عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Feb-2025

ترامب يريد السلام في أوكرانيا، ولكن لماذا ليس في غزة؟‏

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

‏ميديا بنيامين‏‏؛ ‏‏ونيكولاس جي إس ديفيز*‏ - (كومون دريمز) 14/2/2025
‏بينما نقترب من الذكرى السنوية الثالثة لبدء الغزو الروسي لأوكرانيا، ثمة تحول هائل يحدث، وربما يؤدي إلى وضع حد لهذه الحرب الكارثية. ‏
 
 
‏وليس هذا التحول اختراقًا في ساحة المعركة، وإنما انعكاس صارخ لموقف الولايات المتحدة من كونها المورد الرئيسي للأسلحة والتمويل لإطالة أمد الحرب إلى كونها صانع سلام.‏
وعد ‏‏دونالد ترامب‏‏ بإنهاء الحرب في أوكرانيا إذا ما أعيد انتخابه رئيسًا. وفي 12 شباط (فبراير)، شرع في الوفاء بهذا الوعد من خلال إجراء مكالمة هاتفية استمرت 90 دقيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كان بايدن قد رفض التحدث معه منذ بدء الحرب. ‏
‏وفي المكالمة، اتفق الرئيسان على أنهما مستعدان لبدء ‏‏مفاوضات‏‏ السلام "على الفور"، ثم اتصل ترامب بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقضى ساعة في مناقشة شروط ما وصفه زيلينسكي بـ"السلام الدائم والموثوق".‏
في الوقت نفسه، كشف وزير الدفاع الأميركي الجديد، بيت هيغسيث، ‏‏النقاب عن‏‏ سياسة ترامب الجديدة بمزيد من التفصيل، في اجتماع لمجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية في مقر حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل، وقال: "يجب أن تتوقف إراقة الدماء. يجب أن تنتهي هذه الحرب".‏
‏وهناك جزآن للسياسة الجديدة التي ‏‏أعلنها‏‏ هيغسيث. أولاً، قال إن ترامب "يعتزم إنهاء هذه الحرب من خلال الدبلوماسية وجلْب كل من روسيا وأوكرانيا إلى طاولة المفاوضات". ‏
‏ثانيًا، قال إن الولايات المتحدة تقوم بتسليم المسؤولية الرئيسية عن تسليح أوكرانيا وضمان أمنها المستقبلي إلى الأعضاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي.‏
يشكل تكليف أوروبا بدور الضامن الأمني خطوة شفافة تهدف إلى حماية الولايات المتحدة من المسؤولية المستمرة عن الحرب التي كانت قد لعبت دورًا رئيسيًا في ‏‏استفزازها‏‏ ‏‏وإطالة‏‏ أمدها من خلال إفشال المفاوضات السابقة. ‏
‏وإذا لم يقبل الأوروبيون الدور الموكل إليهم في خطة ترامب، أو رفضها زيلينسكي أو بوتين، فقد تضطر الولايات المتحدة إلى لعب دور في توفير الضمانات الأمنية لأوكرانيا أكبر مما يرغب فيه ترامب أو العديد من الأميركيين في لعبه. وقال زيلينسكي لصحيفة ‏‏"الغارديان"‏‏ في 11 شباط (فبراير) إنه ‏‏بالنسبة لأوكرانيا‏‏، "الضمانات الأمنية من دون أميركا ليست ضمانات أمنية حقيقية".‏
كانت إدارة بايدن قد أوقفت، بعد ‏‏عرقلة‏‏ مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا في نيسان (أبريل) 2022، أي مفاوضات للسلام في أوكرانيا لما يقرب من ثلاث سنوات. وأصر بايدن على أن أوكرانيا يجب أن تستعيد جميع أراضيها المعترف بها دوليًا، بما في ذلك منطقتا شبه جزيرة القرم ودونباس اللتان ‏‏انفصلتا‏‏ عن أوكرانيا بعد الانقلاب ‏‏المدعوم من الولايات المتحدة‏‏ في كييف في العام 2014.‏
