عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Nov-2021

د. فايز الطراونة.. (خدمة العهدين) تقرأ في أوراق المئوية

 الراي-ملك يوسف التل

عندما يتعافى الإنسان ويعود للحياة خارجاً من غرفة الإنعاش، فإن نظرته للكثير من يوميات الحياة تتغير باتجاه المزيد العميق من الرضا والوضوح والشفافية.
 
الدكتور فايز الطراونة أسبغت عليه نعمة التعافي عباءةً أخرى، مضافة لعباءات الموروث والاجتهاد والإنجاز، فأصبح لاستعادة ذكريات أربعة عقود أمضاها «في خدمة عهدين» قيمة مضافة متحركة، صوتاً وصورة.
 
ما لم يُفصّله الدكتور الطراونة في كتابه الأخير، يتوسع به هنا اليوم، في حيثيات تقرأ بأوراق المئوية الأولى والثانية، من موقع الاستشراف المعزز بالتجربة.
 
يتحفظ دولته على بعض مخرجات لجنة التطوير السياسي، وتحديداً موضوع الأحزاب والكوتات، وينتظر ما سيفعله مجلس النواب والأعيان في مشروع قانون الأحزاب.
 
فالتعهد بأن لا تُجري السلطة التنفيذية أي تعديل على مشروع القانون، لا ينطبق دستورياً على السلطة التشريعية في مجلس الأمة.
 
في حديثه اليوم يعيد أبو زيد تظهير الكثير من الصور التي ما زالت مجالس السياسيين في عمان الغربية تستذكرها من حيثيات العقود الأربعة الماضية، بعضها في السياسية وبعضها بعيداً عن السياسة.
 
كتاب سيرة حياة الدكتور فايز الطراونة وقد اخترتم له عنوان «فى خدمة العهدين» واستذكرتم فيه تفاصيل من رئاسة الحكومة مرتين في الأعوام 1998 و2012، و3 فترات رئاسة الديوان الملكي الهاشمي،» ما هي الكوتات المعروفة وغير المعلنة التي يلتزم بها رؤساء الحكومات المكلفون، كوتات المرأة والاقليات والكوتات الجهوية والعشائرية، وغيرها؟
 
دعيني أُذكّر بأنه في ذيل كل قانون بما فيه قانون الانتخاب، يوجد نص بأن رئيس الوزراء والوزراء مكلفون بتنفيذ أحكام هذا القانون، وهذا يعني أنهم يسيرون على ما يوجد في القانون.
 
أما تفضيلي الشخصي في موضوع الكوتات فهو أمر آخر، أنا مؤيد لكوتات الشركس و المسيحيين و المرأة.
 
بعض رؤساء الحكومات السابقين اعترفوا ان التزوير في الانتخابات أمر عادي معروف، وانهم انفسهم عانوا من ذلك، ماذا تقولون؟ وما هي حصة الرئيس المكلف من صلاحية اختيار الوزراء لبعض الحقائب؟
 
لا يوجد رئيس وزراء يطلب التزوير، أي شخص رسب في الانتخابات لا يقول أنه لم يحالفه الحظ بل يقول إن هناك تزويرا، وهذا في كل الدنيا، حتى ترامب عندما لم ينجح في الانتخابات قال إن هناك تزويرا.
 
بالنسبة لي حصلت انتخابات في حكومتي، على أساس الصوت الواحد ولم أر إطلاقاً تزويراً فيها.
 
عندما بدأت الهيئة المستقلة للانتخاب جديدة، خرجت الحكومة كلياً منها وذهبت إلى الهيئة المستقلة للانتخاب، ولم يعد لوزارة الداخلية أي دور إلا مساند، فلا أستطيع أن أتهم احدا، أما تجربة رؤساء الوزراء زملائي هذا شأنهم.
 
وعن سؤالكم عن حصة الرئيس المكلف من صلاحية اختيار الوزراء لبعض الحقائب، لا أستطيع أن أتحدث عن حكومات، لكنني أتحدث عن الحكومتين التي شكلتهما.
 
أقول لكم: «أقسم بالله العلي العظيم» لم يتدخل أي شخص، في حكومتي الاثنتين وقمت بتشكيلهما كما أريد. أنا أتحدث عن تجربتي، و لا أعرف عن الحكومات الأخرى.
 
هذا السؤال يفضي بالضرورة لسؤال آخر مستديم عن حدود الولاية الدستورية لرئيس الحكومة؟
 
الحدود عالية، ومجلس الوزراء هو الذي يدير بالدستور سياسة الدولة الداخلية والخارجية، فهو له الولاية العامة، والملك يتولى السلطة التنفيذية بواسطة وزرائه.
 
ولذلك معظم الصلاحيات هي لمجلس الوزراء فيما يتعلق بالوزراء في حقائب المال العام والتعيينات وحتى العمل السياسي، فإنهم يقومون بالتنسيق مع الملك بخصوص كيفية الأدوار. و من كثرة ما تزاحمت الأزمات الداخلية أصبح رئيس الوزراء يتعامل مع وزير الخارجية الذي بدوره يتعامل مع جلالة الملك في موضوع السياسة الخارجية.
 
