فهم الثورة في سورية .. حوار (2-2)
الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
جوزيف ضاهر* - (ذا تمبيست) 10/12/2024
ذا تيمبست: ما هو الدور الذي لعبته القوى الإقليمية والإمبريالية الأخرى، وخاصة تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة في هذا السيناريو؟ ما هي طموحاتهم في هذا الوضع؟
ضاهر: على الرغم من تطبيع تركيا مع سورية، شعرت أنقرة بالإحباط من دمشق. لذلك، شجعت، أو على الأقل أعطت الضوء الأخضر، للهجوم العسكري وساعدته بطريقة أو بأخرى. كان هدف أنقرة في البداية هو تحسين موقفها في المفاوضات المستقبلية مع النظام السوري، ولكن أيضا مع إيران وروسيا.
الآن مع سقوط النظام، أصبح نفوذ تركيا أكثر أهمية في سورية -وربما يجعلها اللاعب الإقليمي الرئيسي في البلد. وتسعى أنقرة أيضًا إلى استخدام "الجيش الوطني السوري" لإضعاف "قوات سورية الديمقراطية"، التي يهيمن عليها الجناح المسلح لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي"، وهو منظمة شقيقة لـ"حزب العمال الكردستاني التركي"، الذي صنفته أنقرة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أنه إرهابي.
كما أن لتركيا هدفين رئيسيين آخرين. أولاً، تهدف إلى تنفيذ الإعادة القسرية للاجئين السوريين في تركيا إلى سورية. ثانيًا، يريد الأتراك إحباط التطلعات الكردية إلى الحكم الذاتي، وبشكل أكثر تحديدًا تقويض الإدارة التي يقودها الأكراد في شمال شرق سورية، "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية"، (وتسمى أيضًا روجآفا)، التي ستشكل سابقة لتقرير المصير الكردي في تركيا، وهو ما يشكل تهديدًا للنظام كما هو حاليًا.
لم تكن للولايات المتحدة ولا إسرائيل يد في هذه الأحداث. في الواقع، العكس هو واقع الحال. كانت الولايات المتحدة قلقة من أن الإطاحة بالنظام يمكن أن تخلق المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. وأعلن المسؤولون الأميركيون في البداية أن "رفض نظام الأسد المستمر الانخراط في العملية السياسية الموضحة في قرار مجلس الأمن رقم 2254، واعتماده على روسيا وإيران، خلق الظروف التي تتكشف الآن، بما في ذلك انهيار خطوط دفاع نظام الأسد في شمال غرب سورية".
كما أعلنت أنه "لا علاقة لنا بهذا الهجوم الذي تقوده "هيئة تحرير الشام"، وهي منظمة مصنفة بأنها إرهابية". وبعد زيارة إلى تركيا، دعا وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، إلى خفض التصعيد في سورية. وبعد سقوط النظام، أعلن المسؤولون الأميركيون أنهم سيحافظون على وجودهم في شرق سورية، حوالي 900 جندي، وسيتخذون الإجراءات اللازمة لمنع عودة ظهور تنظيم "داعش".
ومن جهتهم، أعلن المسؤولون الإسرائيليون أن "انهيار نظام الأسد يغلب أن يخلق فوضى تتطور فيها التهديدات العسكرية ضد إسرائيل". وبالإضافة إلى ذلك، لم تدعم إسرائيل أبدًا الإطاحة بالنظام السوري منذ محاولة الثورة في العام 2011. وفي تموز (يوليو) 2018، لم يعترض نتنياهو على استعادة الأسد السيطرة على البلاد واستقرار سلطته.
وقال نتنياهو إن إسرائيل لن تعمل إلا ضد التهديدات المتصورة، مثل نفوذ إيران وقوات حزب الله ، موضحًا: "لم تكن لدينا مشكلة مع نظام الأسد، منذ 40 عامًا لم يتم إطلاق رصاصة واحدة على مرتفعات الجولان". وبعد ساعات قليلة من إعلان سقوط النظام، سيطر جيش الاحتلال الإسرائيلي على الجانب السوري من جبل حرمون في هضبة الجولان لمنع المتمردين من السيطرة على المنطقة يوم الأحد. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أمر جيش الاحتلال الإسرائيلي في وقت سابق بـ"السيطرة" على منطقة الجولان العازلة و"المواقع الاستراتيجية المجاورة".