والآن، فتح هيغسيث الباب أمام السلام من خلال إخبار حلفاء أميركا الأوروبيين بوضوح وصدق، ‏بأنه: ‏"… يجب أن نبدأ بالاعتراف بأن العودة إلى حدود أوكرانيا قبل العام 2014 هي هدف غير واقعي. لن تؤدي ملاحقة هذا الهدف الوهمي سوى إلى إطالة أمد الحرب والتسبب في مزيد من المعاناة".‏
وأوضح هيغسيث ‏‏خطة الولايات المتحدة‏‏ بمزيد من التفصيل، فقال: ‏"يجب أن يتضمن السلام الدائم لأوكرانيا تقديم ضمانات أمنية قوية حتى لا تندلع الحرب مرة أخرى. يجب ألا يكون هذا ’مينسك 3.0‘. ومع ذلك، لا تعتقد الولايات المتحدة أن عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي هي نتيجة واقعية لتسوية تفاوضية. بدلاً من ذلك، يجب أن يكون أي ضمان أمني مدعومًا بقوات قادرة أوروبية وغير أوروبية".‏
الحياد لأوكرانيا‏
‏لطالما كانت عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي غير مقبولة على الإطلاق بالنسبة للروس. وتشكل صراحة ترامب وهيغسيث في سحب القابس أخيرًا، بعد أن ‏‏أغلقت الولايات المتحدة باب عضوية الناتو أمام الحكومات الأوكرانية المتعاقبة منذ العام 2008، اعترافًا حاسمًا بأن الحياد يوفر أفضل فرصة لأوكرانيا للتعايش مع روسيا والغرب من دون أن تكون ساحة معركة بينهما.‏
‏يتوقع ترامب وهيغسيث أن تتحمل أوروبا المسؤولية الرئيسية عن أوكرانيا، بينما سيركز البنتاغون بدلاً من ذلك على أولويتين رئيسيتين لترامب: على الجبهة الداخلية، ترحيل المهاجرين؛ وعلى الجبهة الدولية، مواجهة الصين. ‏
برر هيغسيث هذا الترتيب بأنه "تقسيم للعمل يزيد من مزايانا النسبية في أوروبا والمحيط الهادئ على التوالي".‏ وأوضح في معرض توضيحه للدور الذي تتطلبه الخطة الأميركية من حلفائها الأوروبيين:‏
‏"إذا تم نشر هذه القوات كقوات حفظ سلام في أوكرانيا في أي وقت، فيجب نشرها كجزء من مهمة غير تابعة لحلف شمال الأطلسي. ولا ينبغي أن تكون مشمولة بالمادة 5. ويجب أيضًا أن تكون هناك رقابة دولية قوية على خط التماس. حتى نكون واضحين، لن تكون هناك قوات أميركية منتشرة في أوكرانيا كجزء من أي ضمان أمني... يجب أن تكون حماية الأمن الأوروبي أمرًا حتميًا للأعضاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي. وكجزء من هذه الحماية، يجب على أوروبا تقديم الحصة الساحقة من المساعدات الفتاكة وغير الفتاكة المستقبلية لأوكرانيا".‏
‏يعني القول إن القوات الأميركية لن تقاتل أبدًا إلى جانب القوات الأوروبية في أوكرانيا، وإن المادة 5 التي تتضمن الالتزام بالدفاع المتبادل في ميثاق الناتو، لن تنطبق على القوات الأوروبية في أوكرانيا، الذهاب أبعد من مجرد حرمان أوكرانيا من عضوية الحلف إلى اقتطاع أوكرانيا وإخراجها كمنطقة مستثناة بحيث لا يعود ميثاق الناتو ساريًا -حتى بالنسبة لأعضاء الناتو أنفسهم.‏
