عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Jul-2022

حديث عن الإدارة العامة*محمد يونس العبادي

 الراي 

يبدو أنّنا اليوم، نواجه العديد من المشاكل في الإدارة العامة، وبتنا نعيش ظواهر باتت تؤثر على الأداء العام، وتعابير هذه الظواهر نرى صداها في حادثة العقبة الأخيرة، وما رشح من تصريحات حكومية حولها.
 
جلّ هذه التصريحات، تمحورت حول العجز في تحقيق إجراءات السلامة العامة، والتعامل مع المواد الخطرة، وعدم استكمال المراسلات الداخلية، فضلاً عن التضخم في أعداد الموظفين، أو حتى عدم المقدرة على الاستفادة منهم بكفاءة، وهي إشكاليات تقودنا إلى الحديث عن الإدارة العامة اليوم، وما تعانيه من أزمات.
 
إنّ أزمات الإدارة العامة، وخاصة الإدارات المتوسطة والدنيا، وهي المعنية بالتعامل مع الناس مباشرة، وتقدير الظروف، واتخاذ القرار الفوري، هي التي تعكس الصورة العامة لأداء أيّ مؤسسة، ومقدرتها على أداء ما رسم لها من أدوار، على رأسها تيسير حياة الناس، وخدمتهم.
 
وحادثة العقبة الأخيرة، ربما تفتح الباب واسعاً، لضرورة تقييم ومراجعة أين موقع إداراتنا العامة، وماذا تحتاج لتعود إلى ألقها؟ وهل حديث اللجان والتشريعات وحده يكفي؟، ويبدو أننا نحتاج إلى جهدٍ كبيرٍ لإعادة الألق لإدارتنا العامة التي كانت محل اعتزازنا، وكانت مدرسة لكفاءات أسهمت في نهضة الدول المجاورة.
 
وكما باب الهم واسع في هذا المجال، فإنّ باب الحلول أوسع، ويعرفه أصحاب الاختصاص والشأن، ولكن، ربما أحوج ما نكون إلى البداية من تعزيز قيم الوظيفة العامة، وإعادة إنتاج رسالتها، بتوجيه المعنيين فيها، أو المنخرطين فيها، إلى الإيمان بدورهم، واليقين بأنّ أعمالهم ويومياتهم على بساطتها هي جزء من أدوار كبيرة هدفها خدمة الناس.
 
فالأردن، وطن ولاد للكفاءات، ودوائرنا ومؤسساتنا عامرة بمن يستطيع تجاوز هذه المثالب، أو الهنات، التي تقع هنا وهناك، على عظيم ما نتج عنها من خسائر، وذلك نتيجة ما تتضمنه من إرثٍ عميقةٍ جذوره.
 
ومن بين مفردات هذا الإرث، توثيقة صادرة عن حكومة الركابي، بتاريخ 13 أيار 1924م، وهي بلاغ موجه إلى مديري الدوائر يطلب فيه إليهم تزويده بتقرير عن أوضاع دوائرهم.
 
هذا البلاغ، يعكس نوعاً من صور الإدارة العامة، للحكومات الأولى، في عهد الإمارة، وجاء فيه «نظراً لاستلامي رئاسة الوزراء بمقتضى الإرادة السنية المطاعة.. وبناءً على ما يترتب علينا من النهوض بالشعب والبلاد إلى مستوى الرقي والعمران.. على كل موظف رئيسي تنظيم تقرير عن أوضاع دائرته».
 
البلاغ طلب من كل موظف رئيس تنظيم تقرير يجيب فيه عن مواد عدة، بينها «الحالة الروحية والوضعية العمومية في دائرة عمله واختصاصاته وكيف كانت عند استلامه الوظيفة».
 
بالإضافة، إلى ما هي الإصلاحات التي أجراها، وما هي الفوائد الفعلية التي ظهرت من الإصلاحات وإلى أيَ درجة حصل التقدم في العمل، كما طلب البلاغ من المديرين بينا أسباب عدم السير بالإصلاحات، «إذا لم يتمكن من تطبيق الإصلاحات المنشودة والسير بعمله إلى الأمام فما هي الموانع والأسباب وهل ثمة عوامل خاصة لذلك التوقف أو التقهقر في الأمور».
 
ويطلب البلاغ، وهو يعكس حالة من صور الإدارة العامة الساعية إلى معرفة التفاصيل، «ما هو البرنامج الخاص بالدائرة المخطوط لأجل المستقبل اعتباراً من أول نيسان 1924م.
 
وشدد البلاغ على أن التقرير يجب أن يكون عارياً من شوائب الشبهات والتردد والإبهام لأنه سيكون الميزان والمعيار الأساسي للعمل من الآن فصاعداً.
 
أهمية هذا البلاغ، كونه جاء في فترةٍ بدأت فيها الإدارة العامة تنتظم، وتتخلص مما شابها في بدايات النشأة، من موظفين عموميين جاءوا لتحقيق مكاسب، وإرساء إدارة عامة قادرة على النهوض بالدولة الناهضة.
 
وبين التعليمات اللافتة، إصدار بلاغ إلى محافظ العاصمة يتضمن الطلب إليه تنبيه الأهالي لتشجير أراضيهم، وتشغيل السجناء في تمهيد الطرق، بالإضافة إلى تنظيم ملفات الموظفين.
 
هذه الإجراءات تبعها إصدار قانون تسجيل النفوس في شباط 1925م، وغايته إصدار بطاقات الأحوال الشخصية للمواطنين وجوازات السفر، من خلال لجان لتدوين سجل بأسماء الناس.
 
هذه الإجراءات تشرح جانباً من بدايات التأسيس للدولة، وانتظام الأمور فيها، إذ نجح الأردنيون، وبالرغم من الانتداب وسطوته، في التأسيس لجهازٍ إداريٍ قادرٍ على تلبية مطالب الناس ومعالجة همومهم.
 
ورضا الركابي تولى منصب رئيس النظار، والأمير شاكر بن زيد نائب العشائر، وحسن خالد أبوالهدى ناظر المالية، والشيخ سعيد أفندي الكرمي قاضي القضاة، وإبراهيم هاشم ناظر العدلية.
 
وبين ماضٍ وحاضرٍ، يبقى الأردن فيه الخير الكثير..