ذا تيمبست: دافع الكثيرون من المعسكراتيين (1) عن الأسد مرة أخرى، هذه المرة زاعمين أن هزيمة الأسد ستكون انتكاسة للنضال التحرري الفلسطيني. ما رأيك في هذه الحجة؟ ماذا يعني ما حدث بالنسبة لفلسطين؟
ضاهر: نعم، جادل هذا المعسكر بأن هذا الهجوم العسكري تقوده "القاعدة وإرهابيون آخرون"، وأنه مؤامرة إمبريالية غربية ضد النظام السوري تهدف إلى إضعاف ما يسمى بـ"محور المقاومة" الذي تقوده إيران وحزب الله. وبما أن هذا المحور يدّعي أنه يدعم الفلسطينيين، فإن معسكره يدّعي أن سقوط الأسد سيضعفه، وبالتالي يقوض النضال من أجل تحرير فلسطين.
إلى جانب تجاهل أي وكالة للفاعلين السوريين المحليين، فإن المشكلة الرئيسية في الحجة التي يروج لها أنصار ما يسمى بـ"محور المقاومة" هي افتراضهم أن تحرير فلسطين سيأتي من الأعلى، من هذه الدول أو القوى الأخرى، بغض النظر عن طبيعتها الرجعية والاستبدادية، وسياساتها الاقتصادية النيوليبرالية. لقد فشلت تلك الاستراتيجية في الماضي وستفعل ذلك مرة أخرى اليوم. في الواقع، بدلاً من دفع النضال من أجل تحرير فلسطين، قامت الدول الاستبدادية والاستبدادية في الشرق الأوسط، سواء كانت متحالفة مع الغرب أو معارضته، بخيانة الفلسطينيين مرارًا وتكرارًا -بل وقمعتهم.
علاوة على ذلك، يتجاهل المعسكر حقيقة أن الأهداف الرئيسية لإيران وسورية لم تكن تحرير فلسطين بل الحفاظ على دولتيهما ومصالحهما الاقتصادية والجيوسياسية. وسوف يضعون هذه المصالح أمام فلسطين في كل مرة. سورية، على وجه الخصوص، كما قال نتنياهو بوضوح في الاقتباس الذي ذكرته للتو، لم ترفع إصبعًا ضد إسرائيل منذ عقود.
من جانبها، دعمت إيران القضية الفلسطينية وموّلت "حماس". ولكن منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، كان هدفها الرئيسي هو تحسين مكانتها في المنطقة لتكون في أفضل وضع ممكن لخوض المفاوضات السياسية والاقتصادية المستقبلية مع الولايات المتحدة. ترغب إيران في ضمان مصالحها السياسية والأمنية، وبالتالي حرصت على تجنب أي حرب مباشرة مع إسرائيل.
لم يكن هدفها الجيوسياسي الرئيسي في ما يتعلق بالفلسطينيين تحريرهم، بل استخدامهم كوسيلة ضغط، لا سيما في علاقاتها مع الولايات المتحدة. وبالمثل، يدل رد إيران السلبي على اغتيال إسرائيل لنصر الله وإهلاك كوادر حزب الله وحربها الوحشية ضد لبنان، على أن أولويتها الأولى هي حماية نفسها ومصالحها. لم تكن مستعدة للتضحية بهذه الأشياء للدفاع عن حليفها الرئيسي غير الحكومي.
كما أثبتت إيران أنها، في أحسن الأحوال، حليف متقلب لـ"حماس". كانت قد خفضت تمويلها للحركة عندما لم تتطابق مصالحهما. وقطعت مساعداتها المالية لـ"حماس" بعد الثورة السورية في العام 2011، عندما رفضت الحركة الفلسطينية دعم القمع القاتل الذي يمارسه النظام السوري للمتظاهرين السوريين.
في حالة النظام السوري، فإن الحجة ضد دعمه المفترض لفلسطين محكمة. إنه لم يهب للدفاع عن فلسطين خلال العام الأخير من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية. وعلى الرغم من القصف الإسرائيلي لسورية، قبل وبعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، لم يرد النظام. وهذا يتماشى مع سياسة النظام منذ العام 1974 المتمثلة في محاولة تجنب أي مواجهة كبيرة ومباشرة مع إسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، قام النظام بقمع الفلسطينيين مرارًا وتكرارًا في سورية، بما في ذلك قتل آلاف عدة منهم منذ العام 2011، والتصرف بالطريقة التي أدت إلى تدمير "مخيم اليرموك" للاجئين في دمشق. كما هاجم الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها. على سبيل المثال، في العام 1976، تدخل حافظ الأسد، والد وريثه الدكتاتور المخلوع للتو، في لبنان ودعم الأحزاب اللبنانية اليمينية المتطرفة ضد المنظمات الفلسطينية واللبنانية اليسارية.
