عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Sep-2022

العرب خسائر عرضية لسياسات غورباتشوف..!* علاء الدين أبو زينة

 الغد

كُتب الكثير عن الزعيم السوفياتي الأخير، ميخائيل غورباتشوف، بعد وفاته في 30 آب (أغسطس) الماضي. وكان عمله الكبير الذي ركزت عليه معظم المقاربات هو إنهاؤه الحرب الباردة بتفكيكه الاتحاد السوفياتي. وحظي هذا العمل بإشادة المعلقين الغربيين بشكل عام، باعتباره إيذاناً بانتصار الغرب ونظريته. لكن بعضهم قرأ عمله في أبعاده واسعة النطاق. فبدلاً من أن يكون حسم الصراع لمصلحة الغرب سبباً في جلب السلم العالمي ورفاه البشرية –غايات الغرب العليا، كما يزعم- استفردت بالبشرية قوة وحيدة وتصرفت بالعالم وفاقاً لطبيعتها العدوانية البنوية. وقد امتلأ العالم، بعد ذهاب ضوابط السوفيات وتوازناتهم، بدلاً من السلم جوراً وحروباً وغزوات. وبذلك، يستحق غورباتشوف المديح، من زاوية الغرب، لأنه سلّمهم مفاتيح التحكم في العالم وإذلاله فقط.
بالنسبة لنا نحن العرب، كمتأثرين سلبيين دائمين، كانت سياسات غورباتشوف وبالاً. وليست الفكرة أن السوفيات كانوا مُغرمين بالعرب. كان السوفيات براغماتيين. وللنظر فقط في مقاييس مواقفهم المتحولة تجاه العرب وقضاياهم كما عبر عنها السفير السوفياتي في لندن، إيفان مايسكي، الذي كان أول من اتصل بالصهاينة في العام 1941: «في عشرينيات القرن، كان لا يمكن لنا سوى أن ننظر إلى الصهيونية على أنها وكالة للإمبريالية. لكن الوضع تغير الآن. […] إذا كانت روسيا السوفياتية تريد أن تهتم بمستقبل الشرق الأوسط، فمن الواضح أن اليهود المتقدمين والتقدميين في فلسطين يحملون وعودًا أفضل بالنسبة لنا من العرب المتخلفين الخاضعين لسيطرة الزمر الإقطاعية».
ولكن، لأن «الحرب الباردة» كانت صراعاً على الهيمنة وتقاسم كعكعة النفوذ، كان من مصلحة السوفيات تسجيل أكبر قدر ممكن من العرب في خانتهم، باعتبار منطقة العربية تخوماً لمنطقة نفوذ السوفيات، ولأن لدى العرب مظالم من الاستعمارات الغربية والسياسات الأميركية المعادية لهم. ولم يكن ثمة بأس في ذلك. نحن العرب نحتاج، في التحصيل الأخير، إلى قوة عالمية «صديقة» تبيعنا السلاح وتحتوينا تحت جناحها، حتى لو كان ذلك لتحسين شروط منافستها مع الغرب. يُضاف إلى ذلك وعد الاشتراكية المغوي بالنسبة للعرب الفقراء المعوزين لسبل العيش والحرية. وفي الحقيقة، كانت الاشتراكية صرخة تحشيد ساعدت في تعبئة قطاعات من الجمهور العربي ضد الأنظمة السكونية المحلية المنسجمة مع السادة الخارجيين. وصنع ذلك حركة مهمة في المياه الراكدة وأملاً في جلب شيء واعد. وكان القمع الشديد الذي لاقاه معتنقو الأفكار السوفياتية دليلاً على جرأة المشروع ومدى إقلاقه للنظم المستقرة.
عملياً، أدى انهيار الاتحاد السوفياتي إلى ترك البلدان العربية التي كانت محسوبة عليه مكشوفة تماماً. وكان من أبرز تداعيات ذلك غزو العراق الوحشي واحتلاله في العام 2003. وقد سهل ذلك الغزو بالتأكيد الفراغ الذي خلّفه الاتحاد السوفياتي الذي كان يمتلك النفوذ لمنع هذا الغزو واعتباها تعدياً يهدد أمنه. وآن ذلك الغزو بقدوم حقبة سوداء للعالم العربي. توالت الاعترافات بالكيان الاستعماري في فلسطين والتخلي عن «قضية العرب لمركزية». وأُحمت السيطرة الأجنبية على منابع النفط. واستبيحت الدول العربية المعارضة للسياسة الأميركية والصهيونية وتم تدمير شعوبها ومقدراتها. وغرقت المنطقة في الحروب الأهلية والعداوات الإقليمية. وصعدت القوى العنيفة المتطرفة، وانكب العرب على التآمر على العرب، وعشرات المظاهر القاتمة.
كانت أحلام العرب التي كُسرت وحرياتهم التي صودرت وأرواحهم التي فُقدت في العقود الأخيرة «خسائر جانبية» لاجتهادات غورباتشوف. ولا يمكن حصر حجم الدمار المادي والمعنوي والحضاري الذي أوقعته بالعرب أحادية القطب وما تزال. وكان انهيار مشروع «اليسار العربي» المستدفئ بالاتحاد السوفياتي خسراناً لبديل مهم منح الأمل. وقد فقد الكثير من منتسبيه إيمانهم بسقوط المثال – وحولت الخيبة كثيرين إلى حياد المصدوم، إن لم يكن النقيض المطلق- وسقطوا في النضال بغير قتال.
مرة أخرى، في القضية الفلسطينية، كمثال على عمل غورباتشوف، كتب إقبال جاسات: «كان من الواضح أن غورباتشوف لم يكن لديه أي ميل إلى تأييد نضال فلسطين العادل من أجل التحرر، بعيداً عن خطابه الهزيل حول ’التسوية التفاوضية‘، وهو يعلم جيدًا أن فتح الأبواب على مصاريعها لملايين المهاجرين اليهود السوفيات سيعزز موقف إسرائيل في مواجهة التحديات الديمغرافية».
من أجل السياق، كان التأثير المدمر لعمل رجل واحد، غورباتشوف، تجلياً لما يفعله المتحكمون بأقدار العرب، الذين عملهم تسليم مصائر شعوبهم لمشيئة الآخرين.