عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Oct-2025

محكومون بالهلاك*سائد كراجة

 الغد

إن لم تُحلّ القضية الفلسطينية، فإننا سنهلك – we’re doomed – هذا ما قاله جلالة الملك عبد الله الثاني في مقابلته مع BBC الأسبوع الماضي. وبهذا التصريح، أعاد جلالة الملك التأكيد على أن القضية الفلسطينية هي مفتاح استقرار النظام الإقليمي من المحيط إلى الخليج، وأن تجاهلها يعني إبقاءَ المنطقة في حالة حربٍ باردةٍ أو مستعرة.
 
 
 انتقلت إسرائيل في تنفيذ مشروعها الصهيوني إلى مرحلةٍ جديدة؛ فبعدما استخدمت ذريعة “الخطر الوجودي” وأمنها المهدَّد من قبل جيرانها المتوحشين، انتقل خطابها من خطاب الدفاع إلى فعل التوسّع والسيطرة البوليسية العسكرية. وبعد أن استغلت ملهاة “عملية السلام” لفرض واقعٍ استيطاني على الأرض، انتقلت إلى سياسةٍ أخطر، ألا وهي: تجريد الفلسطينيين من هويتهم وحقهم في تقرير المصير، وتحويل قضيتهم إلى ملفٍ سكانيٍ يُدار بالمساعدات أو بالتهجير القسري، الخشن أو الناعم.
 وهكذا أصبحت إسرائيل تُؤدي دور “بوليس المنطقة”، أي الدولة التي تُكلَّف – ضمنيًا– بمهمة حفظ النظام الإقليمي بما يخدم مصالح الغرب، حتى لو كان ذلك على حساب شعوب المنطقة. وهذا الدور يُذكّرنا بما كان عليه شاه إيران قبل الثورة، حين كان يُعتبر حارس المصالح الأميركية في الخليج. فبهذا الموقع الجديد، تضمن إسرائيل استمرار الدعم الغربي لها سياسيًا وعسكريًا، بل وحتى لاهوتيًا، من خلال الخطاب الديني والثقافي الذي يبرّر تفوّقها وحقها في السيطرة.
 أما واشنطن، فقد تخلّت عن دور الوسيط وتحولت إلى شريكٍ مباشرٍ في إدارة الصراع. ولم تعد تتعامل مع القضية الفلسطينية كملفٍ يحتاج إلى حلٍّ عادل، بل كأداةٍ لضبط التوازن الإقليمي بما يخدم مصالحها. ومع انكشاف وجهها الحقيقي واستعدادها للتضحية بأي نظام يعارض مصالح إسرائيل، ظلّ الموقف العربي يتأرجح بين الترقب والإصرار على التعلّق بفقه النجاة عبر التحالف مع أميركا، بدل أن يتحول إلى موقفٍ مستقل قادرٍ على حماية مصالحه.
 العواصم العربية من جهتها تعيش مفارقة قاسية: بين اعتمادها على أميركا وعلى الغرب لضمان أمنها أو لضمان بقائها، الأمر الذي فاقم تحديات هذه الأنظمة داخليًا. فالدول التي تعتمد بشكل أساسي على استمداد أمنها من الخارج تفقد قدرتها على بناء استقرارٍ حقيقي، خصوصًا وقد سقطت عمليًا مقولة أكثر الأنظمة العربية عن أن دولهم القُطرية قادرةٌ على النجاة بمفردها.
 وفي ظل هذه المفارقة، تبرز فرصة نادرة لإعادة صياغة الموقف العربي، خاصة بعد تراجع الأيديولوجيات، وانحسار الحروب المذهبية، وتَكشُّف زيف الشعارات القديمة. فقد تبيّن أن “السلام” لم يكن مشروعًا إسرائيليًا ولا أميركيًا، بل وسيلةً لإدارة الوقت وشراء الهدوء. ومع احتدام التنافس بين واشنطن وبكين على النفوذ في المنطقة، يستطيع العرب — إن أحسنوا التحرك— تحويل هذا الصراع إلى فرصةٍ لاستعادة التوازن وبناء أوراق تفاوضٍ جديدة.
 التحذير الملكي لم يكن نغمة يأس، بل إنذار استراتيجي يذكّر بأن بقاء العرب خارج مشروعٍ جمعيّ يعني خروجهم من التاريخ السياسي للمنطقة. فالمعادلة واضحة: لا أمن بلا عدالة، ولا استقرار بلا حلٍّ عادلٍ للقضية الفلسطينية.
 واليوم، وقد دقّ جلالة الملك ناقوس الخطر، فإن من المنطقي أن تبدأ من عمّان مبادرةٌ عربيةٌ لفتح مراجعةٍ سياسيةٍ شاملةٍ للمنظومة العربية، تعيد تعريف الأمن الإقليمي على أسس العدالة والمصلحة المشتركة قبل أن تُفرض علينا خرائط جديدة تُرسم في غيابنا. فالتحذير الذي أطلقه الملك ليس خاتمةً للنقاش، بل يمكن أن يشكّل بداية مرحلةٍ جديدةٍ من العمل العربي الضروري قبل أن يعمّ الهلاك، وإن غدًا لصانعه قريب جنابك.