عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Nov-2019

من دفاتر شهداء الجيش العظيم

 

فراس العجلوني.. النسر الأردني عندما حلق فوق الأراضي المحتلة وقصف المواقع العسكرية للعدو
 
عمان-الدستور - محمود كريشان
وَيَفوحَ العَبيرُ مِنْ شهداءِ الجيشِ
فالأحمرُ الزّكِيُّ .. زُهــورُ
مِنْ هُنا تَبْدَأُ الطريقُ إلى اللهِ
وإنّا على الطّريقِ نَســيرُ
انها اطلالة لـ»الدستور» على دفاتر شهداء لقواتنا المسلحة الاردنية ـ الجيش العربي، كبرى مؤسسات الوطن، عنوان الأمن والاستقرار، ونبع الطيب والشهامة.. كان ولا يزال الجيش العظيم نبضا تخفق بحبه قلوب ابناء الوطن؛ لأن الجيش فاتحة اعراس الارض، نلجأ اليه، ونلوذ به، ولا تغيب بقعة دم شهيد من دفاتره المشرقة، ومن دفاتر اطفالنا، ليبقى «الاردن الهاشمي» امانة وطنية، يحرسها الجيش العربي.. الى آخر الدم والزمان.
وعودا الى مجد وعشق.. فإن الرائد الطيار المقاتل فراس العجلوني هو من أبناء المناضل محمد علي العجلوني أحد ابطال الثورة العربية الكبرى ومعركة ميسلون في سورية ضد الاستعمار الفرنسي. وولد الشهيد فراس العام 1936 في عنجرة بمحافظة عجلون، ونشأ وترعرع في أسرة لها بالعمل الوطني والخدمة العسكرية والبطولات في مواجهة أعداء الأمة، ما يفيض عن حجم الكلمات. وقد التحق الشهيد فراس بالخدمة العسكرية في سلاح الجو الملكي العام 1954، وتفوق في دورات تدريبية متقدمة في بريطانيا ودول اخرى واصبح طيارا مقاتلا متفوقا بعد ان حصل على جناح الطيران وعاد الى الوطن وصار قائدا لسرب طائرات الهوكر هنتر المقاتلة في قاعدة الحسين الجوية بالمفرق.
وتشير المعلومات الى ان أول معركة جوية للشهيد العجلوني ضد العدو الصهيوني العام 1966 في معركة الخليل الجوية، حيث أسقط فراس وزملاؤه بضع طائرات من نوع ميراج الفرنسية، بالطائرات التي كان سلاح الجو الملكي الاردني يمتلكها من نوع «هوكو هنتر» التي لا تقارن بكفاءتها القتالية مع طائرات الميراج الاسرائيلية. بعد تلك المعركة الجوية قلد المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال الشهيد فراس وسام الإقدام العسكري، وهو أعلى وسام أعطي في ميادين القتال لفراس وزملائه، كما تم ترفيعهم للرتبة الأعلى.
والله لأخذ بثأرك يا موفق
وفي معركة اشتبك فيها سلاح الجو الملكي مع العدو الاسرائيلي استشهد على إثرها البطل الملازم موفق السلطي؛ إذْ كان من أعز أصدقاء فراس ومن أفضل تلاميذه وقد تجاورا في جبل اللويبدة، وقد أقسم على ضريح الشهيد السلطي أن «ينتقم له» قائلا: والله غير آخذ بثأرك يا موفق..
وفي صبيحة الخامس من حزيران 1967، خرج «فراس» وزملاؤه لضرب أهداف في العمق الإسرائيلي من بينها مطار اللد، حيث كانت الطائرات الإسرائيلية منشغلة في ضرب مطارات سورية ومصر، وفي هذه الجولة دمر فراس وزملاؤه العديد من الطائرات الإسرائيلية وكثيراً من الأهداف العسكرية للعدو. وبسبب عدم قدرة الطائرات التابعة لسلاح الجو على التزود بالسلاح الكافي لإنجاز مهمتها في مرة واحدة، عادت الطائرات لقاعدة الملك الحسين الجوية بالمفرق للتزود بالذخيرة والوقود، حتى تستكمل مهمتها القتالية، ومع بدء تحليق طائرة فراس من على المدرج في بداية الاقلاع حيث كان القدر له بالمرصاد وأصابوه في طائرته وهو بداخلها. وكان للشهيد فراس العجلوني شرف تسجيل اول مقاتل طيار عربي يقوم بمهاجمة الأهداف العسكرية في العمق الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المغتصبة، فكان رمزا واقداما لاول طيار مقاتل يضرب الاهداف العسكرية الاسرائيلية داخل الأراضي المحتلة.
شهادة المشير عبدالحكيم عامر
ومن ما تحتفظ فيه ذاكرة رفاق السلاح وذوي الشهيد البطل انه وخلال زيارة المشير عبدالحكيم عامر للأردن العام 1964 حيث قدم له فراس وأمام المغفور له جلالة الملك الحسين عرضا جويا مميزاً، لم يصدق المشير عامر بأن هذا الطيار عربي لبراعته في الطيران حتى تحقق من ذلك بنفسه، وشاهد فراس وهو ينزل من طائرته، إذْ قال له المشير عامر: «يا ريت كل طيارين العرب بمستواك القتالي البارع».
