الدستور
الأشقاء في سلطنة عمان، رعاة الحوار الأميركي الإيراني، متفائلون بعد الجولة الثانية من المباحثات غير المباشرة في روما، بتوافق ظهر بين البلدين المتحاورين.
عُقدت جلستا التفاوض، وستُعقد الجلسات التالية تحت ضغط أميركي مُعلن: اقبلوا وإلا ستواجهون الأسوأ، وتحريض ووعيد إسرائيلي بتدمير برنامج إيران النووي.
تتفاوض إيران تحت الضغط، ومن موقع الطرف الأضعف. تريد الاحتفاظ ببرنامجها النووي وقدراتها العسكرية، ونظامها السياسي كذلك.
وتتفاوض الولايات المتحدة من موقف القوة العظمى التي تدير الكرة الأرضية، وتشكّل الشرق الأوسط وفقًا لرؤيتها.
يرحب الأردن بالتوافق، إيمانًا منه بأهمية أمن المنطقة وانعكاساته على تخفيض مستوى التوتر والقتل والدمار، ووقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، فكلما هدّدت طهران أو حرّضت، زاد القصف على غزة، واقتحامات الضفة الغربية، واستباحة سوريا ولبنان واليمن.
هل نتفاءل أكثر؟ وماذا إن توصلت الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق دائم؟
باختصار، ماذا عن وحدة الساحات؟
تدخلت إيران مباشرة في شؤون أربع دول عربية، وأعلنت دعمها لحركة حماس.
بعد السابع من أكتوبر 2023، أدخلت إيران المنطقة ضمن مفهوم وحدة الساحات، فأوصلتها إلى أسوأ حالات الضعف، ومنحت اليمين المتطرف الإسرائيلي، بقيادة نتنياهو، ذريعة لمزيد من القتل والدمار بلا رحمة ولا إنسانية، وأوصلت القضية الفلسطينية إلى مرحلة خطيرة تهدد بتصفيتها.
أعود إلى وحدة الساحات، فهل ستتفاوض إيران أصالة عن نفسها فقط؟ وما مصير الساحات؟
الساحات الخمس التي حاولت إيران توحيدها هي ساحات عربية، والدمار الذي وقع هو لمقدّرات عربية، والقتل هو للإنسان العربي، واليأس كذلك.
لن يكون للساحات العربية بواكٍ في طهران، ولا من خلال حوار إيران مع الولايات المتحدة، وربما مع أوروبا لاحقًا، فكل ما نُقل عن المفاوضات تركز على البرنامج النووي والعلاقات الثنائية، ولم يبحث الأوضاع الإقليمية ووحدة الساحات.
يرحب الأردن بالتوافق، وهو يكتشف للتو مؤامرة كانت تستهدف أمنه واستقراره،
رغم كل ما بذله من جهود تفوق قدراته في نصرة أشقائه، وفضح مخططات أعداء فلسطين وقضيتها، والفلسطينيين وحقوقهم المشروعة.
أدركت الدولة من البداية أن نزول جماعة الإخوان المسلمين إلى الشوارع، واستثارة قياديين فيها للمشاعر والعشائر، محاولة للاستقواء وعرض العضلات.
أنتجت هذه السلوكات، واستثمار غضب الأردنيين، حاضنة أوصلت بعض المتحمّسين للمغامرة بأمن الوطن، والخروج على الدولة، وضرب الاستقرار، وتهديد السلم المجتمعي، وإشاعة الفوضى.
إضعاف الأردن هو أكبر هدية يمكن أن يقدمها الإرهاب لحكومة التطرف الإسرائيلي، وأكبر ضربة يمكن أن يتلقاها الأشقاء الفلسطينيون، إضافة إلى الضرر الكبير الذي سيلحق بأمننا واقتصادنا واستقرارنا.
عندما قامت ثورة «الربيع المصري»، وفاز الإخوان المسلمون بالسلطة، بل واحتكروها في حينه، بلغ الأمر ببعض المتحمّسين من إخواننا أنهم أرادوا مخاطبة حكومتنا من القاهرة.
اليوم، يفهم متحمّسون آخرون أن ما يجري في سوريا ربما يشكّل فرصة جديدة لمخاطبتنا من دمشق.
الأردن بلد يستوعب كل الآراء والأفكار، ويقبل الاختلاف والنقد، وحتى الإساءات، لكنه لا يقبل التآمر عليه، والعبث بأمنه واستقراره.