في حين يخطط ترامب للتفاوض مباشرة مع روسيا وأوكرانيا، يعني الموقف الضعيف الذي ستضع فيه خطته أعضاء الناتو الأوروبيين أنهم سيريدون أيضًا أن يكون لهم قول مهم في مفاوضات السلام، وربما يطالبون بدور أميركي في تأمين الضمانات الأمنية لأوكرانيا. ‏
‏وبذلك، قد تكون جهود ترامب لعزل الولايات المتحدة عن عواقب أفعالها في أوكرانيا مجرد حبر على ورق -حتى قبل أن يجلس للتفاوض مع روسيا وأوكرانيا.‏ وتسلط إشارة هيغسيث إلى "‏‏اتفاقات مينسك"‏‏ الضوء على أوجه التشابه بين خطط ترامب وتلك الاتفاقيات التي أبرمت في العامين 2014 و2015، والتي حافظت ‏‏إلى حد كبير‏‏ على السلام في شرق أوكرانيا منذ ذلك الحين حتى العام 2022.‏
ومنذ ذلك الحين، ‏‏اعترف‏‏ القادة الغربيون بأنهم كانوا يعتزمون دائمًا استخدام السلام النسبي الذي جلبته "اتفاقات مينسك" لبناء أوكرانيا عسكريًا حتى تتمكن في نهاية المطاف من استعادة دونيتسك ولوهانسك بالقوة، بدلاً من منحهما وضع الحكم الذاتي المتفق عليه في الاتفاقات.‏
‏من المؤكد أن روسيا ستصر على البنود التي تمنع الغرب من استخدام أي اتفاق سلام جديد بالطريقة نفسها، ومن غير المرجح أن توافق على وجود قوات عسكرية أو قواعد عسكرية غربية كبيرة في أوكرانيا كجزء من الضمانات الأمنية لأوكرانيا. وقد أصر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دائمًا، على أن أوكرانيا ‏‏محايدة‏‏ هي مسألة ضرورية للسلام الدائم.‏
ثمة، كما هو متوقع، عنصر من "الحصول على كعكتهم، وأكلها أيضًا" في مقترحات ترامب وهيغسيث. حتى لو تولى الأوروبيون معظم المسؤولية عن ضمان أمن أوكرانيا في المستقبل، ولم يكن على الولايات المتحدة أي التزام بدعم الأوكران بموجب المادة 5، فإن الولايات المتحدة ستحتفظ بموقعها الكبير في القيادة والسيطرة على القوات المسلحة الأوروبية من خلال حلف شمال الأطلسي. ‏
‏ما يزال ترامب يطالب أعضاء الحلف الأوروبيين بزيادة إنفاقهم العسكري إلى 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو قدر أكبر بكثير مما تنفقه الولايات المتحدة نفسها على آلة حربها المتضخمة، والمبذرة، ‏والمهزومة‏‏.‏
‏كان بايدن مستعدًا ‏‏لمحاربة‏‏ روسيا "حتى آخر أوكراني"، كما قال الدبلوماسي الأميركي المتقاعد تشاس فريمان في آذار (مارس) 2022، ‏‏ولإثراء‏‏ شركات الأسلحة الأميركية بأنهار من الدم الأوكراني. فهل يستعد ترامب الآن لمحاربة روسيا حتى آخر جندي بريطاني أو فرنسي أو ألماني أو بولندي أيضًا إذا فشلت خطته للسلام؟‏
تركت مكالمة ترامب مع بوتين وتنازلات هيغسيث المتعلقة بحلف شمال الأطلسي ‏‏ووحدة ‏‏أراضي أوكرانيا العديد من القادة الأوروبيين في حالة من الصدمة. وقد اشتكوا من أن الولايات المتحدة كانت تقدم تنازلات من خلف ظهورهم، وأنه كان يجب ترك هذه القضايا لطاولة المفاوضات، وأنه لا ينبغي إجبار أوكرانيا على التخلي عن تطلعها إلى عضوية الناتو.‏
‏لدى أعضاء الناتو الأوروبيين مخاوف مشروعة بشأن العمل مع الإدارة الأميركية الجديدة، لكن ترامب وهيغسيث محقان في إخبار أوكرانيا أخيرًا، وبصراحة، بأنها لن تصبح عضوًا في الناتو، لتبديد هذا السراب المأساوي والسماح لها بالمضي قدمًا نحو مستقبل محايد وأكثر سلامًا.‏