كما نفذ عمليات عسكرية ضد مخيمات فلسطينية في بيروت في العامين 1985 و1986. وفي العام 1990، كان يحتجز حوالي 2.500 سجين سياسي فلسطيني في السجون السورية.
بالنظر إلى هذا التاريخ، من الخطأ أن تدافع حركة التضامن مع فلسطين وتتحالف مع الدول الإمبريالية أو شبه الإمبريالية التي تضع مصالحها قبل التضامن مع فلسطين، وتتنافس على تحقيق مكاسب جيوسياسية، وتستغل عمَّال بلدانها ومواردها. بطبيعة الحال، تظل الإمبريالية الأميركية هي العدو الرئيسي للمنطقة بتاريخها الاستثنائي من الحرب والنهب والهيمنة السياسية.
ولكن، ليس من المنطقي أن ننظر إلى القوى الإقليمية الرجعية والدول الإمبريالية الأخرى مثل روسيا أو الصين على أنها حلفاء لفلسطين أو لحركة التضامن معها. ببساطة لا يوجد دليل لإثبات هذا الموقف. إن اختيار إمبريالية على أخرى يعني ضمان استقرار النظام الرأسمالي واستغلال الطبقات الشعبية. وبالمثل، فإن دعم الأنظمة الاستبدادية والقمعية في إطار السعي لتحقيق هدف تحرير فلسطين ليس خطأ أخلاقيا فحسب، بل أثبت أيضًا أنه استراتيجية فاشلة.
بدلاً من ذلك، يجب على حركة التضامن الفلسطينية أن ترى أن تحرير فلسطين لا يرتبط بدول المنطقة، بل بتحرير طبقاتها الشعبية. إن هذه الطبقات تتعاطف حقًا مع فلسطين وترى أن معاركها من أجل الديمقراطية والمساواة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بنضال الفلسطينيين من أجل التحرر. عندما يقاتل الفلسطينيون، يميل ذلك إلى إطلاق الحركة الإقليمية من أجل التحرير، والحركة الإقليمية تشكل تغذية راجعة للحركة في فلسطين المحتلة.
هذه النضالات مرتبطة جدليًا. إنها نضالات متبادلة من أجل التحرر الجماعي. وقد أدرك الوزير الإسرائيلي اليميني المتطرف، أفيغدور ليبرمان، الخطر الذي تشكله الانتفاضات الشعبية الإقليمية على إسرائيل في العام 2011 عندما قال إن الثورة المصرية التي أطاحت بحسني مبارك وفتحت الباب أمام فترة من الانفتاح الديمقراطي في البلاد كانت تهديدا أكبر لإسرائيل من إيران.
ليس هذا لإنكار حق الفلسطينيين واللبنانيين في مقاومة حروب إسرائيل الوحشية، وإنما لفهم أن الثورة الموحدة للطبقات الشعبية الفلسطينية والإقليمية وحدها لديها القدرة على تحويل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأكملها، وإسقاط الأنظمة الاستبدادية، وطرد الولايات المتحدة والقوى الإمبريالية الأخرى. إن التضامن الدولي المناهض للإمبريالية مع فلسطين والطبقات الشعبية في المنطقة هو شأن ضروري، لأنهم لا يواجهون إسرائيل والأنظمة الرجعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فحسب، بل يواجهون أيضًا داعميها الإمبرياليين.
تتمثل المهمة الرئيسية لحركة التضامن مع فلسطين، وخاصة في الغرب، في إدانة الدور المتواطئ لطبقاتنا الحاكمة في دعم -ليس دولة الفصل العنصري الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية وحرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين فحسب، ولكن أيضًا هجمات إسرائيل على دول أخرى في المنطقة مثل لبنان. يجب على الحركة الضغط على تلك الطبقات الحاكمة لقطع أي علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية لها مع تل أبيب.
