عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-May-2019

رهاب العودة یمنع أي تسویة - دمتري شومسكي
ھآرتس
 
كما ھو معروف، مبدأ العودة غیر المحدودة، خلال السعي لتحویل یھود البلاد من اقلیة إلى اكثریة،
وعرب اسرائیل من اكثریة إلى اقلیة، لم یكن بالنسبة للحركة الصھیونیة قبل اقامة الدولة مجرد
طموح، بل استخدم بصورة صریحة كأحد الخطوط الموجھة وغیر القابلة للتنازل عنھا من قبل السیاسة الصھیونیة. والآن، الجزء المعتدل من الحركة الوطنیة الفلسطینیة التي توجد الآن، مثل الصھیونیة في النصف الاول من القرن الماضي، في مرحلة ما قبل السیادة، ترى الامور بصورة مختلفة. یبدو أن تطبیق غیر محدود لحق عودة اللاجئین الفلسطینیین إلى وطنھم لا یتم احتسابھم ضمن كل الاھداف الملزمة، بل ھو یعتبر حلم عدیم المعنى العملي الحقیقي.
ھكذا في محادثات طابا في 2001 ،اتفق یوسي بیلین ونبیل شعث، ولو بصورة غیر رسمیة، على
اعطاء حق الدخول إلى اسرائیل لـ 25 – 40 ألف لاجئ. في عملیة انابولیس اقترح الفلسطینیون
اعداد مختلفة، من حد ادنى غیر رسمي یبلغ 80 ألفا وحتى طلب رسمي یبلغ 150 ألف عائد إلى
اسرائیل خلال عشر سنوات. مھما كان الامر من الواضح أن ھناك فجوة كبیرة بین حلم عودة
ملایین اللاجئین إلى حدود اسرائیل وبین الاستعداد للاكتفاء بدخول 150 ألف لاجئ. ھذه الفجوة
تعكس التسلیم المؤلم من قبل الجھات المعتدلة في القیادة الفلسطینیة مع الواقع السیاسي والدیمغرافي في المنطقة منذ العام 1948.
ولكن في نظر الاسرائیلیین الذین تعتبر شیطنة الطرف الفلسطیني ھي قوتھم الیومي فإن الاعداد
المحددة التي طرحھا الفلسطینیون بشكل صریح في محادثات السلام أھمیتھا مثل قشرة الثوم.
بالنسبة لھم، الاھمیة الحصریة تستھدف الروح الوطنیة الفلسطینیة بشأن قداسة مبدأ حق العودة الذي یقول إنھ لكل واحد من الـ 4.5 ملیون فلسطیني المسجلین كلاجئین في الاونروا یوجد حق شخصي غیر مشكوك فیھ للعودة إلى اسرائیل.
ھذا الموقف احسن وصفھ ھنا عیدي شفارتس (”ھآرتس“، 2018/10/22 (اثناء مناقشة العودة
الفلسطینیة مع كاتب ھذا المقال. یبدو لي أنھ تجدر العودة إلى موقفھ الآن، سواء على خلفیة یوم
النكبة الذي احیاه الشعب الفلسطیني في الاسبوع الماضي أو بسبب أنھ یمثل بصورة نقیة إلى حد ما استحواذ حق العودة على معظم الجمھور الاسرائیلي، الذي یمنع أي تقدم في الطریق نحو تسویة
دائمة.
حسب شفارتس فانھ حتى لو وقعت قیادة الحركة الوطنیة الفلسطینیة ذات یوم على اتفاق دائم في
اطاره یتم التقریر بإعطاء امكانیة الدخول لاسرائیل لـ 100 ألف فلسطیني على الاكثر یمكن للطرف الفلسطیني خرق ھذا الاتفاق. لأن الفلسطینیین یواصلون التمسك بالقرار 194 للامم المتحدة في كانون الاول 1948 والذي حسب المحللون الفلسطینیون یلزم بتطبیق كاسح لحق العودة إلى حدود اسرائیل. فقط اذا تنازل قادة القومیة الفلسطینیة بصورة صریحة عن مبدأ حق العودة مھما كان من خلال التخلي الصریح عن القرار 194 ،قال شفارتس، سیكون بالامكان التوصل إلى حل للنزاع والتوصل إلى تسویة سیاسیة.