الآن الحكومة ليس لها علاقة بالجيش، حيث إن الامر من اختصاص القائد الأعلى للقوات المسلحة. لقد قل الارتباط برئيس الوزراء كونه رئيس الوزراء ووزير الدفاع، أما رئيس الوزراء ومجلس الوزراء فلهم الولاية العامة حيث هناك الصلة مع القوات المسلحة.
 
قصة رسالة الملك الحسين رحمه الله للشعب الأردني عن حاجته للعلاج الكيماوي وكيف اجتهدتم باختصارها؟
 
كنت وقتها رئيسا للديوان الملكي، مرت فترة ولم يأت جلالته إلى الديوان لمدة أسبوع، فاتصلت لأسأله عن أحواله، فأخبرني بأن لديه ارتفاعاً مستمراًِ في درجة الحرارة،تستدعي اجراء فحوصات طبية. وبعدها سافر جلالته الى مستشفى مايوكلينك. ذهب في شهر تموز، وبعد أسبوع بعث رسالة إلى الأمير الحسن، استلمتها الساعة السادسة صباحاً. يقول فيها: «تبين في التشخيص أن لدي سرطانا وسأخضع للعلاج الكيماوي لمدة ستة أشهر بواقع ست جرعات، كل أسبوع سأتناول جرعة لمدة ثلاثة أسابيع وبعدها ننتظر الجرعة التي بعدها، والباقي بيد الله».
 
انتظرت حتى الساعة السابعة والنصف، وتوجهت إلى بيت الأمير الحسن وأعطيته الرسالة، وكان لديه علم بالحالة، وأخبرته بأننا لا نستطيع أن ننشر مثل هذه الرسالة لدى الشعب الأردني، الذي يرى في الحسين أبا أكثر من ملك، واقترحت على الأمير الحسن أن ننشر خبراً مقتضبا عن الرسالة ونشرح حالة الملك الصحية بالتدرج وعلى مراحل خوفا أن يصبح هناك هلع، فطلب مني شرح اقتراحي على رئيس الوزراء د. عبد السلام المجالي، مضيفا أنه يبارك القرار الذي نتوصل اليه.
 
في الوقت ذاته استأذنت الأمير بالسفر إلى باريس لتسليم رسالة اعتذار من الملك الحسين للرئيس شيراك، حيث كان من المفروض في نهاية الشهر أن يغادر جلالته في زيارة رسمية إلى فرنسا، كان موعد طائرتي الساعة الحادية عشرة.
 
خرجت من بيت الأمير الحسن لرئاسة الوزراء لمقابلة الرئيس المجالي وكان يترأس جلسة مجلس الوزراء، وأخرجته من الجلسة واطلعته على الرسالة واقترحت عليه أن نختصرها.
 
وضعنا خبراً من أربعة أسطر يلخص الرسالة، ثم تابعت مسيري. وصلت مطار شارل ديجول وكان في استقبالي سفيرنا في باريس عدنان التلهوني قال لي: ان رئيس التشريفات أيمن المجالي اتصل اكثر من ثلاث مرات يسأل عني لأن الملك يريد التحدث اليّ على الهاتف.
 
بكل الأدب الهاشمي الرفيع، قال لي: «اه يا فايز.. إن شاء الله الرحلة ممتعة.. ولم تكن صعبة عليك؟».. فأجبته الحمد لله سيدي.. المهم أن نطمئن على صحتك. قال لي: «إن شاء الله كل شيء بخير، يا دولة الرئيس، أنا أرسلت رسالة الى الأمير الحسن أشرح فيها وضعي الصحي كاملا في رسالة طويلة بلغت صفحة ونصف لتخرج في النهاية باربعة اسطر فقط»!!
 
قلت لجلالته: أنا من قام بالاجتهاد، والمجتهد له أجران، فإذا أخطأت فأنا آسف، لكن أريد أن أبرر لجلالته بأنني لا أستطيع أن أبلغ الناس بأن لديك سرطاناً وانك ستبقى في الخارج ستة أشهر.
 
قال لي: «بارك الله فيك، اجتهادك ممتاز.. لكن أنا يجب أن أبلغ شعبي، أريد أن يعلم الناس لماذا سأغيب ستة أشهر عن البلد».. وطلب مني الاتصال برئيس الوزراء والطلب منه بلسان الملك نشر الرسالة كاملة وفورا». وتم ذلك.
 
حدثنا عن تفاصيل تنفيذ رغبة الراحل الملك الحسين تغيير ولاية العهد كونكم كنتم في سدة الولاية التنفيذية؟
 
كرئيس وزراء سمعت من جلالة الملك يوم الاربعاء 20 كانون الثاني في مقابلة مع الاعلامية كريستيان أمانبور بشبكة «سي ان ان» حديثا علنا عن عزمه تغيير ولاية العهد، ولم يقل من هو ولي العهد وقتها.
 