كان هناك أيضًا رد فعل قوي من صقور الحرب ‏‏الجمهوريين‏‏، في حين أن الديمقراطيين، الذين اتحدوا كحزب حرب عندما تعلق الأمر بأوكرانيا، سيحاولون على الأرجح تخريب جهود ترامب. ‏
و‏من ناحية أخرى، ربما ينظر عدد قليل من الديمقراطيين الشجعان إلى هذا كفرصة لاستعادة تراث حزبهم المفقود باعتباره الأكثر حمائمية بين حزبي أميركا الموروثَين، ولتوفير القيادة التقدمية الجديدة التي تمس الحاجة إليها للسياسة الخارجية في الكونغرس.‏
‏على جانبي الأطلسي، تشكل مبادرة ترامب للسلام تحولًا جذريًا مغيرًا لقواعد اللعبة، وفرصة جديدة للسلام يجب على الولايات المتحدة وحلفائها احتضانها، حتى بينما يسعون إلى تحديد مسؤولياتهم عن توفير الضمانات الأمنية لأوكرانيا. ‏
كما حان الوقت أيضًا لأن تدرك أوروبا أنها لا تستطيع تقليد السياسة الخارجية للولايات المتحدة وأن تتوقع الحماية الأميركية في المقابل. وقد تؤدي علاقة أوروبا الصعبة مع أميركا ترامب إلى طريقة عمل جديدة وإعادة تقييم (أو ربما حتى نهاية؟) حلف شمال الأطلسي.‏
‏وفي الوقت نفسه، يجب على أولئك منا الذين يتوقون إلى رؤية السلام وهو يتحقق في أوكرانيا أن يشيدوا بمبادرة الرئيس ترامب، ولكن يجب علينا أيضًا تسليط الضوء على التناقضات الصارخة في سلوك رئيس يجد القتل في أوكرانيا غير مقبول، ولكنه يدعم الإبادة الجماعية في ‏‏فلسطين‏‏ بشكل كامل.‏
بالنظر إلى أن معظم الضحايا في أوكرانيا هم من الجنود، في حين أن معظم القتلى والمشوهين والقتلى في فلسطين هم من المدنيين، بمن فيهم آلاف الأطفال، فإن الحجة الإنسانية الرحيمة لإحلال السلام أقوى في فلسطين منها في أوكرانيا. ‏
‏فلماذا يلتزم ترامب بوقف القتل في أوكرانيا وليس في غزة؟ هل لأن ترامب مرتبط جدًا ‏‏بإسرائيل‏‏ لدرجة أنه يرفض كبح جماح مذبحتها؟ أم لأن الأوكرانيين والروس هم من البيض والأوروبيين، في حين أن الفلسطينيين ليسوا كذلك؟‏
إذا استطاع ترامب رفض الحجج السياسية التي غذت حريق ثلاث سنوات من الحرب في أوكرانيا وتطبيق التعاطف والحس السليم لإنهاء تلك الحرب، فيمكنه بالتأكيد أن يفعل الشيء نفسه في الشرق الأوسط.‏
 
‏*ميديا بنيامين Medea Benjamin: المؤسسة المشاركة لمنظمة "كود بينك: نساء من أجل السلام" CODEPINK: Women for Peace ومؤلفة العديد من الكتب، منها "داخل إيران: التاريخ الحقيقي والسياسة لجمهورية إيران الإسلامية" Inside Iran: the Real History and Politics of the Islamic Republic of Iran‏‏.‏
‏*نيكولاس جيه إس ديفيز‏‏ ‏‏ Nicolas J. S. Davies: صحفي مستقل وباحث في "كود بنك" ومؤلف كتاب ‏‏"الدم على أيدينا: الغزو الأميركي وتدمير العراق‏‏" Blood On Our Hands: the American Invasion and Destruction of Iraq.‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Trump Wants Peace in Ukraine, But Why Not in Gaza?