الغد
أصدرت محكمة العدل الدولية مؤخرا رأيا استشاريا حول التغير المناخي، حيث يأتي هذا الرأي بناء على ما تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في آذار لعام 2023م، من قرار طلبت خلاله من المحكمة رأيا استشاريا حول الالتزامات القانونية للدول بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بالتغير المناخي، والعواقب القانونية المترتبة على الدول التي تسببت في أضرار كبيرة نتيجة أخفاقها في الوفاء بتلك الالتزامات.
أهمية هذا القرار تأتي في سياقات متعددة أبرزها تصدر التغير المناخي بوصفه قضية ذات انعكاسات ملموسة على مجالات الحياة كافة، النقاش العالمي والإقليمي والمحلي مؤخرا؛ حيث أصبح المناخ بمتغيراته المتشعبة يلقي ظلالا ثقيلة على واقع حقوق الإنسان سواء البيئية أو الصحية أو ما يتعلق بقضايا العمل وانعكاساته على حقوق فئات بعينها كالأشخاص ذوي الإعاقة والمرأة والأطفال وغيرهم.
هذا من جانب، أما على الصعيد الآخر فتكمن جوهرية هذا القرار في عدة اعتبارات في سياق المضمون الذي طرح من خلاله؛ حيث ربط القرار مجددا بين التغير المناخي والتنمية المستدامة وأبرز الترابط العضوي فيما بينهما، وتأثير ما يشهده العالم على صعيد المناخ على القدرة على تحقيق أهداف التنمية وعلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان عموما.
كما أكد القرار ذاته على مبدأ مهم ومحوري وهو مبدأ المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة؛ ما يعني التمييز في المسؤولية المترتبة على التغير المناخي بين الدول وفقا لتاريخها في مجال الانبعاثات والتلوث عموما خاصة الدول الصناعية منها.
هذا التباين الذي يستتبعه تمكين الدول المتضررة من المطالبة بالتعويض أو اتخاذ إجراءات قانونية بحق الدول التي تخالف التزاماتها الدولية في إطار القانون الدولي البيئي وبموجب مبدأ عدم التسبب بضرر لدولة أخرى.
في سياق متصل أشار الرأي الاستشاري إلى حقوق الأجيال القادمة، حيث استندت محكمة العدل الدولية الى مبدأ مهم يحكم القانون الدولي وهو أن الحماية يتوجب أن تمتد لحماية الأجيال القادمة من الأضرار الناتجة عن التغير المناخي ذات الأثر طويل الأمد، وهو ما يعني أن الدول تتحمل التزاما وقائيا تجاه الأجيال القادمة، كما أكدت المحكمة ذاتها أن مفهوم العدالة المناخية يجب أن يشمل العدالة بين الأجيال؛ فلا يجوز لجيل أن يستنفذ الموارد أو يضر بالنظام البيئي على نحو يقيد خيارات الأجيال المقبلة، مؤكدة أن السياسات المناخية عالميا ووطنيا يجب ألا تبنى فقط على المصالح الحالية، بل لا بد من تقييم أثرها في المستقبل البعيد وتأثيرها على الأجيال القادمة.
الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ينطوي على مسائل عدة وجوهرية ومن الأهمية بمكان على الصعيد الوطني متابعة المستجدات دوليا فيما يتعلق بالتغير المناخي، والأدوات القانونية المستجدة التي يمكن استخدامها في أي قضايا قد تطرأ في ظل تأثيرات متزايدة للتغير المناخي أصبح يعاني منها الأردن ويلمس آثارها على أرض الواقع، وأمست تهديدا حقيقيا لإنفاذ أهداف التنمية المستدامة.