بهذه الطريقة، يمكن لحركة التضامن أن تتحدى وتضعف الدعم الدولي والإقليمي لإسرائيل، وتفتح المجال للفلسطينيين لتحرير أنفسهم إلى جانب الطبقات الشعبية في المنطقة.
ذا تيمبست: هل سيفتح الثوار في سورية مجالًا للقوى التقدمية لتجديد النضال الثوري وتوفير بديل لكل من النظام والأصولية الإسلامية؟
ضاهر: لا توجد إجابات واضحة، سوى المزيد من الأسئلة. هل سيكون النضال من الأسفل والتنظيم الذاتي ممكنًا في المناطق التي تم فيها طرد النظام؟ هل ستتمكن منظمات المجتمع المدني (ليست التي تعرّف بالتعريف الضيق على أنها منظمات غير حكومية، وإنما بالمعنى الغرامشي للتشكيلات الجماهيرية الشعبية خارج الدولة) والهياكل السياسية البديلة ذات السياسة الديمقراطية والتقدمية من ترسيخ نفسها وتنظيمها وتشكيل بديل سياسي واجتماعي لـ"هيئة تحرير الشام" و"الجيش الوطني السوري"؟ هل سيسمح تمدد قوات "هيئة تحرير الشام" و"الجيش الوطني السوري" بمساحة للتنظيم محليًا؟
هذه هي الأسئلة الرئيسية، في رأيي، والتي ما تزال بلا إجابات واضحة. وبالنظر إلى سياسات "هيئة تحرير الشام" و"الجيش الوطني السوري" في الماضي، فإنها لم تشجع على وجود مساحة ديمقراطية للتطور، بل على العكس تمامًا. كانوا استبداديين. ولا ينبغي منح أي ثقة لمثل هذه القوى. التنظيم الذاتي للطبقات الشعبية التي تناضل من أجل المطالب الديمقراطية والتقدمية وحده هو الذي سيخلق هذا الفضاء ويفتح طريقًا نحو التحرر الفعلي. سيعتمد ذلك على التغلب على العديد من العقبات، من إرهاق الحرب، إلى القمع والفقر والتفكك الاجتماعي.
كانت العقبة الرئيسية هي الجهات الفاعلة الاستبدادية، التي كانت النظام سابقًا، لكنّ هناك الآن العديد من قوى المعارضة، وخاصة "هيئة تحرير الشام" و"الجيش الوطني السوري". وقد خنق حكمهم والاشتباكات العسكرية بينهم مساحة للقوى الديمقراطية والتقدمية لتحديد مستقبلها ديمقراطيًا. حتى في المساحات المحررة من سيطرة النظام لم نشهد بعد حملات شعبية للمقاومة الديمقراطية والتقدمية. وحيث احتل "الجيش الوطني السوري" مناطق كردية، انتهك حقوق الأكراد، وقمعهم بالعنف، وشرد أعدادًا كبيرة منهم بالقوة.
علينا أن نواجه الحقيقة الصعبة المتمثلة في وجود غياب صارخ لكتلة ديمقراطية تقدمية مستقلة قادرة على تنظيم ومعارضة النظام السوري والقوى الأصولية الإسلامية بشكل واضح. وسوف يستغرق بناء هذه الكتلة وقتًا. سيتعين عليها الجمع بين النضال ضد الاستبداد والاستغلال وجميع أشكال الاضطهاد. وسوف تحتاج إلى رفع مطالب الديمقراطية والمساواة وتقرير المصير الكردي وتحرير المرأة من أجل بناء التضامن بين المستغَلين والمضطهَدين في البلاد.
لتعزيز مثل هذه المطالب، سيتعين على هذه الكتلة التقدمية بناء وإعادة بناء المنظمات الشعبية، من النقابات إلى المنظمات النسوية، والمنظمات المجتمعية والهياكل الوطنية لجمعها معًا. وسيتطلب ذلك التعاون بين الجهات الفاعلة الديمقراطية والتقدمية في كل أنحاء المجتمع.
مع ذلك، هناك أمل. في حين أن الديناميات الرئيسية كانت عسكرية في البداية، بقيادة "هيئة تحرير الشام" و"الجيش الوطني السوري"، شهدنا في الأيام القليلة الماضية مظاهرات شعبية متزايدة وخروج الناس إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد. إنهم لا يتبعون أي أوامر من "هيئة تحرير الشام" أو "الجيش الوطني السوري" أو أي جماعات معارضة مسلحة أخرى. هناك الآن مساحة للسوريين، بتناقضاتها وتحدياتها كما ذكرنا أعلاه، لمحاولة إعادة بناء المقاومة الشعبية المدنية وهياكل سلطة بديلة من الأسفل.