كنت أستمع لمقابلته، ومر يوم الأربعاء والخميس ولم يتحدث معي جلالته، يوم الجمعة اتصل بي وطلب مني الحضور، فذهبت وسألني إذا اسمتعت لمقابلته، فأجبته بأنني سمعتها كاملة.
 
أخبرني بأنه استلم من الأمير الحسن رسالة كريمة وسيرد عليه برسالة كريمة.
 
قال: «انا عيني منذ مدة طويلة على ابني عبدالله، فهذا حقي الدستوري وبالأساس هو الابن البكر، وغداً سأقوم بعمل ترتيب.
 
وفي الساعة الخامسة صباحاً عادت الحرارة لجلالته وعاوده المرض، لكن في اليوم التالي من لقائي مع جلالته قام بعمل الترتيب وحدثت المبادلة. فالأمير الحسن تعامل بأفضل ما يمكن، فعندما سافر جلالة الملك إلى مايوكلينك فتحنا مباركة للملك عبدالله، وكان أول شخص دخل إلى رغدان، إلى قاعة العرش الساعة التاسعة صباحاً وبارك للملك عبد الله هو الأمير الحسن، وعندما توفي جلالة الملك الساعة 11.47 دقيقة، قمنا الساعة الثالثة بعقد جلسة للنواب والاعيان مجتمعين حتى يقوم الملك عبدالله الثاني بحلف اليمين الدستورية، فجاء الأمير الحسن يقود سيارة جلالته الى البرلمان والملك عبد الله جالس بجانبه وعندها تجلت الهاشمية بأجمل صورها.
 
قصة دخولكم الديوان الملكي الهاشمي بعد التخرج من الجامعة الأردنية وذلك خلافا لرغبة الوالد الذي كان رئيسا للديوان:
 
توارثت مع تخرجي من الجامعة فكرة التحاقي بسلاح الجو الملكي لكن كيف لي الدخول من خلالها للعمل السياسي، فكرت كثيرا وقرأت بعمق كل ما يدور حول هذا الوطن، وتشبث الحسين به فغدا مثلي الأعلى، فصرفت نظري عن الالتحاق بسلاح الجو ورغبة والدي متابعة دراستي للحصول على درجة الماجستير بالسفر الى اميريكا ولم اكن اريد ذلك. ابديت رغبتي بالعمل في الديوان الملكي فرفض أبي الطلب فورا حتى لا اسبب له حرجا كرئيس ديوان.
 
القدر كان بجانبي عندما أوصلت الوالد للقاء الملك الحسين في قصر الحمر وبقيت انتظره حتى خرج بمعية جلالته فنزلت من السيارة للسلام عليه فسأني عن دراستي فقلت: بيديك الكريمتين سلمتني قبل شهرين شهادة التخرج فقال وماذا تريد ان تفعل؟ لم يتح لي بي الرد، واجاب جلالته: سيواصل دراسته في اميركا فتجرأت وقلت أتمنى ان اكون بمعية سيدنا فلم يكن لجلالته مشكلة موجها كلامه للوالد الذي قال إن علي مواصلة دراستي.
 
في اليوم التالي زارنا وصفي التل فدخلت لأقدم لهما القهوة وفي نيتي فتح الموضوع مع وصفي وقبل ان اتفوه بكلمة سألني إلى اين وصلت يا فايز وماذا تريد ان تفعل فأجبته فورا: اريد العمل في الديوان الملكي فقال: «موضوعك عندي أنا عمك». بعد يومين عاد ابي في الغروب ليعاجلني» اظن انك ستعين في الديوان». واضاف أظن ان وصفي فتح موضوع تعيينك مع جلالته وكان لي ذلك.
 
قصة الخطأ البروتوكولي الذي إرتكبتموه من خلال عملكم في دائرة التشريفات الملكية أثناء زيارة شاه إيران محمد رضا بهلو:
 
الخطأ كان عبارة عن لخبطة، من يجلس هنا ومن يجلس هناك. كنت جديداً في التشريفات، لكنني لم ارحم نفسي واعتبرت هذه اللخبطة نهاية الدنيا، فنظر إلي الملك ووجد وجهي أصفر، فاقترب مني وضربني على كتفي وقال: (مالك يا زلمه، ما خربت الدنيا، توكل على الله). هذا هو الخلق الهاشمي، ومن تلك الحادثة البسيطة بعين جلالته تغيرت مفاهيمي، تعلمت إذا أخطأ سائقي أو المراسل الموجود لدي لا يجوز أن أعاقبه، لكن إذا كان أعلى مني الأمر يختلف، وتذكرت في تلك اللحظة كلمات والدي:
 
(يا ابني لا تكبر الله أكبر.. أينما وصلت هناك من هو أعلى منك، ثانياً اقوى مع القوي واضعف مع الضعيف).