اسد فوق حيفا
وقد قالت الاديبة الفلسطينية روضة الفرخ الهدهد في مقدمة كتابها «أسد فوق حيفا»: لان فراس كان ضمير جيل بأكمله.. لان فراس جمع بين المبدأ والتطبيق.. آمن بالقضية الفلسطينية واستشهد لأجلها.. لأن فراس كان اول من ضرب بالعمق الاسرائيلي .. في معركة خسر فيها العرب طائراتهم واجهزتهم الهجومية والدفاعية وهي على الارض لم تتحرك بعد؛ لان الهزيمة لا تعني اغفال البطولات ..
بهذه الكلمات افتتح كتاب «اسد فوق حيفا» واسد حيفا ما هو الا الطيار الاردني فراس العجلوني الذي كان جندياً من جنود الله فوق الارض و بطائرته الهوكر هنتر خاض اولى معاركه مع سلاح الجو الصهيوني العام 1966 إذْ استطاع برفقة زملائه اسقاط العديد من مقاتلات العدو الميراج الفرنسية الصنع والتي تفوق ما يحارب به اضعافاً مضاعفة.
وبعد نصره في هذه المعركة واثبات بطولته الكبيرة قلد العجلوني وسام الاقدام العسكري وتم ترفيعه رتبة عسكرية برفقة زميله الطيار بدر الدين ظاظا.
وفوق بلدة السموع كانت المعركة الجوية التالية التي لم يتح لفراس ان يشارك فيها واستشهد فيها اقرب رفاقه على قلبه «الشهيد الطيار الملازم موفق بدر السلطي» فكان له عظيم الاثر في نفس فراس، خاصة انه لم يكن برفقة زملائه في هذه المعركة ولم يستطع الدفاع عنهم فما كان منه الا ان اقسم ان ينتقم من قاتلي رفيقه.
وكان له ما اراد فقد حظي العجلوني بأن ينال شرفاً لا يضاهيه شرف ليكون اول طيار عربي يهاجم في العمق الاسرائيلي ويقصف اهدافاً إسرائيلية لم يصلها الطيران العربي قبل ذلك وكان الوقت مناسباً ويحتاج لقرار ذكي إذْ توالت الاخبار ان الطيران الصهيوني يهاجم مطارات مصر وطائرات العدو في الجو اتخذ فراس قراره وحرك سربه لضرب قواعد تلك الطائرات التي تهاجم مصر.
فراس العجلوني يختار افضل خمسة طيارين في سربه المقاتل ويهاجم اهدافه التي لم يحلم أي عربي في ذلك الوقت بالوصول اليها «المطار العسكري قرب نتانيا والمطار العسكري قرب تل ابيب ومصفاة البترول في حيفا».
تمت العملية بنجاح كبير وكان أوفى فراس بوعده الذي قطعه على نفسه بالثأر لرفيق دربه « موفق بدر السلطي».. ولانه يعشق فلسطين ويعشق ترابها فقد امر سربه بالتجهز لعملية اخرى فور التزود بالذخيرة والوقود لاكمال المهمة وتدمير المزيد من قواعد العدو.
بالفعل تهيأ السرب للمغادرة والاقلاع مرة اخرى لكن طائرات العدو كانت علمت بالهجوم على قواعدها وقررت المباغتة هذه المرة، فتوجهت على الفور الى قاعدة الحسين العسكرية بالمفرق وفي اللحظة التي كان القائد يهم بالاقلاع بطائرته دوت صفارات الانذار في ارجاء المكان ليذهب الطيارون الى ملاجئ المطار ولكن لانه القائد فقد قرر المواجهة وعبثا حاول الاقلاع بطائرته للتصدي لطائرات العدو المتطورة فغافلته قذائفهم وهو يوشك على الاقلاع فحلّق شهيدا فوق ثرى الأردن قاتل واستشهد مجاهدا لأجل فلسطين.
انها  سيرة كواكب الشهادة في صفحات العز والمجد والشجاعة التي طرزها بالنيران الاردنية الرائد الركن منصور كريشان وهو يشمخ مع جنوده فوق تلال القدس الشريف وابوابها، والملازم اول الطيار المقاتل موفق السلطي، والمقدم البطل صالح شويعر، والملازم اول خضر شكري ابو درويش، والمرشح عارف الشخشير، ومحمود الحكوم العبيدات، وعلي الشبول، وشاكر العلوان العبادي، وعلي العمري، محمد سالم الخصاونة، محمد سالم الرقاد.. ومواكب طويلة من شهداء الجيش الاردني العربي العظيم. هذا ونحن نعلم انه وفي بلاد اخرى يرسمون صور الشهداء على جدران العمارات، ويحفرون اسماءهم، صيانة للذاكرة، وتحفيزا للاجيال، وتوثيقا مضيئا لمن اكرمهم الله بالشهادة!.. و:
لربما أطلتُ يا بعيدتي فمعذرة
أعودُ من جديد
لفارسٍ من عنجرة
في ليلة سَيُتْعبُ الجفونَ يا بعيدتي النعاس
يمطرُ السكونَ ليلةَ بكاءِ طفلنا الوليد
فسمِّه بعيدتي فراس ..
شرح صورة.
الشهيد المقدم الطيار المقاتل فراس العجلوني