عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Dec-2019

كبار السن يجدون بمنصات التواصل “متنفسا” لكتابة ما يجول بخواطرهم

 

تغريد السعايدة
 
عمان-الغد  بعد أن كان دائم التذمر من أبنائه الذين ينشغلون بأجهزتهم النقالة بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي طوال جلساتهم العائلية، انضم الستيني أبو سفيان للقائمة وأصبح يقضي ساعات طوال بمراقبة المنشورات عبر “فيسبوك” التي تضم العديد من الأخبار والأحداث أو الآراء، متفوقا بذلك على أبنائه وأحفاده، بحسب وصف ابنته سناء.
وتقول سناء التي تشعر بالدهشة والغرابة من سلوكيات والدها “المفاجئة”، بحسب وصفها، بعد أن كان دائما يبدي استياءه من إدمان أبنائه على مواقع التواصل الاجتماعي، ويضحك ساخرا بأسماء عديدة “فكاهية” يطلقها على “فيسبوك”، واصفا الجلسة العائلية بـ”المزيفة”.. كل منهم منشغل بهاتفه النقال، مفتقدا لتبادل الأحاديث والمواقف، كما كان حال باقي الأسر في السابق.
إلا أنه الآن، ومن خلال حديثه مع أحد أصدقائه المتقاعدين، الذي يخبره عن الكثير من الأحداث اليومية، ومنها ما يخص قطاع المتقاعدين، قرر أن ينشئ حسابا على “فيسبوك”، ويتابع الأخبار بنفسه، إلى أن أصبح أحد “المدمنين” على “فيسبوك”، بحسب وصف ابنته، بل ويشارك في التعبير عن رأيه، وينشر بعض المقاطع الغنائية القديمة، وبعضا من صور “الذكريات”.
وعلى الرغم من سعادة سناء بإقبال والدها على الاستفادة من التطور التكنولوجي، وأصبح جزءا من الملايين الذين يستخدمون “فيسبوك”، إلا أنها تؤكد أن مشاركته محدودة، لا تتعدى الردود التي يعلق فيها على منشورات أصدقائه، والانضمام إلى “جروبات فيسبوك”، التي تجمعه مع أكبر عدد ممكن من زملاء العمل السابقين، الذين لا يمكن التواصل معهم إلى من خلال الموقع.
ولا يقتصر التواجد على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” على الرجال فقط، من كبار السن، وبل وحتى السيدات وربات المنازل، اللواتي لم يخضن غمار العمل في حياتهن، وكانت حياتهن مقتصرة على المنزل وتربية الأبناء، وها هي السيدة أم محمد، التي تزين صفحاتها بصور لأحفادها وأبنائها أصبحت تجلس لساعات، وهي تناظر الصفحات الأخرى، وتعلق برأيها في بعض الأمور التي تقتصر على “ما تعلم به من أمور الحياة”.
أم محمد التي تجاوز عمرها الستين عاما، تزين غلاف حسابها بإحدى صورها الشخصية، لاعتقادها بأنها مساحة خاصة بها، تقوم بنشر كل ما تريده من خلالها، وليس لأحد شأن في ذلك، كونها لا تخوض الحديث في الكثير من الأمور السياسية أو الجدلية، بل إنها مهتمة بالاطلاع على ما ينشره الآخرون من قائمة الأصدقاء، والذين هم على الأغلب من أبنائها وأحفادها وأقربائها، كما تقوم بنشر صور “للأحباب” فقط، على حد تعبيرها.
وعلى الرغم من أن “مواقع التواصل الاجتماعي” حديثة العهد بالنسبة لكبار السن، إلا أنهم يجدون فيها ملاذا لنشر ما يدور في وجدانهم، فمنهم المثقف الذي بإمكانه أن ينشر بعض مقاطع الشعر والنثر التي يقوم بكتابتها، وقد تؤثر ردود الأفعال الإيجابية من المتابعين وتعليقاتهم في رفع معنوياتهم، وقد يحفزهم على إخراج العديد من المواهب الدفينة.
إلا أن العديد من الدراسات العملية الاجتماعية التي تناولت جزئية “كبار السن ومواقع التوصل الاجتماعي” أجرى فيها مجموعة من الباحثين الأميركيين تحليلا توصلوا فيه إلى أن “كبار السن هم الأكثر مشاركة للأخبار الوهمية على فيسبوك؛ إذ يشارك المستخدمون أخبارا مزيفة أكثر من المستخدمين الأصغر سنا بصرف النظر عن التعليم أو الجنس أو العرق أو الدخل أو عدد الروابط التي يتم مشاركتها”.