بالإضافة إلى ذلك، ستكون إحدى المهام الرئيسية هي معالجة الانقسام العرقي المركزي في البلاد؛ وهو الانقسام بين العرب والأكراد. يجب على القوى التقدمية أن تخوض نضالاً واضحًا ضد الشوفينية العربية للتغلب على هذا الانقسام وتأسيس التضامن بين فئات الشعب. كان هذا تحديًا منذ بداية الثورة السورية في العام 2011 ويجب مواجهته وحله بطريقة تدريجية من أجل تحرير شعب البلد حقًا.
ثمة حاجة ماسة للعودة إلى التطلعات الأصلية للثورة السورية للديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة -وبطريقة تدعم تقرير المصير الكردي. وفي حين يمكن انتقاد "حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي" بسبب أخطائه وشكل حكمه، فإنه ليس العقبة الرئيسية أمام هذا التضامن بين الأكراد والعرب. كانت العقبة هي المواقف والسياسات العدوانية والشوفينية لقوى المعارضة العربية في سورية -بدءًا من "الائتلاف الوطني السوري" الذي يهيمن عليه العرب، يليه "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، وهي هيئات المعارضة الرئيسية في المنفى المدعومة من الغرب ودول المنطقة، والتي حاولت قيادة الثورة السورية في سنواتها الأولى -واليوم، لدينا القوتان العسكريتان الرئيسيتان؛ "هيئة تحرير الشام" والجيش الوطني الاشتراكي.
في هذا السياق، يجب على القوى التقدمية أن تسعى إلى التعاون بين العرب السوريين والأكراد، بما في ذلك "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية". ويمثل مشروع "الإدارة الذاتية" ومؤسساته السياسية قطاعات كبيرة من السكان الأكراد، وقد حموه من مختلف التهديدات المحلية والخارجية.
ومع ذلك، ينطوي المشروع أيضًا على أخطاء، ويجب عدم دعمه بلا نقد. لقد استخدم "حزب الاتحاد الديمقراطي" و"الإدارة الذاتية" القوة والقمع ضد النشطاء السياسيين والجماعات التي تتحدى سلطتهما. كما انتهكا حقوق الإنسان للمدنيين. ومع ذلك، حقق المشروع بعض الإنجازات المهمة، ولا سيما زيادة مشاركة المرأة في جميع مستويات المجتمع، فضلاً عن تدوين القوانين العلمانية وإدماج الأقليات الدينية والإثنية. ومع ذلك، في القضايا الاجتماعية والاقتصادية، لم ينفصل هذا المشروع عن الرأسمالية، ولم يعالج بشكل كاف مظالم الطبقات الشعبية.
مهما كانت الانتقادات التي قد يوجهها التقدميون إلى مشروع "حزب الاتحاد الديمقراطي" و"الإدارة الذاتية"، يجب أن نرفض ونعارض الوصف العربي الشوفيني له بأنه "شيطان"، وبأنه مشروع عرقي قومي "انفصالي". ولكن في مواجهة مثل هذا التعصب الأعمى، يجب ألا نضفي طابعًا رومانسيًا على "الإدارة الذاتية" من دون نقد، كما فعل بعض الأناركيين واليساريين الغربيين، وتقديمها بشكل محرَّف على أنها شكل جديد من أشكال السلطة الديمقراطية من الأسفل.
كان هناك بالفعل بعض التعاون بين الديمقراطيين العرب السوريين والتقدميين و"الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية" والمؤسسات المرتبطة بها، ويجب البناء على ذلك وتوسيعه. ولكن، كما هو الحال في أي نوع من التعاون، لا ينبغي أن يتم ذلك من دون نقد.
في حين أنه من المهم تذكير الجميع بأن نظام بشار الأسد وحلفاءه هم أول المسؤولين عن القتل الجماعي لمئات الآلاف من المدنيين والدمار الشامل وتعميق الفقر والوضع الحالي في سورية، إلا أن هدف الثورة السورية يتجاوز ما قاله زعيم "هيئة تحرير الشام"، الجولاني، في مقابلته مع شبكة (سي. إن. إن). إنه ليس فقط إسقاط هذا النظام، بل بناء مجتمع يتسم بالديمقراطية والمساواة والحقوق الكاملة للفئات المضطهدة. وبخلاف ذلك، نحن نستبدل شرًا بآخر.
