عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-May-2025

داخل العقل الصهيوني*إسماعيل الشريف

 الدستور

الصهيونية ليست ديانة ولا قومية، إنها مشروع استعماري مبني على فكرة تفوق عنصري، يُخفي أطماعه وراء ستار الدين والتاريخ-  روجيه غارودي.
استضافت القناة الثالثة عشرة «الإسرائيلية « الصحفي الصهيوني الشهير زفي يحزقيلي، الذي صرّح خلال المقابلة بأن الجيش كان يجب أن يقتل في الأيام الأولى من الإبادة مئة ألف من سكان غزة، سواء كانت لهم علاقة بحماس أم لا!
في هذه المقابلة تحدث الصحفي عن جوهر الصراع الفلسطيني الصهيوني، فاستحضر لقاءً أجراه قبل عقدين من الزمن مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، وقال إن عرفات قال له بعد إطفاء الكاميرات: أنا لا أعترف بحقكم في الأرض، منطقكم يختلف عن منطقي، وكيف ينتهي صراع أنتم من اخترعتموه؟ لم أوافق عليه قط.
يمثل هذا الصحفي نموذجًا للتحول العميق الذي طرأ على المجتمع الصهيوني؛ فهو نفسه كان، حين التقى عرفات، علمانيًا، أما اليوم فيُقدّم نفسه كمستوطن متديّن، أي متطرف. آنذاك، كان من المقبول الحديث عن تقاسم الأرض بين الصهاينة والفلسطينيين، أما اليوم، فلم يعد ذلك مطروحًا، ففلسطين التاريخية بأكملها باتت تُعد «حقًا خالصًا» لهم. بل الأسوأ من ذلك، أن الفلسطينيين أنفسهم بات يُطلب منهم أن يردّدوا الرواية الصهيونية، وأن يعترفوا بأن فلسطين هي أرض اليهود، من البحر إلى النهر، وأن الله منحها لهم!
يرى هذا الصحفي أن الصراع لم يعد يدور حول الأرض، فهذه المسألة – في نظره – قد حُسمت لصالح الصهاينة منذ أن اعترف الفلسطينيون بحق «إسرائيل» في الوجود. أما رفض الصهاينة، بدعم أمريكي، لفكرة وجود وطن للفلسطينيين، فقد أنهى هذا الملف نهائيًا. وهكذا، لم يعد الصراع سياسيًا على الجغرافيا، بل تحوّل إلى صراع بين منظومتين من القيم والرؤى.
ينظر هذا الصحفي إلى العرب باعتبارهم مجرد مجموعات قبلية، تحكمهم منظومة من القيم والثقافة تختلف جذريًا عن تلك التي يتبناها الصهاينة. ويرى في طوفان الأقصى التجسيد الحقيقي لصدام بين رؤيتين ومنطقين متباينين. فلو كنا نفهم العقل العربي، كما يقول، لما فوجئنا بما حدث.
ويرى الصحفي أن مواصلة الضغط على الفلسطينيين، بدعم من الولايات المتحدة، سيدفعهم في نهاية المطاف إلى ترديد الرواية الصهيونية، والاعتراف بأنه لا حق لهم في أي شبر من أرض فلسطين.
وكان من بين الأسباب التي دفعت إلى إغلاق مقرات الأونروا، التي تشرف على تعليم نصف مليون طالب فلسطيني، سعيُ الاحتلال إلى تغيير المناهج الدراسية الفلسطينية، وطمس الرواية الوطنية، واستبدالها بالرواية الصهيونية. فالأونروا تُعدّ أحد الحواجز الأخيرة التي تقف في وجه فرض هذه الرواية بالقوة.
استغلت الصهيونية طوفان الأقصى، إلى جانب الدعم الأمريكي الأعمى، لتروّج رواية كاذبة تزعم أن حماس تسللت إلى صفوف المنظمة الدولية، وأن من بين موظفيها مقاتلين تابعين لها. وبحجة هذه الادعاءات، جرى إغلاق أعمال المنظمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تورد منظمة «إمباكت سي»   وهي منظمة صهيونية معنية بمراقبة المناهج المدرسية العديد من النصوص الواردة في المناهج الفلسطينية التي تسعى لطمسها. من أبرز هذه النصوص: ما يكشف كذب الرواية الصهيونية في تبرير احتلال فلسطين، وما يقدمه المنهج من سردية فلسطينية تؤكد أن اليهود جاءوا من شتات عالمي ومجتمعات متعددة لا تجمعهم خصائص عرقية سامية. كما يشمل الاستهداف مفاهيم الجهاد، والشهادة، والمقاومة، وتمجيد الانتفاضة، ووجود خرائط لفلسطين في الكتب الدراسية.
ويريدون فرض رواية جديدة يُراد للجميع أن يردّدها، مفادها أن «الأردن هو فلسطين»، وأن للفلسطينيين اثنتين وعشرين دولة عربية يمكنهم العيش فيها، بينما «إسرائيل» تمتد من البحر إلى النهر، وتشمل أيضًا أجزاء من الأردن والسعودية وسوريا ولبنان.
ما يجري اليوم يعيدنا إلى زمن الحروب الصليبية، حين كانت الأساطير والأكاذيب تُستخدم كمبررات لاحتلال الأراضي، وقتل السكان، ونهب الموارد. ألم يقل الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن: «هذه الحملة الصليبية على الإرهاب ستستغرق وقتًا»؟ وهل غابت عنّا الوشوم التي تزيّن جسد وزير الدفاع الأمريكي مايكل لويدز، الذي سيغادر منصبه في حزيران المقبل على خلفية فضيحته بتسريب معلومات حساسة للصهاينة تتعلق بضربات محتملة على إيران؟ فقد حمل على كتفه صليبًا كبيرًا، هو شعار فرسان الهيكل الذين خاضوا الحروب الصليبية، إلى جانب عبارات مأخوذة حرفيًا من تلك الحملات.
وأخشى أن يأتي يومٌ نُعامل فيه كما عومل أجدادنا في محاكم التفتيش بأوروبا، فلا يجرؤ أحد على معارضة الرواية الصهيونية، ونُدفع إلى مصير يشبه مصير المسلمين الموريسكيين، الذين أُجبروا على التنصّر، وأخفوا إسلامهم، فكانوا يصومون ويقرؤون القرآن ويمارسون شعائرهم الدينية في الخفاء، لأن اكتشاف أمرهم كان يعني القتل.
تهيّؤوا لما هو قادم. خبّئوا الكتب التي تروي الحق الفلسطيني، واحتفظوا بكتب التاريخ والجغرافيا، وعلّموا أبناءكم أن «إسرائيل» هي فلسطين، وأن الأردن هو الأردن، وأن المسجد الأقصى مقدس إسلامي، وأن فلسطين للفلسطينيين العرب. علّموهم أن الصهاينة سرقوا الأرض وقتلوا أهلها، وأن المقاومة جهاد. احتفظوا بصور الأطفال الشهداء وقصصهم، واكتبوا أسماء أبطال العرب والمسلمين: صلاح الدين، موفق السلطي، كايد العبيدات، وآلاف الأردنيين المسلمين والمسيحيين الذين استشهدوا على تراب فلسطين.