ولم تستخلص الدراسة استنتاجا حول سبب مشاركة المستخدمين الأكبر سنا للأخبار المزيفة، على الرغم من أن الباحثين يشيرون إلى نظريتين محتملتين؛ الأولى هي أن كبار السن، الذين استخدموا الإنترنت في عمر متأخر، يفتقرون إلى المهارات الرقمية مقارنة بنظرائهم الأصغر سنا، والثاني هو أن الناس يعانون من التدهور المعرفي مع تقدمهم في السن، مما يجعلهم أكثر عرضة للوقوع في فخ الخدع والأخبار الوهمية.
فيما أشار باحثون، في دراسة كندية، إلى أن كبار السن من الرجال والنساء، والذين تتعدى أعمارهم 65 عاما، وتتراوح ما بين 68 و91 عاما ويستخدمون “فيسبوك”، قد تحدث لهم طفرة رهيبة في وظائف الإدراك والذاكرة الخاصة بهم، وتتحسن قدرتهم العقلية الخاصة بنسبة تصل لـ25 %، كما تتكون لديهم مهارات جديدة لم تكن موجودة من قبل.
كما بينت الدراسة أن الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 60 و65 عاما لم يحتاجوا أكثر من بضع ساعات تدريب كي يتعلموا استخدام الإنترنت من دون مساعدة لاحقة. أما من زاد عمرهم على 80 عاما، فقد تعلموا استخدام تطبيقات الانترنت، ولكنهم احتاجوا إلى شخص يبقى إلى جانبهم لمساعدتهم على الإدلاء بمواقفهم من قضايا الشأن العام وغيرها من الأمور التقنية الأخرى.
وفي السياق ذاته، يرى الاستشاري الأسري والاجتماعي مفيد سرحان، أن فئة الشباب هي الأكثر استخداما لتكنولوجيا الاتصالات، وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي، بالنظر الى قدرتهم على التعامل مع هذه المواقع، ومع ذلك فإن بعض كبار السن يتعاملون مع هذه الوسائل وإن بشكل محدود، وهو بالنسبة لهم وسيلة للتسلية وملء الفراغ الذي يشعرون له.
بيد أن المضامين التي تحتويها منشوراتهم، كما يصفها سرحان، قد تكون على الأغلب فرصة للتواصل مع الأبناء والأصدقاء، وفي الأغلب فإن تواصل كبار السن يعتمد على الأمور العائلية والأسرية والاجتماعية، ومنها تبادل الصور والأخبار الاجتماعية، وما يتعلق منها بالأبناء والأحفاد والأقارب، أو ما يربطه ويذكره بالماضي وفترة الشباب.
وفي الوقت ذاته، استفادت أم مؤمن، وهي متقاعدة من العمل التعليمي، ولم يخطر ببالها يوما أن تكون أحد الأشخاص المتفاعلين عبر موقع “فيسبوك”، إلا أنها بعد أن التحقت بالعمل التطوعي والإنتاجي في إحدى الجمعيات الخيرية في بلدتها، رأت أنه من الأفضل بمكان أن تقوم بالترويج للجمعية ومنتجاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليكون “فيسبوك” الأسهل والأكثر تداولاً في مجتمعها المحيط.
كما اكشتفت أم مؤمن أنها قادرة على التفاعل مع المحيطين، كما تسعد بنشر صور لها خلال فترة عملها في التعليم مع زميلاتها التي تجمعها معهم ذكريات كثيرة، كما أنها تشعر بالسعادة والفخر عندما تقوم بنشر صور لأبنائها عند تفوقهم ونجاحهم في حياتهم العلمية والعملية، وتشارك أصدقاءها هذه المشاعر المفعمة بالفرح.
ويشدد سرحان على أن الأبناء والأحفاد والأقارب والأصدقاء يجب أن يظهروا التفاعل مع كبار السن على مواقع التواصل وإشعارهم بالاهتمام، وأن يكون محتوى التواصل ضمن اهتمامات الكبار، وإن كان على غير رغبة الأبناء واهتماماتهم. كما يعتقد سرحان أن من مسؤولية الأبناء تعريف كبار السن بكيفية التعامل مع وسائل التواصل، وإن كان في ذلك شيء من الصعوبة، حتى لا يشعروا بأنهم بعيدون عن الواقع، خصوصا أن وسائل التواصل الاجتماعي تأخذ جزءا كبيرا من الوقت، حتى خلال الجلسات العائلية.