ذا تيمبست: ما هو تأثير سقوط النظام على المنطقة والقوى الإمبريالية؟ ما هو الموقف الذي يجب أن يتخذه اليسار الدولي في هذا الوضع؟
ضاهر: بعد سقوط النظام، صرح القيادي في "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني، بأن مؤسسات الدولة السورية سيشرف عليها رئيس الوزراء السابق محمد جلالي إلى أن يتم تسليمها إلى حكومة جديدة ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، بعد الانتخابات، في إشارة إلى الجهود المبذولة لضمان انتقال منظم. وقد وافق وزير الاتصالات السوري، إياد الخطيب، على التعاون مع ممثلي "هيئة تحرير الشام" لضمان استمرار عمل الاتصالات والإنترنت.
هذه مؤشرات واضحة على أن "هيئة تحرير الشام" تريد تنفيذ انتقال مسيطر عليه للسلطة من أجل تهدئة المخاوف الأجنبية، وإقامة اتصالات مع القوى الإقليمية والدولية، والحصول على الاعتراف بها كقوة شرعية يمكن التفاوض معها. وتتمثل إحدى العقبات أمام هذا التطبيع في حقيقة أن "هيئة تحرير الشام" ما تزال تعد منظمة إرهابية، في حين أن سورية ما تزال خاضعة للعقوبات.
مع ذلك، من المتوقع أن تكون هناك فترة من عدم الاستقرار في البلد. في دمشق، في اليوم التالي لسقوط النظام، شوهدت بعض الفوضى في الشوارع، وتعرض البنك المركزي، على سبيل المثال، للنهب.
ما يزال من الصعب معرفة تأثير سقوط النظام على القوى الإقليمية والإمبريالية. بالنسبة للولايات المتحدة والولايات الغربية، فإن الهدف الرئيسي الآن هو السيطرة على الأضرار لمنع الفوضى التي قد تمتد إلى بقية المنطقة. من الواضح أن دول المنطقة غير راضية عن الوضع الحالي، لأنها كانت قد دخلت في عملية تطبيع مع النظام في السنوات القليلة الماضية. وفي ما يتعلق بتركيا، سيكون هدفها الرئيسي هو تعزيز قوتها ونفوذها في سورية والتخلص من "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية" التي يقودها الأكراد في الشمال الشرقي. وقال كبير الدبلوماسيين الأتراك يوم الأحد إن الدولة التركية على اتصال مع الثوار في سورية لضمان عدم استفادة تنظيم "داعش"، وبشكل محدد "حزب العمال الكردستاني" من سقوط نظام دمشق لتوسيع نفوذهما.
مع ذلك، فإن القوى المختلفة لديها هدف مشترك: فرض شكل من أشكال الاستقرار الاستبدادي في سورية والمنطقة. ولا يعني هذا، بالطبع، الوحدة بين القوى الإقليمية والإمبريالية. إن لكل منها مصالحه الخاصة، والتي غالبًا ما تكون متعارضة، لكنهم لا يريدون زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخاصة أي نوع من عدم الاستقرار يكون من شأنه أن يعطل تدفق النفط إلى الرأسمالية العالمية.
يجب على اليسار الأممي ألا يقف إلى جانب بقايا النظام أو القوى المحلية والإقليمية والدولية للثورة المضادة. بدلاً من ذلك، يجب أن تكون البوصلة السياسية للثوريين هي مبدأ التضامن مع النضالات الشعبية والتقدمية من الأسفل. وهذا يعني دعم الجماعات والأفراد الذين تنظموا وناضلوا من أجل سورية تقدمية وشاملة، وبناء التضامن بينهم وبين الطبقات الشعبية في المنطقة.
في خضم لحظة متقلبة تشهدها سورية والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يجب أن نتجنب الفخ المزدوج من الرومانسية والانهزامية. بدلاً من ذلك، يجب أن نتبع استراتيجية التضامن الدولي النقدي والتقدمي بين القوى الشعبية في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم. هذه هي مهمة اليسار ومسؤوليته الحاسمة، خاصة في هذه الأوقات المفرطة في التعقيد.