عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Feb-2019

”العطار“ لسامي.. طین الروایة وشخوصها
عمان – الغد- ”العطار“ ھو اسم الروایة الصادرة عن الآن ناشرون وموزعون، بعمان للكاتب التونسي نصر سامي، وجمال العطار ھو اسم بطل الروایة التي تقع في 256 صفحة من القطع الوسط.
ھذه الروایة، ھي غابة من السرود والحكایات والروایات والقصص التي ترحل بالقارئ بین الأزمان والأمكنة ودھالیز الحیاة والنفس البشریة.
تبدأ الحكایة من نھایة الحكایة التي ینقطع فیھا البطل عن معاصیھ وآثامھ وجرائمھ للقراءة والعبادة، غیر أن ماضیھ الذي یطارده لا یمنحھ الفرصة للتطھیر والتطھر في العزلة التي اختارھا.
یقسم الكاتب الروایة إلى خمسة أقسام، یحمل الأول عنوان مقدمات أو نھایات، لا فرق أبدا، في ّ ھذا القسم یقد ً م العطار رجلا ً غامضا على ھیئة ناسك أو متصوف، یھجر ملذات الدنیا، ولكن قدره یطارده بالنساء والثارات القدیمة، وفي القسم الثاني الذي حمل عنوان ”نساء في حیاة العطار قبل الرحیل“ فیھ سرد لعلاقات العطار مع نساء من كل الألوان والأطیاف، كل واحدة لھا قصة، وطعم ومذاق، ولكن نھایتھن تكون واحدة.
وفي القسم الثالث الذي حمل عنوان ”طین الروایات وأبطالھا“، یحكي الكاتب عن مناخات الكتابة التي تختلط بالنحت والرسم في تصویر الوجوه وجوانیات الأبطال وعلاقة الكاتب بھم، وفي القسم الرابع یسرد الكاتب رحلة في عوالم مجھولة ومتناقضة تصل حد الرعب، رحلة لیس مخططا لھا بل تقوده في كل مرة قدماه لمصائد وورطات ینجو منھا بما أوتي من لعنات.
وفي خواتم الخطایا 2 یعید الكاتب تدویر كل الحكایة لحوار مع القارئ، وأضاء على نھایة العطار الذي یعود إلى بلده ویجمع شتات رحلاتھ وأوراقھ لتكون الروایة.
ویستھل الكاتب الروایة بالنمط الحكائي التراثي الذي یفترض وجود جمھور، ویقول: یا سادة، یا مادة، سأحكي لكم فیما یلي حكایة جمال الدین العطار، وھو أیضا اسم تراثي یضارع أسماء المتصوفة، ویختار المفردات التراثیة التي تشبھ سرد ألف لیلة ولیلة: ”الصباح ھنا مبلول، خائر، جاثم على القلوب، والأھل والولد بعیدون عنھ، بینھ وبینھم زمن“، ویفید من الموروث الشفاھي المحكي لمقاربات تستنطق المسكوت عنھ في الروایة الرسمیة، لتفجیر طاقة المحكي الشعبي كجزء من الخطاب الراھن، لمقاربات مع الواقع.
وفي تلك الأقسام التي تمثل مشاھد مقطعة یحكي قصة العطار الذي تمتزج شخصیتھ بینّ الصعلكة والصوفیة، والنبل والخسة الذي تقوده أقداره لمغادرة قریتھ، ثم یعمل سائقا لنقل الممنوعات، وخلال ذلك یرتبط بعدد من النساء.
وخلال عملھ ھذا ینتقل على مساحات ومفاوز وأدغال في إفریقیا، ویخوض صراعات ویتعرض للخطر، ویمارس الاحتیال والقتل والتعبد والصلاة وأعمال الخیر، وكلما أراد أن یخرج من تلك الشباك التي وقع فیھا، یعیده ماضیھ إلى المربع الأول.
والروایة تقع أحداثھا بین تونس ولیبیا والمغرب والصحراء المغربیة والسنغال وتشاد والكنغو، وخلال ذلك یتوقف عند جغرافیة المكان الثقافیة او عادات الناس فیھ، وصراعاتھ لتحصیل لقمة العیش التي یدفعون ثمنھا بأجسادھم ودمھم، ویعرض خلال ذلك الصراعات التي یدفع ثمنھا الناس البسطاء الذین یفقدون حیاتھم بالمجان.