من المفید رؤیة كیف أن رھاب العودة یمكنھ أن یخلق حجج ذات دحض شدید للنفس. حیث أنھ اذا
افترضنا منذ البدایة أنھ فور التوقیع على اتفاق یحدد نھائیا عدد اللاجئین الذي سیسمح لھم بالعودة
إلى اسرائیل فان الفلسطینیین یمكن أن یمزقوه اربا اربا والمطالبة بعودة الملایین على اساس قرار
194 ،ما الذي سیزعجھم للتصرف بھذه الصورة حتى بعد أن یوقعوا على اتفاق یتضمن تنازل عن
حق العودة؟ فمن اجل ماذا الجلوس إلى طاولة المفاوضات في الوقت الذي یسود فیھ عدم ثقة بھذه
الدرجة بالطرف الآخر؟.
السلطة الفلسطینیة مستعدة للتنازل عن حلم العودة الجماعي والموافقة على تقیید عملي لعدد العائدین الفلسطینیین إلى اسرائیل، بحیث أن عددھم یكون صغیر حتى بالمقارنة مع عدد اللاجئین الذین فقدوا وطنھم في 1948) 150 ألف شخص حسب طلب الفلسطینیین في انابولیس مقابل 700 ألف لاجيء حتى بدایة 1949 ،ولا نرید التحدث عن ملایین احفاد اللاجئین.
بدلا من الالغاء المطلق لمغزى ھذا الاستعداد من الافضل تقدیر التوجھ التصالحي للاجزاء المعتدلة
في الھویة الفلسطینیة في ھذه المسألة المؤلمة. في حین أن فكرة العودة إلى كل اراضي فلسطین
بقیت كحلم، یمكن الافتراض بأنھ في اوساط القیادة الفلسطینیة في رام الله ھناك من یخافون بأنفسھم من احتمالیة أن یتحقق ھذا الحلم.
ھكذا، كأبناء شعب تحولوا خلافا لارادتھم من اكثریة إلى اقلیة في وطنھم، فان ھذه الجھات الفلسطینیة البراغماتیة تدرك أن انقلابا دیمغرافیا عنیفا یمكن أن یؤدي إلى سفك الدماء. ھم یدركون
جیدا أن ھذا ھو السیناریو المتوقع لبلاد عانت من الصعوبات. وذلك مع قدوم ملایین الفلسطینیین
إلى اسرائیل ضد ارادة الاسرائیلیین. لذلك ھم مستعدون وبصدق للتسلیم مع تحدید عدد العائدین كما طرحوه رسمیا في انابولیس.
كیف یمكن لإسرائیل التعبیر عن تقدیرھا تجاه التنازل العملي الواضح للمعتدلین الفلسطینیین
بخصوص تطبیق عودة الملایین؟ ھكذا، مقابل الموافقة النھائیة والمطلقة للفلسطینیین على تقیید عدد اللاجئین العائدین، على اسرائیل الاعتراف بالشرعیة المبدئیة للعودة ومسؤولیة الصھیونیة
الاخلاقیة عن خلق مشكلة اللاجئین والاعتذار بصورة صریحة عن النكبة.
ھذه الخطوة ستكون خطوة حكیمة وعادلة في نفس الوقت. خطوة عادلة لأن الطرد والتھجیر القصري لمئات آلاف المواطنین غیر المسلحین الذین لم یكن لھم أي دور في القتال، كانت تشكل ظلما اجرامیا لا یمكن بأي شكل من الاشكال تبریره برفض القیادة الفلسطینیة تقاسم وطنھا مع مستوطنین جاءوا منذ فترة قریبة. ھذه الخطوة عادلة بشكل خاص ازاء حقیقة أنھ في جزء من الاماكن رافق ھذه العملیة اعمال سلب ومحو قرى عن وجھ الارض وانتھى مع السلب الرسمي للاملاك الفلسطینیة حسب قانون املاك الغائبین. وأن تحمل المسؤولیة والاعتذار عن جرائم الماضي تعتبر شروطا اساسیة وضروریة لاستعادة العدل بالنسبة لعلاقات الشعوب في الحاضر.
وستكون ھذه خطوة حكیمة لأنھ بدون اعتراف صادق من اسرائیل بدورھا الاساسي في الكارثة
القومیة الفلسطینیة، لا یمكن التوصل إلى مصالحة حقیقیة بین القومیة الصھیونیة والقومیة الفلسطینیة.