً صنديداً، وشارك مع القائد الفلسطيني حسن سلامة في محاربة الانتداب البريطاني، وكان يتخذ من قرى المنطقة المحاذية لما يسمى «الخط الأخضر» موقعاً لعملياته ضد العصابات الصهيونية في معارك النكبة، وظل على هذا الحال حتى استشهد في معركة قولية الشهيرة، بعد أن قتل العشرات من جنود الاحتلال، بينهم قائد جيشهم في تلك المعركة.
 
يلخص الحاج أبو ربحي تلك الحادثة، فيقول: «قاتل عبد الله فلاح السردية، بكل ما يملك من سلاح وذخيرة، قبل أن يتعانق وجهاً لوجه مع قائد جيش الاحتلال، ويفجر ما بجعبته من قنابل يدوية، ليرديه قتيلاً مع مجموعة كبيرة من جنوده، قبل أن يرتقي شهيداً».
 
ويضيف: «بعد انتهاء المعركة، قام وجهاء قرية رنتيس المجاورة لقولية، بنقل جثمان الشهيد وبقية شهداء المعركة إلى مقبرة القرية، حيث دفن فيها، وما يزال جثمانه الطاهر يرقد فيها إلى يومنا هذا، حتى أنه أصبح مزاراً».
 
ويروي عدد من أبناء رنتيس، أنه ولدى دفن أحد شهداء معارك العام 1967، تم فتح ضريح الشهيد عبد الله السردية، بعد نحو 20 عاماً من استشهاده، فكانت الشهادة الحية، أن جسده بقي كما هو، ولم يتحلل، وبقيت ثيابه كما هي ولم تتغير، وكان جبينه يتصبب عرقاً ومقدمة شعره مُبتلة، ودمه زكياً قانياً كما لو أنه استشهد للتوّ!.
 
لقد جسّدت حادثة استشهاد الملازم عبد الله السردية على أرض فلسطين، علاقة غير قابلة للتحليل التاريخي أو الإجتماعي أو السياسي، وأثبتت أنه ليس من دم يمتزج تاريخياً كدم الفلسطينيين والأردنيين، فلا التاريخ ولا الجغرافيا يسمحان بالانسحاب من وحدة الدم، وحين كان الجندي الأردني يأتي للدفاع عن أرض فلسطين، فقد كان يأتي ليقول إن هذه الأرض هي جزء من عقيدة الأردني العروبي الدينية والسياسية والاجتماعية، وليس بعدها إلا نبوءة التحرير لأرض مقدسة محتلة، بترتيب رباني، وقرار سماوي، طال الزمان أو قصر.