ومن ھنا, في روایة المكان، الذي یسرده عرضیا من خلال رحلاتھ، تقع الروایة في حقل أدبّ الرحلات، وفي السیاق, وھو یحكي ذلك, فھو یقدم روایة السیرة الذاتیة والغیریة التي تكشف عن إنسان تلك المنطقة الشاسعة في الصحراء والأدغال التي لا تختلف صراعاتھا عن كائناتھا المتوحشة.
وفي الزمان فھي تتناول العقود الثلاثة المنصرمة التي تعرضت فیھا القارة لزلزال العولمة، وبروز اقتصادات التھریب وظھور اقطاعیاتھا وعصاباتھا التي تتاجر بكل شئ، بكل ما یحتاجھ الإنسان، وحتى البشر، وتحكمھا علاقات الرشاوى والعنف والدجل، وظھور الدین كغطاء لممارسات تلك العصابات.
وفي تلك الحقبة الممتدة زمانا ومكانا شاسعین، یلجأ الراوي إلى تولید الحكایة التي تشبھ حكایات
ألف لیلة ولیلة في أسفارھا وقطعھا المفازات ودھشة وصفھا للمجتمعات، وعرضھا للحیاة الشھوانیة ولذاتھا، وتنوعھا بین البذخ والفقر والرفاه والمعاناة.
ولأھمیة حضور المرأة، یرسم الكاتب بورتریھات، أو مشاھد منفصلة لكل من نساء العطار تغدو  فیھ, المرأة نص ً ا أدبیا، وكینونة من لحم ودم ومشاعر، وتظھر في الوقت ذاتھ ذئبیة الإنسان، وبالمناسبة فالروایة بصرف النظر عن واقعیتھا بالمعنى الحرفي، أو واقعیتھا بالمعنى الأدبي في احتمالیة الحدوث، فھي تمثل شاھدا على التحولات التي كانت تجري في إفریقیا في تلك الحقبة، ُفقا لقراءة المستقبل الذي یقع بین الرغبة والجشع وما تجري فیھا من جمر تحت الرماد، وتفتح أ والفاقة والقھر الذي یحول الكائن إلى مسخ.
ویفید الكاتب من موھبتھ في الرسم والنحت لیس في تصویر الشخصیات فحسب، بل في تخلیقھا
وقتلھا، لیناقش خلال ذلك نمو الشخصیة في الروایة، وحكایتھا، ویغدو الكاتب في الروایة  متورط ً ا في الحكایة وجزءا منھا، لتصبح روایة في الروایة.
ّ وعلى بساطة اللغة التي یمیل في كثیر منھا للتصویر والوصف والتكرار، فھو یشجر المتون بعدد من النصوص الشعریة والمقولات من التاریخ، ومن الواضح أن سعة اطلاع وثقافة الكاتب بما تشیر سیرتھ الذاتیة قد ساھمت في إغناء الروایة لجھة الموضوع في ولوجھ لمنطقة بكر وراھنة بكل صراعاتھا من خلال شخصیة العطار الشاھد والشھید، ومن خلال الشكل الذي مثل غابة من السرود.
ویبقى الكاتب حتى في نھایة ما أراد أن یقدم من سیرة مراوغا بأسئلتھ الاستنكاریة التي توقع القارئ في شرك القراءة، وتحدیدا فیما یقدم من شكل جدید في السرد الذي یصفھ بالقول الدارج ”حكایتنا غابة، كل عام تجینا صابة“.
ویختم: ”الآن, وقد أكملت الروایة أتساءل أنا الكاتب نصر سامي، ھل ھذه الروایة روایة حقا، وبطلھا جمال الدین العطار، ھل ھو بطلھا حقا..، وھذا الكتاب لا یجب أن یقرأ باعتباره روایة تقلیدیة ، ولیس بالقطع روایة تجریبیة، بل ھو نوع من السرد الروائي التأملي الذي یشترك الكاتب والقارئ في كتابتھ وإعادة ترتیبھ“.
یشار إلى أن الكاتب نصر سامي، موالید تونس، حاصل على الدكتوراه في الأدب العربي،صدرت لھ ثلاث روایات، وتسع مجموعات شعریة، ومسرحیة واحدة.
ولھ كتابان في النقد، ترجمت أعمالھ ونصوصھ إلى غیر لغة حیة، نال عددا من الجوائز، منھا:
كتارا للروایة العربیة عن مخطوطتھ ”الطائر البشري“، وجائزة الشارقة للإبداع عن روایتھ“حكایات جابر الراعي“.