عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Mar-2025

تفكيك البناء السردي في رواية «العبور على طائرة من ورق» لزينب السعود

 الدستور-أحمد فرج الخليفة/ مصر

عن دار «الآن ناشرون وموزعون» صدرت رواية الكاتبة «زينب السعود» والمعنونة بـ «العبور على طائرة من ورق» في عمان في العام 2023، وقد تناولت الكاتبة في هذه الرواية ما أحدثته الحرب الروسية الأوكرانية من تبعات وتأثيرات نفسية واجتماعية على بعض شخصيات الرواية من الطلاب العرب الذين كانوا يدرسون في الجامعات الأوكرانية، وتبعات تأثيراتها على أسرهم، ومن حولهم.
ومن قرأ روايتها السابقة لهذه الرواية «الحرب التي أحرقت تولستوي» سيدرك أن هذه الرواية هي جزء مكمل لها، إلا أنه سيجد أن رواية «العبور على طائرة من ورق» لها بناء محكم منفصل عن العمل السابق، فهي رواية مكتملة العناصر والأركان لا تحتاج منك العودة إلى سابقتها لإكمال نقص في فهمها، أو تصحيح لبس.
- اختارت الكاتبة لفظ العبور وهي تعني به العبور من مكان إلى مكان، بينما المرور هو اجتياز لمكان، وهي تقصد هنا العبور من أوكرانيا وما فيها من حرب إلى العودة لأرض الوطن، وهناك عبور رمزي، يقصد به العبور من حال إلى حال، كعبور «هتاف» من حالها السابق -وهي الفتاة المدللة، والتي تجد تحكُّماً من والدها-، إلى حال آخر بعد وفاة أختها وابنها ريان، كما أن هناك عبور آخر، وهو عبور أمجاد من حالها السابق إلى حالها الجديد والذي قررت مواجهة مشكلاتها. وظهر ذلك في الصفحتين 279 و 280.
- استطاعت الكاتبة فهم دواخل شخصيات الرواية بكل ما تحمل من آلام، وصراعات، فصنعت متناقضات من خلال شخوص الرواية، فهذا «إلياس» خلوق، خدوم، وعلى النقيض «زياد» حقود، حسود، ويفتري على الناس.
ونجد «أميرة» عمة أمجاد وأنفال قد ضحت بشبابها لأجل الطفلتين، وتركت خطيبها، وعلى الجانب الآخر «سمية» التي ضحت بطفلتيها لتتمتع بشبابها وتتزوج.
وهناك «هديل» المطيعة، المسالمة، والتي اختار لها والدها دراسة طب الأسنان، فأراحها من عناء الاختيار، بينما «هتاف» على نقيضها، فقد كانت تحب الأدب، لكن والدها اختار لها دراسة الطب، لكنها في النهاية أصرت على اختيار الأدب دون رغبة أبيها.
- تميزت لغة الكاتبة بالقوة، والدقة، وكان الحوار بالفصحى، لكنها في بعض الحوارات استخدمت اللغة البيضاء، ونلاحظ أنها تمتلك لغة شعرية أخاذة، فمثلاً نجدها في صفحة 71 تقول: «من أين آتي بكلماتٍ ليس لها حواف جارحة كي لا أخدش مشاعرك؟»
فكانت لغتها جميلة موحية مكتنزة بالمعاني الدقيقة، والفكر العميق، وصياغة جملها محكمة لتصنع سرداً سهلاً سلساً متدفقاً، يتمتع بالإثارة والتشويق والترقب، فلا ملل ولا رتابة.
- برعت الكاتبة في استخدام تقنية الفلاش باك من خلال الشخصيات، والتي تعطي حرية في الحركة، كما أنها جعلت هنا البطولة متعددة، فلا تجد شخصية البطل الواحد، لذلك استطاعت الكاتبة صناعة أكثر من بطل يحكي لنا قصته، من خلال الراوي العليم- الفاعل (الراوي المشارك). مما جعل هناك أكثر من عقدة في الرواية.
استخدمت الكاتبة تقنية تعدد الأصوات ببراعة، وانتقلت من خلالها لأماكن عدة ما بين الأردن وتركيا وأوكرانيا [هتاف - أمجاد - الياس - عيد السلام - أميرة ]
- كما استخدمت السرد وما فيه من عمق في تقصي الشخصيات ودراسة دوافعها النفسية مع التعمق في عوالمها النفسية والمجتمعية وعقدها وأمراضها النفسية وظروف المجتمع المحيط
- خلت الرواية من الشخصيات الزائدة، فحتى الشخصيات الثانوية نجد أن تأثيرها يظهر في إحكام السرد
- الصراعات في الرواية نشأت من خلافات سابقة- كالصراعات التي كان يقودها دكتور عبد السلام، وكأنه هو محرك كل الصراعات بشكل غير مباشر، فالصراع مع أمجاد له خلفية قديمة لا تتعلق بها، والصراع بين إلياس وزياد كذلك مرجعه خلفية سابقة.
- قسمت الكاتبة الرواية إلى فصول، مما جعل قراءتها واستيعابها أمراً يسيراً. وبرعت في الوصف، ودقة التفاصيل.
- نكتشف من خلال قراءتنا للرواية مدى ثقافة الكاتبة الجغرافية، ودرايتها بالأماكن في أوكرانيا وتركيا بتفاصيلها وأسمائها.
- أرى أن الكاتبة تركت نهايات القصص مفتوحة ليس فقط ليشارك القارئ في صناعتها، ولكن ربما لنيتها في أن يكون هناك رواية تقوم على هذه الرواية، كما قامت هي على رواية « الحرب التي أحرقت تولستوي».